تحدث مسؤولون سودانيون، أخيرا، عن مصير اتفاقيات البلاد مع روسيا، ومن بينها إقامة قاعدة عسكرية للأخيرة في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.
لكن ذلك لم ينه الغموض بشأن مصير الاتفاق، لا سيما أن الإعلان غير رسمي من طرف الخرطوم، وقابل كذلك نفيا من جانب موسكو.
ومنذ الأربعاء، صرح أكثر من مسؤول سوداني، من دون الكشف عن هوياتهم، لوسائل إعلام محلية وإقليمية، بأن الخرطوم جمدت اتفاقية إقامة القاعدة العسكرية الروسية.
والأربعاء، قال مسؤول سوداني رفيع المستوى، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، إن "قرار التجميد يخص اتفاقية وقعها النظام السابق (برئاسة عمر البشير 1989- 2019) مع موسكو، وتشمل إنشاء قاعدة عسكرية روسية في ميناء بورتسودان".
وأوضحت مصادر أخرى أن الخرطوم جمدت الاتفاقية لحين المصادقة عليها من المجلس التشريعي الانتقالي (لم يتشكل بعد)، إضافة إلى وقف أي انتشار عسكري روسي في قاعدة "فلامنغو" البحرية شرق السودان.
لكن السفارة الروسية سارعت إلى القول، في بيان، الخميس: "في ما يتعلق بالتقارير التي ظهرت في الإعلام الإقليمي والسوداني حول مزاعم إيقاف تنفيذ الاتفاقية بين السودان وروسيا بشأن إنشاء مركز تموين وصيانة للبحرية الروسية على أراضي السودان، نؤكد أن هذه التصريحات لا تتفق مع الواقع".
قبل التجميد
وفي 15 نيسان/ أبريل الماضي، نفى مجلس الدفاع والأمن السوداني (أعلى هيئة أمنية بالبلاد) دقة أنباء تداولتها وسائل إعلام عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية في البلاد.
وفي 2017، لم تتحمس موسكو لطلب البشير إقامة قاعدة عسكرية روسية في بلاده.
لكن مؤخرا، نشطت موسكو في الحديث عن اتفاقية وقعتها مع الخرطوم لإقامة قاعدة عسكرية روسية، بينما تعاملت الخرطوم مع الأمر بالنفي.
وفي أيار/ مايو 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ.
وصادق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، على إقامة قاعدة بحرية روسية في السودان.
غير أنه في الـ19 من الشهر نفسه، قال رئيس الأركان السوداني، الفريق الركن محمد عثمان الحسين: "حتى الآن ليس لدينا الاتفاق الكامل مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لكن التعاون العسكري بيننا ممتد".
في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2020، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية بين موسكو والخرطوم حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، لـ"تعزيز السلام والأمن في المنطقة"، بحسب مقدمة الاتفاقية.
اقرأ أيضا: تجميد سوداني لاتفاق لقاعدة عسكرية لروسيا.. والأخيرة تنفي
ونصت الاتفاقية على إقامة منشأة بحرية روسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكري ومدني.
ويمكن لهذه القاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية
رفض داخلي
ووفق اللواء متقاعد أمين إسماعيل مجذوب، وهو خبير استراتيجي وعسكري، فإن ملف القاعدة العسكرية الروسية أو "المركز اللوجستي معقد؛ فالاتفاق بشأنها تم مع النظام السابق (البشير)".
وأضاف مجذوب للأناضول أن "النظام السابق وتحت ضغوط دولية من عقوبات وحصار ورعاية الإرهاب، لجأ إلى دول مثل روسيا والصين، ووافق على شروط، وبينها هذه الاتفاقية".
وتابع: "السودان استفاد من هذه الاتفاقية مع روسيا في الأسلحة وبعض الأجهزة التقنية والمشاركة في التدريب البحري، ولكنه خسر السيادة، مثل عدم وجود ولاية قضائية للسودان على القاعدة الروسية وعدم السماح بإقامة قاعدة لأي دولة أخرى لمدة 25 عاما".
وأضح أن "الاتفاقية، خلال فترة الـ25 عاما، تسمح بدخول سفن ذات قدرات نووية وأجهزة استخبارات وترصد وحرب إلكترونية، وهذا دليل على أن القاعدة ستكون هجومية وعسكرية، وليس للإمداد والتموين، كما ورد في مقدمة الاتفاقية".
ورجح أن "تعليق (الاتفاقية بشأن) القاعدة العسكرية لن يؤثر على علاقات السودان وروسيا، فالعلاقات الاقتصادية والسياسية والزراعية ماضية بشكل يحفظ مصالح البلدين".
ورأى أن "الاتفاقية توجد بها إشكالية جعلتها موضوع نقد حتى تُعرض على المجلس التشريعي، كما أن هناك ضغطا من الرأي العام الداخلي رافضا للاتفاقية".
وتابع: "وهذا التواجد (العسكري) سيجعل السودان مسرحا لتصفية الحسابات والصراع بين دول، في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا التي تأمل في تواجد على الساحل السوداني".
وأردف: "بالإضافة إلى ضغط إقليمي من الدول في المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وعلى رأسها السعودية، التي ترفض أن يمنح السودان قوى عظمى مساحة على البحر الأحمر، وهو ما يزيد من خلاف الخرطوم مع هذه الدول".
ويمتلك السودان ساحلا يتجاوز الـ700 كلم على البحر الأحمر، الذي تطل عليه أيضا كل من مصر وجيبوتي والصومال وأريتريا والسعودية والأردن واليمن.
ضغط أمريكي
وقال عمر الفاروق، وهو صحفي، للأناضول، إن "السودان استجاب لضغوط أمريكية بشأن تجميد القاعدة، فواشنطن لا تريد قاعدة روسية شرق السودان".
وتابع بأن "الاتفاقية العسكرية مع روسيا هي من تركات النظام السابق، ولم يتم التصديق عليها من المجلس التشريعي، لذلك فإنها تعتبر ناقصة".
و"تملك الحكومة السودانية حق رفض أي قاعدة عسكرية، روسية أو أمريكية، بالتعلل بأن المجلس التشريعي هو الذي يقرر إقامة أي قاعدة عسكرية"، بحسب الفاروق.
وكان مقررا تشكيل هذا المجلس بعد 90 يوما من توقيع وثيقة دستورية، في 17 آب/ أغسطس 2019، بين المجلس العسكري (الحاكم آنذاك) وتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، الذي قاد احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية، ما دفع قيادة الجيش إلى عزل البشير، في 11 نيسان/ أبريل 2019.
وبينما تلتزم السلطة الانتقالية الصمت بشأن أسباب تأخر تشكيل المجلس الشريعي، يقول منتقدون إنها حريصة على استمرار هذا الوضع، الذي يمنحها حق تمرير القوانين عبر اجتماع مشترك لمجلسي الوزراء والسيادة.
أنباء عن مقترحات روسية جديدة لتركيا تخص إدلب السورية
ما إمكانية استغلال أزمات إثيوبيا الداخلية لإنهاء أزمة السد؟
قراءة إسرائيلية في المصادقة السودانية على إلغاء "المقاطعة"