لا تزال مرارة الإقصاء، لدى كثير من المرشحين بالجزائر للانتخابات
التشريعية المقررة بعد 3 أسابيع، ظاهرة في أحاديثهم، على الرغم من طي هذا الملف وانطلاق
الحملة الانتخابية.
وتفاوتت مبررات الإقصاء من شخص لآخر، لكنها التقت جميعا عند
المادة 200 من القانون العضوي للانتخابات، التي تعطي لسلطة تنظيم الانتخابات، صلاحية
التقدير في مرور المرشح من عدمه.
وتشترط هذه المادة في فقرتها السابعة، ألا يكون المرشح معروفا
لدى العامة بصلته بأوساط المال والأعمال المشبوهة، أو مارس تأثيره بطريقة مباشرة أو
غير مباشرة على الاختيار الحر للناخبين وحسن سير العملية الانتخابية.
وتحول هذا النص الذي رآه كثيرون مطاطا وغير قابل للقياس،
إلى مقصلة حقيقية تكسرت عليها أحلام كثير من المرشحين في طريقهم إلى البرلمان، بعد
أن بلغ عدد المقصين المئات بينهم أسماء معروفة.
الصلة بأوساط المال
واستغرب بعض المرشحين اتهامهم بالصلة مع أوساط المال، دون
أي إثبات يؤكد ذلك، ورأوا في ذلك مجرد ذريعة لإبعادهم عن السباق الانتخابي لا غير.
وظهر بو عبد الله بن عجمية، عضو المكتب الوطني لحركة مجتمع
السلم، في فيديو في صفحته على "فيسبوك"، مستهجنا قرار إقصائه والمبررات
التي سيقت في ذلك.
وذكر بن عجمية، أنه لم يسبق له في حياته أن مارس عملا تجاريا،
وكل ما يتقاضاه منذ بدأ العمل سنة 2006، هو من راتبه كأستاذ في الجامعة يدرس الإعلام
والاتصال.
وأشار إلى أن سجل سوابقه العدلية، خال من أي متابعة قضائية،
ما يجعله يتمتع بكل حقوقه المدنية بما فيها حق الترشح، لكن الواقع كان غير ذلك بعد
خوضه التجربة.
وأبرز أن قرار إقصائه كان مجحفا ولا يستند على دليل، كما
أن إجراءات الطعن على مستوى المحاكم الإدارية ومجلس الدولة، رغم تقديم محاميه كل الإثباتات،
لم تنجح في تمكينه من حقه في الترشح.
ولم تكن هذه الحالة وحيدة في حركة مجتمع السلم، فقد تم بحسب
ناصر حمدادوش مسؤول الإعلام في الحزب، إسقاط ثلاثين مترشحا من حزبه، في عشرين قائمة
من أصل ستين تقدم بها.
وأوضح حمدادوش في حديثه مع "عربي 21"، أن المبررات
التي استندت إليها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في إسقاط المرشحين اعتمادا على
التقارير الأمنية غير قانونية ولا تستند إلى أي حكم قضائي.
وأصدر حزب جبهة التحرير الوطني وعدة أحزاب أخرى، بيانات
تدين ذلك، وأرجعت ذلك إلى ممارسات محلية غير منسجمة مع التوجه العام للبلاد.
"مبررات غريبة"
وجاءت مبررات الإقصاء، غريبة بالنسبة لمترشحين آخرين، مثل
دكتور الاقتصاد كمال سي محمد، الذي فوجئ برفض ملفه لأسباب سياسية بعد التحريات الأمنية.
وقال سي محمد في تصريح لـ"عربي 21" إن الأسباب
المقدمة لرفض ترشحه هي مشاركته في الحراك الشعبي واعتباره أحد العناصر الفاعلة فيه
والادعاء بتحريضه على مقاطعة الانتخابات الرئاسية، والقول بامتلاكه حسابي "فيسبوك".
وأوضح سي محمد أنه عدا مشاركته في الحراك الشعبي مثل كل الجزائريين،
لا يوجد ما يثبت باقي الادعاءات في حقه، معتبرا أن منعه من الترشح لا ينطوي على أسباب
موضوعية.
وبدا سي محمد مصدوما من هذا القرار، الذي علق عليه بعد صدوره
بالقول إنه كان يأمل من خلال ترشحه في التغيير والنية الصادقة للجزائر الجديدة، لكنه
اصطدم بالعكس، معلنًا نهاية مشواره كمرشّح للبرلمان.
"أحكام قضائية"
آخرون، مثل رياض هويلي، مدير جريدة أخبار الوطن، وجدوا أنفسهم
خارج السباق، بسبب أحكام قضائية قديمة، تدخل في إطار روتين العمل الصحفي اليومي.
وكتب هويلي الذي ترشح في قائمة حزب فجر جديد شارحا قضيته،
بالقول إن اللجنة الولائية لسلطة الانتخابات تحفظت على ملفه بدعوى أنه مسبوق قضائيا
رغم أنه أثبت العكس.
وذكر هويلي أن القضية التي استندت إليها اللجنة الولائية
تعود إلى سنة 2008، حيث كان يشتغل رئيس تحرير جريدة الأحداث، ورفع أحد رجال الأعمال
دعوى قضائية ضده بتهمة القذف، لكن الاستئناف أسقط -بحسبه- الحكم بالحبس وأبقى على الغرامة
فقط، وهو ما يعطيه أحقية الترشح دون إشكال.
السلطة تخلي مسؤوليتها
وفي تعليقه على هذه الإقصاءات، أخلى رئيس السلطة الوطنية
للانتخابات تماما مسؤوليته، ما دام أن هناك جهات قضائية للطعن يمكنها -بحسبه- أن تنصف
المرشحين.
وأوضح شرفي في ندوة صحفية، أنّ عدد الطعون التي وصلت إلى المحاكم
الإدارية كانت بحدود 847 طعنًا بينها 450 طعنًا تقدمت بها أحزاب سياسية و397 وردت عن
مترشحين أحرار.
وذكر أنّ الجهات المختصة أكدت قرارات رفض 704 طعون بينها
363 تقدمت بها أحزاب و341 طعنًا خاصًا بالأحرار، فيما ألغت المحكمة الإدارية 143 قرارًا
بالرفض أصدرته السلطة منها 87 طعنًا من طرف أحزاب و56 أودعها مترشحون أحرار.
واعترف رئيس السلطة، برفض 1199 قائمة بسبب "صلاتها
مع أوساط المال والأعمال المشبوهة"، إضافة إلى رفض 281 قائمة بسبب وقوع أفرادها
سابقا تحت طائل عقوبة نهائية سالبة للحرية"، بينما رُفضت 410 قوائم بداعي
"نقص الوثائق المطلوبة".
عدم احترام قرينة البراءة
وفي اعتقاد أحمد بطاطاش دكتور القانون العام، فإن إقصاء العديد
من المترشحين كان خرقا لأبسط القواعد القانونية وهي قرينة البراءة التي مفادها أن الشخص
بريء حتى تثبت إدانته من طرف القضاء ولا يمكن رفض ملفه بسبب شبهات فقط.
ويقول بطاطاش في حديثه مع "عربي21"، إن مسؤولية
هذه الإقصاءات تتحملها الرئاسة باعتبارها صاحبة الأمر المتضمن قانون الانتخابات، ومجلس
الدولة الذي نظر فيه، والمجلس الدستوري الذي أقر دستوريته رغم خرقه لأحكام الدستور.
ولا يعفي المتحدث، من المسؤولية السلطة المستقلة للانتخابات،
التي تعسفت، بحسبه، في استعمال القانون والمحاكم الإدارية التي كان بإمكانها إنصاف المترشحين.
اقرأ أيضا: تصعيد ومنع مسيرات بالجزائر.. هل تريد السلطة وقف الحراك؟
انتخابات بريطانيا: جونسون أقوى وحرب بالعمال.. وأسكتلندا للواجهة
تقرير بريطاني: إيران تحاول التأثير على انتخابات اسكتلندا
خطوة مفاجئة.. لماذا انسحب "حزب الكاظمي" من الانتخابات؟