يجمع الكثيرون على أن المنطقة تغلي على صفيح ساخن، وتعد أيامها بالساعات بانتظار انفراجات تأتي من ربيع فيينا، حيث المباحثات الجارية بين
إيران والأوروبيين والأمريكان لبلورة آلية للعودة إلى الاتفاق النووي الميت سريريا، منذ قرار الرئيس دونالد ترامب بتجميده والخروج منه؛ لعدة اعتبارات جوهرها تقليم أظافر إيران في المنطقة، من اليمن السعيد إلى غزة هاشم، مرورا بساحتين أساسيتين هما؛ سوريا على أبواب انتخاباتها وشكل الحل المرسوم لها بين الدول الكبرى في قادم الأيام، خاصة بعد الانفتاحة
الخليجية عبر بوابة الإمارات التي تؤدي دورا مهما في شكل المنطقة وموازينها، والثانية لبنان، فهو بحاجة إلى نضوج الحل الأمريكي الإيراني للخروج بحكومة ترضي المجتمع العربي والدولي، تمهيدا لمعركة التدقيق الجنائي ومحاربة الفساد والمضي قدما بالإصلاحات على المستويات الاقتصادية والسياسية والمالية والنقدية والقضائية، التي تتصدر المرحلة والمشهد اللبناني في لعبة القط والفار التي وصلت إلى القضاء.
كل هذه الساحات تحتاج إلى استراحة محارب على غرار الساحة العراقية التي تمضي بسياسة ربط النزاع الأمريكي- الإيراني، وتجسد ذلك بحضور وقامة رئيس الوزراء السيد مصطفى
الكاظمي.
الكاظمي رجل المرحلة..
مما لا شك فيه، أن المنطقة الواقعة على الفيلق الأمريكي- الإيراني تحتاج في اللحظة الراهنة آلية سريعة للعودة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني. ويبدو أن الأجواء باتت إيجابية أكثر، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية اليوم تحقيق تقدم في محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، وقال إن الأمور "على المسار الصحيح"، لكنه أضاف أن ذلك لا يعني التوصل إلى اتفاق نهائي. وقال خطيب زادة؛ إن إيران تريد أن ترى نتائج عملية لمحادثات فيينا كآليات تنفيذ واشنطن للاتفاق النووي خاصة رفع العقوبات.
من هنا جاء الحديث عن الواسطة التي يقودها السيد الكاظمي لبلورة آلية تلاقٍ سعودي- إيراني، قد يكون اللبنة الأساسية للحلحلة في المنطقة، خاصة أن الأمريكي يحتاج إلى الرضى السعودي مبدئيا قبل أي اتفاق جديد.
هل صار اللقاء؟
وكانت صحيفة فايننشال تايمز قالت؛ إن محادثات جرت بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى بالعاصمة العراقية بغداد، في التاسع من نيسان/ أبريل الجاري، في محاولة لإصلاح العلاقات بعد خمس سنوات من القطيعة الدبلوماسية. من هنا قد يكون الحديث عن اللقاء السعودي الإيراني مخرجا لكثير من ملفات عالقة، مثل صنعاء ومعاركها المفتوحة التي باتت تقلق السعوديين في الداخل، علما أن الكل يؤكد البعد الإيراني لمنظومة السلاح الحوثية، وتاليا لا بد أن ترسم هذه اللقاءات في طياتها آفاق هدوء لليمن، وكل وجع الرأس الذي جاء به للمملكة
السعودية.
أما في الساحة اللبنانية، فالكل يدرك مدى قدرة الفريقين المتحاورين على أرض بغداد في صناعة استقرار سياسي واقتصادي في لبنان. فاللاعب الأقوى في الساحة اللبنانية حزب الله يحتاج إلى الراحة من الضغط الهائل الذي يضرب لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ويؤذي صورة حزب الله وبيئته الحاضنة، كذلك تيار المستقبل والرئيس المكلف يحتاج بمكان ما إلى ضوء أخضر سعودي خليجي، يساعده في صناعة توليفة تمنع الانهيار الاقتصادي الذي قد يصل إلى "فلتان الملق"، بمعنى انهيار لبنان الشامل، وهذا ما لا ترضاه حتى الساعة الكثير من دول العالم، وعلى رأسهم فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون الذي ملّ من سياسيي لبنان الذين يماطلون حتى الرمق الأخير.
باختصار، السعودية ستطلب من إيران الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية العربية، ورفع يدها عن نقاط التأثير في المنطقة العربية خاصة في لبنان وسوريا واليمن، والتعامل مع دول المنطقة بمفاهيم الصداقة المقررة في أدبيات التعاون الدولية، والتوقف عن أساليب الاستعلاء واستخدام المصطلحات التقليدية التي ورثها النظام السياسي الإيراني، مثل مفاهيم تصدير الثورة ونصرة المستضعفين والقوة الطائفية في المنطقة.
في المقابل، ستدافع إيران عن مصالحها وصولا إلى إنجاز اتفاقها النووي الجديد مع ملحقه، الذي لا بد أنه سيحتاج إلى رضى مجموعة من دول المنطقة لكي يكتب له النجاح والاستمرارية. في طليعة تلك الدول المملكة العربية السعودية التي عبرت عن رغبتها ومبادرتها في إنهاء حرب اليمن في أسرع وقت ممكن.
عسى الحلول تأتي.. رغم صعوباتها
لا شك أن الرئيس الكاظمي يمتلك الكاريزما والقدرة لخلق أرضية تسهم في كسر الجمود وبلورة مفاوضات سعودية- إيرانية ناجحة، خاصة إذا ما نظرنا إلى صداقته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وظهر ذلك جليا في زيارة الكاظمي الأخيرة إلى الرياض، كذلك يتمتع الكاظمي بعلاقات جيدة أيضا مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية، منذ أن كان رئيسا للاستخبارات العراقية قبل وصوله إلى سدة رئاسة الوزراء.
إن الحديث عن جولات مفاوضات قادمة قد يساعد في انتشال المنطقة من الحروب والمآسي التي تلوح في الأفق، خاصة في ظل كوفيد- 19 الذي لا يزال يضرب دول المنطقة والعالم، وبعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية في العامين الأخيرين، وانتظار نتائج الانتخابات الفلسطينية والتحولات الكبرى في المنطقة العربية برمتها سياسيا واقتصاديا، مضافة إليها ملفات غاز شرق المتوسط المتفجرة من لبنان وحدوده الجنوبية، ومن ليبيا إلى تركيا ومصر والمنتديات المتزايدة للطاقة.
ببساطة، إن نجاح الأمر ليس بالسهل، حيث الشياطين تحضر في التفاصيل والمهمة ليست بالسهلة للجميع، فهل يكون الكاظمي عراب حلول المنطقة من البوابة السعودية- الإيرانية؟