بعد أداء مبهر ومفاجئ للمقاومة
الفلسطينية، جاء خطاب يحيى السنوار الأربعاء (26 أيار/ مايو 2021) خطابا تاريخيا كما توقعه المراقبون.
أتناول السمات الكبرى للخطاب، وبعدها أقدم قراءتي الفكرية الخاصة للمشهد ومآلاته المستقبلية.
بالتأكيد جميع الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم سعداء ومنتشون ومستبشرون خيرا كثيرا في ما حققته
المقاومة، وما يمكن أن تحققه، بيد أن للعقل والمنطق والعلم حسابات خاصة ودقيقة تعتمد على لغة الأرقام لا العواطف والأماني والتطلعات. وهذا ما سأحاول الالتزام به في قرآتي للمشهد.
أهم محطات
خطاب السنوار:
1- خطاب عسكري تصعيدي بامتياز، ممزوج بحماسة النصر ومؤطر بالثقة الكبيرة والاعتزاز العالي بالذات المقاومة.
2- الاستهزاء بالخصم، إلى حد المبالغة، في ظل الخلل الكبير في مع قوة الخصم العسكرية والاقتصادية والسياسية، والدعم العالمي.
3- التصريح المبالغ فيه بالتفوق الاستخباراتي على الكيان.
4- الطموح الكبير، والتصريح والتهديد برفع سقف المرحلة المقبلة.
5- التصريح والتهديد بتحالف المقاومة مع قوة إقليمية حقيقية بالمنطقة.
6- التأكيد على وقف إطلاق النار المتزامن غير المشروط.
7- مطالبة العالم والقوى الراعية لوقف إطلاق النار بتحمل مسؤولياتها بسرعة لحل مشكلة الحصار، والهجوم وتداعياته، مع فتح المجال أمام كل من يرغب بالمساعدة في إعادة إعمار
غزة.
8- استعراض قوة المقاومة وبنيتها التحتية (500 كيلومتر)، وقدرتها على الصمود أمام ضربات العدو.
9- إعلان رسمي بإنهاء حالة تعايش عرب القدس والضفة من الاحتلال، وتدشين مرحلة جديدة من المواجهة، والمبادرة للهجوم على المستوطنين، والمستوطنات الجديدة.
قراءة فكرية في خطاب السنوار:
1- اختيار توقيت المعركة بغض النظر عن أن المبادر هو الكيان أو المقاومة، ولكن يبدو أن رغبة الإشعال والاختبار كانت متبادلة، لكن اختيار توقيت المعركة أو الاستجابة للإشعال من قبل المقاومة جاء مواكبا لمطلب استراتيجي كبير، وهو ضرورة إعادة إحياء قضية فلسطين عربيا ودوليا في وقت سكون المنطقة العربية واستعدادها لتمرير صفقة القرن والعاصمة الموحدة، والإعلان عن فصل جديد للقضية الفلسطينة أكثر ضعفا وبؤسا، فجاءت معركة سيف النصر لتحقق هدفا استراتجيا كبيرا بإعادة القضية إلى مقدمة اهتمام المنطقة والعالم.
2- تركيز قصة المعركة على القدس والمسجد الأقصى ألهب عقول وقلوب العالم، ونقل المعركة والقضية بسرعة البرق إلى العالمية.
3- طول يد المقاومة إلى كافة مناطق فلسطين، برا وبحرا، وفاعلية القوة النيرانية، وقوة تداعياتها وآثارها المادية والمعنوية، صنعت ردعا قويا سريعا ومفاجئا أربك حكومة وجيش الكيان بشكل كبير، مع عجزه عن الفاعلية وقوة التأثير بالمقاومة بالرغم من تفوق قدراته وقوته النيرانية، ما حقق نقلة نوعية كبيرة في تجسير نسبي لقوة الردع مع الكيان؛ دفعه للاستنجاد بالحلفاء العربين والدوليين وأمريكا سريعا لوقف إطلاق النار بأي شكل.
4- إعلان المقاومة عن تحالفها الاستراتيجي مع إيران أعطى للمعركة وللصراع الفلسطيني الصهيوني بعدا إقليميا جديدا، فقد أصبحت هناك حرب بالوكالة صريحة بين إيران والكيان، حيث قررت إيران رفع وتيرة الضغط على الكيان لحساب مفاوضتها مع أمريكا، وردا على ضربات الكيان للمنشآت النووية داخل إيران.
5- الخسائر المادية والمعنوية الكبيرة للكيان دفعت به للتهديد بتدمير وحرق غزة وإبادتها عن بكرة أبيها، كما فُعِل بمدن كبرى كباريس وبرلين خلال الحرب العالمية الثانية، وهو فعلا قادر على ذلك بضربة نووية أو بيولوجية محدودة أو متوسطة. لا شك أن ذلك شكل عنصر تهديد حقيقي للمقاومة وورقة ضغط من قبل الدول الراعية لوقف إطلاق النار غير المشروط.
6- رسالة مهمة للمقاومة بضرورة احترام المقاومة الفلسطينية وإعادة النظر في التعاطي معها والاستماع والاستجابة لمطالبها.
7- تطور قدرات المقاومة التكنولوجية ربما يفتح المجال لتطور الحرب وتداعياتها على بعض المصالح الإقليمية والعالمية، بما يجبر هذا الدول على التدخل والضغط على الكيان وحلفائه.
8- الانتهاء المؤقت للحرب باتفاق غير مشروط بمطالب عالية وسريعة من المقاومة، والجرح الكبير والامتهان الشديد للكيان، ورغبته السريعة في استعادة هيبته، يؤشر على إمكانية اشتعال الحرب مرة ثانية في اقرب وقت ممكن.
9- استيعاب المقاومة لتناقضات الصراع الداخلي الفلسطيني ومحاولة احتوائها، مع نمو قوة
حماس على الأرض في الضفة والقدس، غالبا سيأتي على حساب تآكل وضعف قدرات وقيمة ومكانة السلطة في الصراع، مع توقع حدوث صدامات فلسطينية فلسطينية في الضفة نتمنى ألا تحدث، وإن حدثت أن يتم احتواؤها سريعا بأقل كلفة من الدم الفلسطيني.
10- المقاومة تركت مهمة جني المكاسب السياسية للقوى الإقليمية والدولية الراعية لوقف إطلاق النار غير المشروط، مع تلويحها بإعادة تفجير المشهد بأكثر مما كان لو تم التلاعب أو تجاهل مطالبها، مع تحديد سقف زمني بنهاية العام 2021م، أي بعد ثمانية وعشرين أسبوعا من الآن.
11- ملف الدعم الإيراني للمقاومة سيكون حاضرا وبقوة خلال المفاوضات الإيرانية الأمريكية القادمة سواء المعلن أو غير المعلن، وربما تعرض إغراءات كبيرة على إيران لوقف دعمها للمقاومة، والذي إن حدث سيكون له أثر كبير على تغير أوضاع المقاومة.
12- من المتوقع حدوث مواجهات عنيفة متنوعة بين عرب الضفة والقدس والمستوطنين.
13- العالم ما بين لحظة وأخرى في ترقب لاشتعال معركة سيف القدس مرة ثانية، والتي ستكون اقوى وأشرس من سابقتها في أيار/ مايو.
14- ريح المقاومة والربيع العربي تهب من جديد على المنطقة، مع أفول كبير لرياح التطبيع والثورة المضادة.