فاز مرشح حزب العمال صادق خان بولاية جديدة كعمدة لمدينة لندن، متقدما بفارق كبير على حساب مرشح حزب المحافظين شون بيلي.
وحصل خان على 55.2 في المئة من الأصوات، مقابل 44.8 في المئة للمرشح المنافس في الانتخابات المحلية، التي أجريت الخميس، وأعلنت نتائجها مساء السبت.
وكان فوز خان متوقعا، لكن هامش الفوز جاء أقل قليلا مما كان عليه في فوزه الأول عام 2016.
وحصل خان على 1,013,721 صوتا، بينما حصل منافسه على 893,051 صوتا. كما تلقى 192,313 صوتا إضافيا كخيار ثان، بينما حصل بيلي على 84,550 صوتا.
وغرد خان قائلا: "شكرا لندن. إنه شرف كبير في حياتي لأخدم المدينة التي أحب لثلاث سنوات أخرى. سأقلب كل حجر لكي تقف مدينتنا على قدميها. مستقبل مشرق ممكن، وسننجز ذلك معا".
وكان يفترض عقد هذه الانتخابات العام الماضي، لكن جرى تأجيلها بسبب أزمة وباء كورونا.
وفي كلمة له بعد إعلان الفوز، قال خان إنه يريد "بناء الجسور التي تجمعنا، بدلا من الأسوار التي تفرقنا"، ودعا للعمل من أجل "مستقبل أفضل وأكثر إشراقا"، بعد "أيام الجائحة القاتمة"، معتبرا أن نتائج الانتخابات الأخيرة تشير إلى أن "بلدنا ما زال منقسما بشدة"؛ بسبب قضية بريكست بشكل خاص.
ويشار إلى أن خان ينحدر من أصول باكستانية مسلمة، في حين لجأ حزب المحافظين إلى ترشيح بيلي الذي ينحدر من أصول جامايكية، في محاولة على ما يبدو للحصول على أصوات الأقليات.
وشكا بيلي من محاولات لشطبه من قبل سياسيين من حزبه وإعلاميين وقائمين على استطلاع الرأي، لكنه شكر اللندنيين الذين منحوه أصواتهم. وفي المقابل، واجه خان حملات معادية من اليمين، اتُهم حزب المحافظين بالوقوف وراءها.
ورغم أنه واجه انتقادات بسبب ارتفاع مستوى الجريمة، خصوصا جرائم الطعن بالسكاكين بين المراهقين، ركز خان خلال حملته الانتخابية على إيجاد وظائف للندنيين، بعدما تضررت المدينة من غياب السياحة بسبب كورونا.
ورغم فوز خان المريح في لندن، واجه حزبه (العمال) تراجعا في مناطق عدة في بريطانيا، بينها خسارة انتخابات فرعية للبرلمان، وهي دائرة هارتيلبول، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الدائرة، حيث فاز مرشح المحافظين بفارق كبير. كما فقد الحزب السيطرة على ستة مجالس محلية وأكثر من 200 عضو في المجالس المحلية. وبشكل عام، تراجعت أصوت الحزب قليلا مقارنة بالانتخابات المحلية السابقة.
وبينما واجه زعيم حزب العمال كير ستارمر انتقادات بسبب الضربة التي تلقاها الحزب في هارتيلبول، لجأ ستارمر إلى إقالة نائبته أنجيلا راينر من منصبه كمنسقة للانتخابات، وهو الأمر الذي زاد من حدة الصراع داخل الحزب، مع اتهامات لستارمر باتخاذ راينر ككبش فداء.
اقر أ أيضا: حملة إعلانية ضد عمدة لندن صادق خان.. هل المحافظون وراءها؟
من هو صادق خان؟
بعدما أعطى وجها جديدا للندن، أصبح العمالي صادق خان وجها للاستمرارية بفوزه بولاية ثانية على رأس العاصمة البريطانية، بدون أن ينسى أصوله الأجنبية والمتواضعة التي يفخر بها.
فاز المحامي السابق المتخصص بالحقوق الإنسانية والبالغ من العمر خمسين عاما، برئاسة بلدية لندن للمرة الأولى في 2016، وأصبح أول مسلم على رأس عاصمة غربية.
وهو صعود مميز لابن مهاجرين باكستانيين عاش في سكن اجتماعي مثل خصمه المحافظ ذي الأصول الجامايكية شون بيلي.
وقال بعد إعلان فوزه "نشأت في سكن اجتماعي صبياً من الطبقة العاملة ابن مهاجرين، لكنني الآن رئيس بلدية لندن. أنا من سكان لندن. المدينة في دمي لكنني أيضا رجل إنكليزي وطني وبريطاني فخور بتمثيل العاصمة الرائعة للأمة".
خلال فترة ولايته بنى صادق خان لنفسه سمعة رجل مؤمن بمبادئ أوروبا ومعارض شرس لبريكست والمروج له رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون، الذي كان رئيسا للبلدية قبله.
وأثار الرجل ضجة بمناوشاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي هاجمه شخصيا خلال موجة من الهجمات الجهادية في لندن. وقال صادق خان في مقابلة مع وكالة فرانس برس قبل أسبوع من الانتخابات: "وصفني مرة.. بالفاشل. أحدنا فقط فاشل، هو وليس أنا".
الألعاب الأولمبية
خلال حملته تبنى صادق خان شعار "وظائف وظائف وظائف" لتنشيط اقتصاد مدينة واجهت الوباء وبريكست الذي شكل ضربة قاسية لقطاعها المالي القوي.
ولضمان "مستقبل أكثر إشراقا" للندن، على أمل تكرار نجاح عام 2012، قال إنه يريد ترشيح المدينة لألعاب أولمبية "دائمة" في 2036 أو 2040، وهذا ما يمكن أن يحفز بناء بنى تحتية تحترم البيئة.
خلال ولايته الأولى، جمد المسؤول المنتخب أسعار النقل العام وأنشأ مناطق منخفضة الانبعاثات لمكافحة التلوث الناجم عن السيارات.
لكنه واجه انتقادات بسبب فشله في وقف الهجمات بالسكين، وهي آفة يعزوها إلى انخفاض عدد أفراد الشرطة الناتج عن إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومات المحافظة.
مؤخرا، أنشأ لجنة لتحسين التنوع في الأماكن العامة في أعقاب حركة "حياة السود مهمة" التي أدت إلى تحطيم تماثيل تجار للرقيق في المملكة المتحدة.
ملاكمة
في بلد ما زالت السياسة فيه حكرا على نخبة معظمها بيضاء، قال صادق خان قبل أشهر من انتخابه للمرة الأولى في 2016، إنه "لم يتصور يوما" أن يتم اختياره لخوض السباق إلى منصب رئيس البلدية.
ولد صادق خان في تشرين الأول/ أكتوبر 1970 من عائلة باكستانية هاجرت حديثا الى بريطانيا، ونشأ مع أشقائه وشقيقاته الستة في حي توتينغ الشعبي في جنوب لندن. وكان والده سائق حافلة ووالدته خياطة.
درس في مدرسة ثانوية رسمية غير مشهورة في حيه ثم في جامعة نورث لندن. وهو يعرب عن امتنانه لهذا التعليم الرسمي والمجاني.
كان يرغب في بادئ الأمر أن يدرس العلوم لكي يصبح طبيب أسنان، لكن أحد أساتذته لمس براعته في النقاش والمواجهة ووجهه نحو دراسة القانون. لذلك، درس المحاماة وتخصص في قضايا حقوق الإنسان وترأس على مدى ثلاث سنوات منظمة "ليبرتي" الحقوقية غير الحكومية.
في طفولته تعلم الملاكمة حتى يتمكن من التصدي لكل من يتجرأ على نعته بـ"الباكستاني" في الشارع.
وفي سن 15 عاما انضم الى حزب العمال، وانتخب عضوا في مجلس بلدية واندسوورث في جنوب لندن عام 1994، المنصب الذي تولاه حتى 2006.
في 2005 تخلى عن مهنة المحاماة وانتخب نائبا عن توتينغ حيث لا يزال يقيم حتى الان في منزل أكبر بعض الشيء من ذلك الذي نشأ فيه، مع زوجته سعدية المحامية وابنتيهما.
بعد ثلاث سنوات، عرض عليه غوردن براون منصب وزير مكلف بشؤون المجموعات ثم حقيبة النقل في السنة التالية. وأصبح اول مسلم يتولى حقيبة في حكومة بريطانية.