يقول السياسيون المقربون من دوائر صناعة القرار في عمان إن رواية الدولة
بشأن قضية الأمير حمزة – والتي استحوذت على اهتمام الجمهور في المملكة على مدى أسابيع
– بدت هزيلة أمام رواية المعارضة.
لقد اجتاحت الشخصيات الإعلامية المعارضة، وبشكل خاص المتواجدة في الخارج،
الحيز السيبراني الأردني، وماتزال الوسوم (الهاشتاغات) الداعمة للأمير مهيمنة. وكان
رئيس الوزراء بشر الخصاونة قد صرح في لقاء مع الصحفيين بأن مئات الآلاف من الحسابات
الزائفة في مواقع التواصل الاجتماعي انطلقت من البلدان العربية المجاورة بهدف تقويض
الرواية الرسمية والاستقرار الداخلي في الدولة. وتناقل الصحفيون المقربون من الحكومة
هذه المزاعم دون بذل أدنى جهد لتمحيصها.
إلا أن الرواية الرسمية للدولة لم تقنع كثيراً من المواطنين العاديين
في الأردن، رغم أن قطاعاً من المجتمع يميل إلى تبني النظرة "التآمرية" التي
اعتمدت عليها الحكومة. في واقع الأمر، يستمر الكثيرون في التعاطف مع الأمير حمزة.
يشير المحللون إلى سببين يقفان وراء هذا الإخفاق الظاهر في رواية الدولة.
أما الأول فهو التضارب وانعدام التماسك في الحكاية نفسها، من المزاعم الأولى لمحاولة
الانقلاب الفاشلة التي تورطت فيها أطراف إقليمية وتم إحباطها عند "الساعة صفر"
إلى الاتهامات التي وجهت للأمير حمزة بأنه ضالع في المخطط، إلى الأقوال المتضاربة حول
أن دور الأمير كان مقتصراً على التعاطف مع حركة المعارضة الشعبية. ثم جاء أخيراً تأكيد
الملك بأنه تم احتواء التهديد.
تأرجحت رواية الدولة بين نقيضين، أما الأول فهو الادعاء بأن سلوك الأمير
حمزة المشاكس عبر الإنترنيت وزياراته المتعاقبة للعديد من المحافظات مثل تهديداً غير
مسبوق لإرث العائلة الملكية واستقرارها السياسي، وسط مطالبات شعبية بإعادة تنصيب الأمير
حمزة ولياً للعهد. وفي الطرف المناقض كانت توجد مزاعم الدولة بأن الأمير حمزة ضالع
في مؤامرة تم التنسيق لها بالتعاون مع قوى معادية خارجية، وأن عينه كانت على العرش.
وأما السبب الثاني وراء انعدام ثقة الجمهور برواية الدولة، كما يقول
المحللون، فهو الهوة المتنامية في الثقة والمصداقية التي منيت بها الحكومات الأردنية
المتعاقبة لسنوات، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التشكيك في رواية الدولة للأحداث.
مؤسسات الدولة الهشة
إلا ثمة سبب ثالث، وقد يكون السبب الأهم على الإطلاق، ألا وهو الفراغ
السياسي في الأردن بدليل الضعف والهشاشة في أداء الحكومة ومؤسسات الدولة. فحتى من يتمتعون
بحضور سياسي في الشارع وبالقدرة على نصح الملك – بما في ذلك أولئك الذين تتباين وجهات
نظرهم مع ما لديه من أفكار مسبقة، طالما أنها لصالح الاستقرار – غائبون.
كان الراحل الملك حسين محاطاً برجال دولة من الطراز الأول من شتى الخلفيات
السياسية، والذين خدموا كمستشارين وكانوا يشاركون في نقاشات مطولة حول سياسة الدولة.
بعضهم كان يعارض الملك حول قضايا معينة وتمكن في نهاية المطاف من إقناعه بتغيير الاتجاه،
كما يستشف من مذكرات قائد الجيش السابق زيد بن شاكر والسياسي السابق مضر بدران والدبلوماسي
السابق عدنان أبو عودة.
مثل هذه الحكمة تكاد تكون مفقودة اليوم في قرارات الحكومة، الأمر الذي
يفسر الارتباك الحاصل في التعامل مع الأزمات – والتي يبدأ بعضها صغيراً ولكنه ينمو
حتى يخرج عن السيطرة بسبب "وجود أزمة في إدارة الأزمات".
ما كانت قضية الأمير حمزة لتصل إلى هذه المرحلة من الاستقطاب فيما يتعلق
بالرأي العام المحلي لو أن مؤسسات الدولة كانت واثقة من نفسها وقادرة على ملء الفراغ،
ولو وُجد رجال دولة يتمتعون بالحكمة والشجاعة للرد بشكل مناسب ولتحمل العواقب إزاء
الجمهور الأردني.
بدلاً من ذلك، ومنذ البداية، دخل معظم الوزراء إلى مخابئهم، وكان واضحاً
أن المسؤولين السابقين الذين رغبوا في تبرير سلوك الدولة كانت تنقصهم المعلومات الدقيقة،
مما تسبب في مزيد من الإضرار بصورة البلد داخلياً وخارجياً، وفي نفس الوقت أدى ذلك
إلى تآكل مصداقية رواية الدولة.
اهتزاز الثقة
على الرغم من مسارعة حكومات العالم إلى التعبير عن دعمها للأردن أثناء
الأزمة، وبشكل خاص ذلك الدعم الذي أبدته إدارة بايدن في الولايات المتحدة، إلا أن التغطية
في وسائل الإعلام الغربية هزت الثقة في نفوس المسؤولين المحليين ودفعتهم نحو التراجع.
وكان من المواضيع التي تم تناقلها ومشاركتها على نطاق واسع عبر الإنترنيت مما أغضب
الأطراف السياسية الداخلية ذلك المقال القاسي في مجلة فورين بوليسي بعنوان: "الأردن
تحول إلى مملكة موز".
إلا أن القضية تتجاوز حكاية الأمير حمزة، فهي تتعلق بالوضع السياسي
العام في الأردن ككل. وحتى إذا ما تم احتواء الأزمة الأخيرة – على الأقل في المدى المنظور
– ومعظم من وجهت لهم أصابع الاتهام أطلق سراحهم، فإن المطالبات بإجراء إصلاح سياسي
بعد الأزمة تشير إلى وجود إدراك جماعي بأن ثمة فراغاً سياسياً في البلاد يحتاج للملء
وأنه يتوجب إعادة تأهيل الحياة السياسية في البلاد.