صحافة دولية

التايمز: نساء في الموصل دمرت حياتهن لشبهة الصلة بـ"داعش"

نساء تنظيم الدولة

تناولت صحيفة التايمز مأساة العديد من النساء في الموصل، اللواتي دفعن ثمنا من حياتهم؛ بسبب شبهة الارتباط بتنظيم الدولة، في ظل المعارك التي انتهت بسيطرة القوات العراقية على المدينة قبل أعوام.

وأشارت الصحيفة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أن رصاصة قناص واحدة كلفت امرأة حاملا نصف عائلها وهي تحاول الهرب عبر أنقاض المدينة.

وأضافت الصحيفة: لقد أصابت الرصاصة ابنتها، فقتلت الطفلة البالغة من العمر عامين على الفور. مرت بجسد الطفلة إلى زوجها، وهو مدرس فنون بلغ من العمر 33 عاما، كان حاملا الفتاة على صدره. وسقط وتوفي بعد ساعتين تحت حطام حديقة في غرب الموصل، مع احتدام معركة حولهم".

وقالت لصحيفة التايمز: "لقد دفنت ابنتي في حفرة صغيرة تحت الأرض، ثم استلقيت مع زوجي المحتضر طوال الليل، حتى مات هو الآخر. وعند الفجر وجدت جنديا وعربة يدوية، معا دفعنا جسد زوجي عبر الأنقاض، بعيدا عن المعركة؛ لدفنه في مقبرة.. كان ذلك مرهقا جدا، وبدأت أنزف، وبعد ثلاث ساعات، فقدت جنيني الذي لم يولد بعد، لقد كنت في الشهر السادس من الحمل".

وتابعت: "كما لو أن الرصاصة لم تحدث أضرارا كافية، فإن معركة حزيران/ يونيو 2017 تلك لا تزال تفتح الجروح حتى اليوم. وفقدت المرأة، أم عمارة، الوصاية على طفليها المتبقيين؛ ابنها التوأم البالغ من العمر ست سنوات وابنتها 11، وطُردت من أربيل في كردستان العراق، حيث سعت إلى إعادة بناء حياتها".

وأوضحت الصحيفة أن "جريمتها هي أن أبناء عمومة زوجها المتوفى كانوا من بين أربعة أعضاء من الحسبة سيئة السمعة التابعة لتنظيم الدولة، وهي شرطة الآداب. وتلك الصلة كافية لتصنيف أرملته، 33 عاما، على أنها تنتمي إلى التنظيم".

ويؤثر المصطلح على ما يصل إلى 250 ألف عراقي، معظمهم من النساء والأطفال. إنهم عالقون في هوامش المجتمع العراقي، غير قادرين على إعادة الاندماج بسبب القرارات التي يتخذها الأزواج، أو الإخوة، أو الأبناء، أو الآباء، سواء كانوا متوفين أو مفقودين أو مسجونين، والتي لم يكن لديهن، كنساء، سيطرة عليها، وهن عرضة للاستغلال.

وقالت بلقيس ويلي، باحثة أولى في مجال الأزمات والصراع في هيومن رايتس ووتش: "الغالبية العظمى من هذه العائلات ترأسها إناث، ليس لديهن القدرة على جني الأموال، وبالتالي يصبحن من الطبقة الدنيا؛ لأنهن لا يستطعن الهروب من تصنيف المنتسبين لداعش".

وأشارت إلى أن "هناك خطرا من أن الجماعات المتطرفة سوف تستغل هذه المجتمعات الفقيرة والمحرومة بشكل فعال كما فعلوا من قبل، ما لم تبذل الحكومة جهدا لإعادة دمجهم مرة أخرى في المجتمع".


وأضافت: "المثير للغضب هو التفكير في أن الزوجة في المجتمع العراقي يمكن أن تفعل أي شيء بشأن قرارات الزوج أو الأب. إنه أمر مثير للسخرية. ربما اختارت نساء من الغرب الحصول على جواز سفر وركوب طائرة للسفر إلى "الخلافة". لم يكن أمام النساء في العراق مثل هذا الخيار".

وتم إلقاء الضوء على هذه القضية بشكل كبير، حيث تمضي السلطات العراقية قدما في إغلاق مخيمات عشرات الآلاف من المدنيين الذين نزحوا بسبب الصراع مع داعش. لا يزال ثلاثة فقط من مخيمات النازحين الـ18 مفتوحة، وتضغط الحكومة لإغلاقها هذا العام.

وقالت الصحيفة إن عدم وجود استراتيجية إعادة دمج متماسكة أدى إلى طرد العائلات "المتصور انتماؤها إلى داعش" في المجتمعات الممزقة بالفعل. ولقد تسببت الجهات الرسمية الساعية للعقاب والرغبة في الانتقام بجعلهم مهمشين أو مهجرين من جديد. والفقر والحرمان من الحقوق هي القاعدة، والافتراس الجنسي شائع".

قال مسؤول من المنظمة الدولية للهجرة في الموصل: "حتى بين المتعلمين تعليما جيدا، كان رد الفعل تجاه هذه العائلات المتصور انتماؤها لتنظيم الدولة صادما".

وشدد على أن "مسألة عودتهم وإعادة دمجهم، سواء كانوا في أي وقت مضى في مخيم للنازحين أم لا، هو التحدي الأكبر الذي يواجه الموصل، ومن دون حل وإعادة الاندماج، قد تصبح هذه العائلات عرضة للتطرف".

وللهروب من "وصمة داعش"، تحتاج العائلات أولا إلى تصريح أمني، وللحصول على هذا، يجب على قريب عضو تنظيم الدولة المزعوم رفع دعوى ضده، حتى لو كان في عداد المفقودين أو المتوفين.

وتُعرف هذه الممارسة بـ"التبرئة"، وتبرئ المدعي من ارتباط قريبه بالجهاديين. وإذا وافق القاضي، تمنح الأسرة وثيقة مختومة تؤكد براءتها.

من دون هذا التصريح والتوثيق الأمني، لا يُسمح للعراقيين بالتنقل بحرية داخل بلدهم. ولا يمكن توظيفهم أو استئجار عقار أو التأهل للحصول على أي مزايا حكومية مثل الرعاية الصحية.

وقالت الصحيفة إن التصريح الأمني مطلوب أيضا للحصول على شهادات الميلاد والوفاة. ومن دونها، لا يمكن تسجيل الأطفال المولودين في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة سابقا في المدارس.

ولفتت "التايمز" إلى أنه وقبل ثلاثة أشهر، عندما قابل عناصر الأمن الأكراد في أربيل أم عمارة (ليس اسمها الحقيقي)، أشاروا إلى غياب التبرئة كسبب لسحب بطاقة إقامتها وطردها من المدينة.

وعلى غير العادة، أعطوها خيار اصطحاب طفليها الناجيين معها إلى الموصل أو التنازل عن وصايتهم وتركهم مع أقاربهم لمواصلة تعليمهم في أربيل.

وقالت المرأة للصحيفة: "لم يكن هناك خيار على الإطلاق"، حيث تعيش الآن بمفردها، معتمدة على مساعدات الأسرة الممتدة. فمن دون وثائق، لا يمكنها المطالبة بمعاش زوجها.

وأضافت: "على الأقل في أربيل يمكن لأطفالي الحصول على التعليم. هنا في الموصل، لا يمكنني إرسالهم إلى المدرسة، إلا بعد أن أكمل عملية التبرئة، وتتم معالجة تصريحي الأمني، الذي يستغرق وقتا طويلا، وحتى حينها من غير المؤكد الحصول على التبرئة".

حتى بعد الحصول على التبرئة، يتعرض العديد من العائلات المتهمين بالانتماء إلى تنظيم الدولة للنبذ والتهديد والاعتداء في بعض الأحيان.

وبكت أم عمارة قائلة: "فقدت نصف عائلتي في معركة لم يكن لي رأي فيها.. ثم فقدت طفلي الأخيرين، حيث اتُهمت بأنني جزء من "عائلة داعش؛ بسبب قرارات أخرى لم أكن أسيطر عليها".

وختمت: "الآن يجب أن أحصل على التبرئة بالتبرؤ من زوج أحببته؛ لأنه من دون ذلك لن أتمكن من العيش مع أطفالي مرة أخرى، وسأبقى هنا أتعرض للمضايقة بشكل دائم من قبل المسؤولين الذين يريدونني، والذين يرغبون في، لا يوجد نقص في الرجال في الموصل الذين يريدون ملكية زوجة داعش، لا أرى أي مهرب من قرارات الرجال أينما اتجهت".