FA: كيف يمكن لعام الجائحة المظلم أن يبشر بمستقبل أفضل؟

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للزميل في مركز التنمية العالمية، تشارلز كيني قال فيه إن أمريكا بدأت أخيرا تدخل مرحلة التعافي من جائحة كوفيد-19 وآثارها الاقتصادية على ما يبدو. بدأت حملة التطعيم الوطنية بالفعل في تقليل الوفيات بشكل كبير. وأعلنت إدارة الرئيس جو بايدن عن مشروع قانون شامل للبنية التحتية لمتابعة حزمة التحفيز البالغة 1.7 تريليون دولار، والتي من المحتمل أن ترفع العديد من المؤشرات الاقتصادية، من الناتج المحلي الإجمالي إلى فقر الأطفال. وحتى الصين ماضية في طريقها: فقد سيطرت تلك الدولة إلى حد كبير على انتشار الفيروس بحلول آذار/ مارس 2020، وانتعش إنتاجها مرة أخرى بحلول الربع الأخير من العام الماضي.

وتعتبر هذه المؤشرات في أكبر اقتصادين في العالم علامات على أن العالم ككل قد يكون مستعدا لانتعاش قوي من أعمق ركود في زمن السلم منذ الكساد الكبير. هناك العديد من التطورات التي يمكن أن تعرقل هذا المسار، من بينها المتغيرات الفيروسية الجديدة المقاومة للقاحات أو الحرب الباردة الجديدة. لكن العديد من المؤشرات تشير إلى أن عقدا بدأ في مأساة يمكن أن يختتم على نغمة أكثر سعادة.

إن الوباء العالمي بعيد جدا عن الانتهاء، في الواقع، لا يزال العدد اليومي للحالات الجديدة المبلغ عنها في جميع أنحاء العالم أعلى بكثير مما كان عليه في معظم العام الماضي، ومن المحتمل أن يتجاوز العدد الحقيقي عدد الحالات المؤكدة. ومع ذلك، فإن حملة التلقيح قد تكون الأسرع على الإطلاق، وسيؤدي نجاحها إلى التعافي العالمي السريع في الاقتصاد إلى جانب الصحة.

ينبغي للتحسن السريع في الإنتاج أن يخفف الفجوات الحالية في تغطية اللقاح عبر البلدان. كان الوقت بين أول لقاحات كوفيد-19 في المملكة المتحدة وأول التطعيمات في غانا وساحل العاج 11 أسبوعا (كانت الفجوة في لقاح الالتهاب الرئوي 15 عاما).

قامت منظمة كوفاكس الدولية بتقديم تلك اللقاحات ومن المتوقع أن تقدم 1.8 مليار جرعة إضافية إلى البلدان النامية هذا العام. وأبرم منتج لقاح سبوتنيك 5 الروسي صفقات لإنشاء تصنيع في أوروبا والهند وقد يوفر 300 مليون جرعة على الأقل في الأشهر الـ 12 المقبلة.

يجب أن ينتج معهد الأمصال في الهند 100 مليون جرعة شهريا من لقاح أكسفورد-أسترازينيكا. ستصنع الهند أيضا مليار جرعة من لقاح جونسون أند جونسون بموجب اتفاق مع أمريكا. قد تتمكن الصين من إنتاج حوالي خمسة مليارات جرعة من لقاحاتها الثلاثة هذا العام، ما يكفي لتلقيح 2.5 مليار شخص. قدّر مركز الابتكار الصحي العالمي بجامعة ديوك أنه سيتم إنتاج لقاحات كافية في عام 2021 لتغطية 70% من سكان العالم.

مع انخفاض معدلات الإصابة، سيساعد تعافي أكبر اقتصادين في العالم على دفع النمو في أماكن أخرى. بدأت التجارة العالمية والإنتاج الصناعي في الانتعاش الصيف الماضي. تراجعت التجارة العالمية أقل مما كان يُخشى خلال الوباء: بحلول الربع الثالث من العام الماضي، كانت أقل 6% فقط من مستوى العام السابق.

وتتابع منظمة التجارة العالمية المؤشرات الرئيسية لأحجام التجارة التي أشارت إلى التعافي الكامل بحلول نهاية عام 2020. وبالمثل، تراجعت التحويلات المالية في عام 2020 إلى بنسبة 7% فقط وكان البنك يخشى أن تتراجع بنسبة 20% وهذه أيضا ربما تنتعش في عام 2021. بشكل عام، يتوقع صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 5.5% في عام 2021 (أكثر من تعويض الانكماش بنسبة 3.5% في عام 2020) و4.2% في عام 2022.

اضافة اعلان كورونا

وليست الدول الغنية هي الوحيدة التي ستستفيد من هذا الانتعاش. فعلى مدى عقدين من الزمن، كانت مداخيل البلدان تتقارب على مستوى العالم، حيث بدأت الفجوة بين الدول الفقيرة وتلك الأكثر ثراء في التقلص. أفاد الخبير الاقتصادي في جامعة برينستون أنجوس ديتون في كانون الثاني/ يناير أن معظم البلدان الفقيرة شهدت تقلصات اقتصادية مرتبطة بالوباء أقل من تلك التي وقعت في البلدان الغنية، بحيث عززت الأزمة التوجه العالمي إلى حد كبير، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن هذا سيستمر على ما هو عليه للعامين المقبلين.

علاوة على ذلك، تنتعش أسواق العمل. في الربع الثاني من العام الماضي، وفقا لمنظمة العمل الدولية، فقد العالم 18.2% من ساعات العمل قبل كوفيد-19 بسبب عمليات الإغلاق والقيود المرتبطة بالوباء. بحلول الربع الرابع، كانت تلك الخسارة 4.6%. التوقعات المتفائلة هي أن تنخفض خسائر التوظيف إلى 1.3% في عام 2021.

قد يحصل الاقتصاد العالمي قريبا على دفعة إضافية من صندوق النقد الدولي. فمثلما يمكن للبنك المركزي طباعة عملته الخاصة، يمكن لصندوق النقد الدولي طباعة "حقوق السحب الخاصة"، والتي يمكن للدول استبدالها بالدولار واليورو والين. عارضت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب اقتراحا بتخصيص 500 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في عام 2020، لكن جانيت يلين، وزيرة الخزانة في عهد بايدن، عكست هذا الموقف (وقد تقبل حزمة أكبر).

ستحصل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على حوالي 165 مليار دولار في شكل تمويل خارجي إضافي من هذا التخصيص – وربما يكون أكثر، إذا أعادت البلدان الغنية تخصيص أو إقراض بعض حقوق السحب الخاصة الجديدة الخاصة بها. على سبيل المثال، يمكن لمجموعة السبع والصين تحرير 37 مليار دولار لدعم أفقر البلدان إذا أعادت تخصيص 15% من حصتها.

عززت الاستجابة لكوفيد-19 التقنيات والابتكارات التي يمكن أن تدعم زيادة الرفاهية العالمية والإنتاجية. تُستخدم تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال في لقاحات فايزر وموديرنا لتطوير لقاحات لمكافحة مسببات الأمراض المنتشرة والقاتلة مثل تلك التي تسبب الإيدز والسل والملاريا. أظهرت تجربة المرحلة الأولى من تقنية لقاح الإيدز التي ستستخدم هذه التقنية نتائج إيجابية في شباط/ فبراير. يمكن لمثل هذه التحصينات - جنبا إلى جنب مع قدرات إنتاج اللقاح وتوزيعه التي تصاعدت استجابة للوباء - أن تغير بشكل دائم البيئة الصحية في العديد من أفقر بلدان العالم.

بحلول نهاية عام 2020، أدخلت 166 دولة أو وسعت نطاق التحويلات النقدية استجابة للوباء. وصلت هذه البرامج إلى 1.1 مليار شخص، وليس فقط في البلدان ذات الدخل المرتفع: وصل برنامج (إحساس) الباكستاني إلى 45% من السكان، ووصل برنامج التحسين الاجتماعي في الفلبين إلى 78%. عندما يمر الوباء، يمكن لآليات التحويل النقدي هذه أن تحل محل سابقاتها المعقدة والمعرضة للتسرب لتحسين آثار الإعانات والدعم على الفقر بشكل كبير.

في أمريكا، عرض العديد من أرباب العمل على موظفيهم خيار العمل عن بُعد أثناء الوباء. إلى حد أصبح فيه العمل عن بُعد ظاهرة عالمية، يمكن أن يشجع نمو التجارة في الخدمات، بما في ذلك خدمات الأعمال، لأن العمل من المنزل يمكن أن يكون قريبا من المكتب أو في أي مكان في العالم. وقد يخرج جيل جديد من رواد الأعمال العالميين من الأزمة الحالية. في أمريكا في العام الماضي، انهار عدد مذهل من الشركات، لكن إنشاء شركة جديدة كان أيضا أعلى بكثير مما كان عليه في العام السابق. ربما سيستفيد بعض رواد الأعمال الجدد من الفرص المتزايدة لتقديم الخدمات عن بُعد.

لقد أبرز الوباء أيضا بشكل كبير مقدار وعدد البلدان التي تعتمد على المهاجرين في انتقاء وتعبئة المحاصيل، وتقديم السلع، وتقديم الرعاية الصحية. قد يعكس التقدير الجديد لدورهم اتجاها عالميا متراجعا في قبول المهاجرين بحسب شركة غالوب للاستطلاعات العام الماضي، بعد التحسن الكبير الأخير في المواقف تجاه المهاجرين في أمريكا.

في النهاية، قد يساعد كوفيد-19 في ربط العالم معا من خلال إظهار حتمية المصير المشترك. اندلع الوباء في الصين، وانتشر من خلال عدوى لم تخضع للتتبع والمراقبة الجيدة في أوروبا وأمريكا، ونتجت سلالات في جنوب أفريقيا والبرازيل والمملكة المتحدة: أوضحت تجربة العام الماضي بوضوح أن سلامة الجميع تعتمد على قدرات واستجابات الآخرين. لقد حفز الوباء بالفعل على اتخاذ إجراءات عالمية بشأن الصحة العامة وتغير المناخ. وتعد مجموعة كبيرة من مقترحات الإصلاح بتمكين منظمة الصحة العالمية واللوائح الصحية الدولية الملزمة قانونا التي تشرف عليها، وقد زاد عدد التزامات البلدان بتصفير انبعاثات الكربون بحلول منتصف القرن. في عام 2019، غطت تعهدات التصفير حوالي 16% من الاقتصاد العالمي، وبحلول آذار/ مارس 2021، وصل العدد إلى 68%.

لا يزال التعافي القوي بعيدا عن اليقين، حيث تنتشر أشكال جديدة من كوفيد-19، وقد يظهر المزيد مع إعادة فتح الدول قبل السيطرة على الوباء. ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن 110 اقتصادات في جميع أنحاء العالم قد لا تزال تشهد انخفاضا في الدخل للفرد في عام 2022 مقارنة بعام 2019. وتشير منظمة العمل الدولية إلى أن خسائر الدخل كانت أكبر نسبيا بالنسبة للعمال الشباب والنساء والعاملين لحسابهم الخاص والعمال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة. خسرت النساء في جميع أنحاء العالم في المتوسط 5.0% من ساعات عملهن في عام 2020 مقارنة بخسارة 3.9% للرجال.

تشير الدلائل إلى أنه مع زيادة حدة تدابير الصحة العامة، بما في ذلك إغلاق المدارس، كان من المرجح بشكل متزايد أن تفقد النساء وظائفهن مقارنة بالرجال. كان لإغلاق المدارس على وجه الخصوص أثر غير متكافئ على رائدات الأعمال: في حزيران/ يونيو 2020، أشارت دراسة عالمية إلى أن 23% من صاحبات الأعمال التجارية كن يقضين ست ساعات أو أكثر يوميا في أعمال الرعاية مقارنة بنسبة 11% من الرجال.

قضى العديد من أطفال العالم معظم العام الماضي خارج المدرسة، وقدر البنك الدولي أن عشرة ملايين طفل قد يفشلون في العودة إلى التعليم الأساسي بعد إعادة فتح المدارس. لحسن الحظ، تشير الأدلة المتاحة إلى أن الغالبية العظمى من الآباء سيعيدون أطفالهم إلى الفصل الدراسي.

في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، تعافى متوسط الحضور الأسبوعي تماما إلى مستويات ما قبل الإغلاق، من 37% في تموز/ يوليو إلى 98% بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر (على الرغم من أن الحضور اليومي كان أقل من ذلك). وتشير الخبرة السابقة من إغلاق المدارس بسبب إعصار كاترينا، وتفشي مرض الحمى القلاعية، والسارز، إلى أن التأثير التعليمي للتغيب عن المدرسة يتلاشى إلى حد كبير بمرور الوقت.

ولكن في العديد من البلدان، كانت فترة الانقطاع عن المدرسة أطول بكثير من المرات السابقة، وسيقع عبء التعلم المفقود بشكل أكبر على المجموعات المتأخرة بالفعل: الأقليات والعائلات الفقيرة. بدون دعم قوي، يمكن أن يترجم الوقت الضائع في مكان العمل والفصول الدراسية إلى عدم مساواة أعلى بشكل دائم.

قد تتفاقم بعض الاتجاهات الاقتصادية المدمرة في أعقاب أزمة العام الماضي: يمكن أن تؤدي النزاعات التجارية حول السلع الطبية إلى مطالب بالاكتفاء الذاتي مما سيؤدي إلى زيادة الأسعار والمخاطر وعدم المساواة العالمية في الحصول على الأدوية، على سبيل المثال. وأخذت بعض البلدان الفقيرة على عاتقها ديونا يحتمل أن تكون غير قادرة عليها لتمويل استجاباتها للأوبئة.

سيأتي ضياع السفر لمدة عام ونصف على حساب الابتكار، حيث يمثل الوزن الصامت للمليارات من الفرص المفقودة عبئا على التعافي لسنوات قادمة. وقد أدى الوباء إلى ظهور مفهوم "دبلوماسية اللقاح" المثير للاشمئزاز: لا ينبغي استخدام الأدوية المنقذة للحياة كحيلة لكسب الرضى.

قبل أن يضرب كوفيد -19، كان العالم يتقدم بسرعة نحو جودة حياة أفضل. أحد مقاييس هذا التقدم هو أن الصدمة الاقتصادية الزلزالية التي حدثت العام الماضي كان من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة الفقر المدقع العالمي بمقدار 60 مليونا - وهو ما سيعيده إلى مستواه في 2015 أو 2016، قبل خمس سنوات فقط. انخفض متوسط العمر المتوقع في أمريكا بمقدار عام في بداية العام الماضي بسبب كوفيد-19: ارتفع متوسط العمر المتوقع العالمي بنفس المقدار بين عامي 2013 و2018. فيمكن للعالم في عام 2021، إذا اختار ذلك، الخروج من بؤس العام الماضي والعودة إلى التقدم الذي كان عليه في الماضي القريب.