أعلنت أديس أبابا، السبت، تمسكها ببدء عملية الملء الثاني لسد النهضة في الموعد المقرر لها في تموز/ يوليو المقبل، في وقت تضيق فيه دائرة الحلول أمام مصر، التي تعتبر مياه النيل مسألة "حياة أو موت" للمصريين، واتصالات سودانية مكثفة بالأطراف الدولية من أجل توضيح مخاوفها حيال تنفيذ القرار الإثيوبي أحادي الجانب.
ويأتي الإعلان الإثيوبي بعد أقل من 24 ساعة من إعلان الولايات المتحدة تعيين الدبلوماسي الأمريكي المخضرم جيفري فيلتمان مبعوثا خاصا للقرن الأفريقي، لقيادة الجهود الدولية لإنهاء التوتر الناتج عن إقامة السد الإثيوبي، وسط تساؤلات عن سر "برود" الموقف الخليجي في التعامل مع أزمة سد النهضة.
وأخفقت المفاوضات الفنية بين مصر والسودان وإثيوبيا، التي استمرت نحو 10 سنوات، في التوصل إلى اتفاق يرضي الأطراف الثلاثة. فأديس أبابا تصر على بدء الملء الثاني، البحيرة الصناعية للسد، بمساحة 246 كيلومترا مربعا، وتتسع لأكثر من 74 مليار متر مكعب خلال الشهرين المقبلين، فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بعقد اتفاقية تضمن حصتهما السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب، على التوالي.
وتحصل مصر على أكثر من 90 في المئة من مواردها من المياه العذبة من نهر النيل، وتتخوف من أن يؤدي السد الإثيوبي إلى تدمير جزء كبير من اقتصادها، فيما ترى إثيوبيا في السد المقام على النيل الأزرق فرصة لوضعها في صدارة الدول الأفريقية المصدرة للطاقة.
"مفاوضات عبثية"
ومع فشل المفاوضات الفنية التي وصفها الخبير الدولي في الموارد المائية، العضو السابق في وفد السودان بمفاوضات سد النهضة، أحمد المفتي، خلال حديث خاص مع "عربي21"، بـ"العبثية"، واستبعاد معظم المراقبين قيام مصر بعمل عسكري ضد السد الإثيوبي، يأمل العديد من المصريين في تدخل خليجي، خاصة من الإمارات والسعودية، واستخدام ورقة الاستثمارات للضغط على إثيوبيا لصالح مصر، والتوصل إلي حل يجنب المصريين خسائر فادحة.
وتمنى عدد من الكتاب والإعلاميين المصريين أن تستخدم السعودية والإمارات استثماراتها في سد النهضة والاقتصاد الإثيوبي لدعم مصر في أزمة سد النهضة، وتساءل الكاتب عماد الدين حسين في مقال له بصحيفة الشروق المصرية: لماذا لا تطلب مصر، بوضوح من الأشقاء الخليجيين، مزيدا من الضغوط على إثيوبيا، حتى تعود لصوت العقل وتقبل باتفاق عادل لمصلحة الجميع؟ قائلا: "القضية ليست وجود علاقات واستثمارات خليجية في إثيوبيا، بل كيف يمكن توظيف هذه المصالح في دعم موقف مصر، في قضية تمس وجودها بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث الإعلام المصري عن الاستثمارات الخليجية في إثيوبيا، فقد سبقه تقرير نشرته صحيفة الأهرام الحكومية جاء تحت عنوان: (إثيوبيا "تتنفس" بأموال الخليج.. السعودية "تشرب القهوة" بجوار "النهضة"، وقطر تصارع الإمارات على "الزهرة الجميلة")
ووفقا للأهرام، تعتبر إثيوبيا أن خلافها مع مصر حول سد النهضة هو "مشكلة عربية"، ولا تهتم إثيوبيا بأن تكون ورقة مكايدة سياسية بين مصر وأي دولة عربية، وكل ما يعنيها هو جذب رؤوس الأموال لأربع مناطق صناعية متخصصة تعتزم إنشاءها في "أديس أبابا"، "دير داوا"، "أواسا"، و"كومبولتشا"، واجتذاب المزيد من المستثمرين الخليجيين الراغبين في الربح للمحافظة على وتيرة التنمية في ثاني أكبر بلد أفريقي من حيث عدد السكان.
"الإمارات تحمي السد"
لكن التمني المصري بالإعلام الذي تتحكم في إدارته أجهزة سيادية عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الأشقاء في الخليج بالضغط الاقتصادي على إثيوبيا، يقابله تشكيك على مواقع التواصل الاجتماعي في الموقف الخليجي، خاصة في ظل تداول تصريحات نقلتها "القدس العربي" على لسان دبلوماسي أفريقي -لم تسمه- كشف فيها عن "دعم سخي قدمته الإمارات لإثيوبيا، مكنها مؤخرا من الحصول على منظومة (بانتسير اس 1) الروسية المتطورة، والتي ستقوم بدور رئيسي في حماية سد النهضة من أي تهديد يطاله".
ولا يستبعد كثير من المراقبين، وفقا للصحيفة، أن تقف أبو ظبي في صف أديس أبابا، حال نشوب صراع بينها وبين القاهرة، للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في إثيوبيا، خاصة أن الاقتصادي هو الذي بات يتحكم في صانع القرار الإماراتي.
وفي حزيران/ يونيو 2018، أعلنت إثيوبيا عن تعهد الإمارات بضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي، مليار دولار منها كوديعة في البنك المركزي، وملياري دولار كاستثمارات مباشرة تتركز في مجالات الزراعة.
وتتنوع الاستثمارات الخليجية في إثيوبيا، لكن أغلبها تتركز في مجالي الزراعة والإنتاج الحيواني، لكن خلال السنوات الأخيرة تلقت الخزينة الإثيوبية دعما سخيا من السعودية والإمارات في صورة ودائع بنكية، وقروض ميسرة، إلى جانب الاستثمارات في عدة مجالات مختلفة، بما فيها الاستثمار في مشاريع تتعلق بسد النهضة نفسه.
"البحث عن قطة سوداء بغرفة مظلمة"
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2016، زار مستشار العاهل السعودي، أحمد الخطيب، سد النهضة؛ للوقوف على إمكانية توليد الطاقة المتجددة، وهو ما يطرح تساؤلات عدة أبرزها: إلى أي مدى يمكن استغلال استثمارات الخليج لصالح مصر في أزمة سد النهضة، خاصة في ظل وجود تحالف قوي الآن بين مصر والسعودية الإمارات؟ وهل يمكن أن تضحي الرياض أو أبوظبي بعلاقتها بأديس أبابا من أجل القاهرة؟
خلال إجابته عن التساؤلات المطروحة، دعا الخبير في الشؤون الأفريقية، رضوان موسي، الدول الخليجية المستثمرة في إثيوبيا إلى أن يكون لها دور فاعل في دفع المفاوضات بشأن سد النهضة إلى الأفضل، إن لم يكن لصالح مصر فعلى الأقل لحماية استثماراتها بالمنطقة.
وقال موسى، في حديث خاص لـ"عربي21": "من الحكمة أن تقوم الدول الخليجية، خصوصا الإمارات والسعودية وقطر، بدور في دفع عملية المفاوضات إلى الأفضل، ولا أستبعد استخدام ورقة الاستثمارات الخليجية في عملية المفاوضات بين الأطراف الثلاثة".
وتابع: "لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد في هذه الأزمة، خاصة أن أي عمل عسكري محتمل في هذه المنطقة، سيخلف آثاره خطيرة، ويمثل تهديدا مباشرا لاستثمارات هذه الدول".
وأوضح موسى عدم الوصول لحل يهدد استقرار المنطقة، وطالما لا يوجد استقرار، فلن يوجد سلم بالمنطقة، ولا أرباحا لأي استثمارات، واصفا المفاوضات بشأن أزمة سد النهضة بأنها عبارة عن "عملية بحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة".
وحمّل موسى جزءا كبيرا من مسؤولية الأزمة التي تهدد المصريين إلى تفريط رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي في حقوق مصر التاريخية من مياه النيل، كمقايضة مقابل الحصول على شرعية من الاتحاد الأفريقي لانقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي.
"تحقيق العدالة للأطراف الثلاثة"
واتفق أستاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين في الخرطوم، محمد الناير، مع موسى في أهمية استخدام الاستثمارات الخليجية كورقة في التوصل للاتفاق بشأن أزمة سد النهضة.
لكن الناير قال في حديثه لـ"عربي21"، إنه لا يمكن لمصر أو السودان تحديد مواقف دولة بعينها، حتى لو كان هناك توافق تام فيما بينهما، لافتا إلى أن كل دولة تنظر إلى مصالحها بصرف النظر عن تطابقها أو اختلافها مع دول أخرى.
وأضاف: "جوهر القضية في أزمة سد النهضة يتمثل في ضرورة تحقيق العدالة للأطراف الثلاثة، دون الإضرار بأي دولة، ويجب أن تتكامل أي جهود خليجية مرتقبة مع الجهود الأفريقية والجهود الدولية".
وتابع: "تم إنجاز أكثر من 90 بالمئة من مشروع سد النهضة، والخلافات حول أقل من 10 بالمئة من المشروع، سواء ما يتعلق بعمليات ملء السد أو إجراءات تشغيله، وكل الدول العربية والأفريقية التي تساهم في تمويل مشروع سد النهضة تريد التوافق التام حول هذا المشروع".
"مركزي مصر": ارتفاع الدين الخارجي إلى 129.2 مليار دولار
استثمارات سعودية إماراتية جديدة بالسودان.. ما دلالة توقيتها؟
مصر تحتجز سفينة "إيفر غيفن" لحين دفع التعويضات