بسط سيطرته على الحزب الشيوعي الصيني، وباتت "أفكاره" جزءا من دستور البلاد، متجاوزا مكانة الزعيم الصيني التاريخي ماو تسي تونغ والزعيم الإصلاحي دينغ سياو بينغ، حتى إن معارضة سياساته أصبحت وكأنها ضد الحزب الشيوعي الحاكم.
هو الرئيس السابع لجمهورية الصين الشعبية، ويحمل ألقابا رسمية أخرى بعضها أهم من منصب رئيس الجمهورية من بينها: الأمين العام للجنة المركزية في الحزب الشيوعي، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية للحزب.
ينتمي شي جي بينغ المولود عام 1953 بمدينة فوبينغ التابعة لمقاطعة شنشي إلى قومية هان في شمال غرب الصين، ويعتبر والده بطلا في الثورة الشيوعية في الصين، ولهذا كان يعتبر من أبناء النخبة الحزبية التي تسمى "الأمراء الحمر".
ورغم ذلك فقد تعرض والده للتطهير الحزبي في الستينيات كما تعرضت أسرته للإذلال، وفي تلك الفترة عاش في بكين وحيدا دون حماية من بطش "الحرس الأحمر" الذي انتشر في شوارع بكين إبان "الثورة الثقافية" التي وضعت البلاد على شفا حرب أهلية.
وعندما بلغ 15 عاما أرسل إلى الريف للعمل في الزراعة بهدف "إعادة التثقيف"، وعمل في إحدى القرى النائية الفقيرة وسكن في كهف، وتشكل هذه التجربة أحد أهم فصول سيرته الشخصية في المراجع الحكومية بوصفه شخصا مكافحا عمل في ظل ظروف قاسية بلا كهرباء ولا مواصلات ولا أدوات ميكانيكية.
وبدلا من أن ينقلب إلى مناهض للحزب الشيوعي تبنى أفكار الحزب وحاول مرارا الانضمام إليه، لكن طلباته رفضت بسبب ماضي والده، غير أنه لم يوقف محاولاته حتى تحقق له ذلك فانضم إلى الحزب الشيوعي الصيني عام 1974.
تخرج "شي" من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة "تسينغ هوا"، كما أنه درس الهندسة الكيميائية في جامعة "تسينغهوا" في بكين وتخرج منها عام 1979، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في القانون عام 2002.
سافر "شي" إلى الولايات المتحدة عام 1985 حيث عاش فترة مع عائلة أمريكية في أيوا. وعندما عاد عام 2014 إلى الولايات المتحدة كرئيس، زار منزل العائلة.
بدأ يصعد في سلم الحزب بشكل مذهل، ولم يأت عام 1985 حتى حصل على عضوية اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي بمدينة شيامن ونائبا لعمدة المدينة، وفي 2007، عمل أمينا للجنة الحزب ببلدية شانغهاي، والسكرتير الأول للجنة الحزب لقوات الحرس ببلدية المدينة ثاني أكبر مدن الصين ومركزها التجاري.
وبعدها بعام انتخبه المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني نائبا لرئيس الجمهورية حتى عام 2013، حيث انتخب رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس هو جينتاو.
أطلق "شي" رؤيته لمستقبل الصين والتي أطلق عليها اسم "حلم الصين" ونجح في إجراء إصلاح اقتصادي حد من تراجع النمو الاقتصادي وتحجيم ملكية الدولة للصناعة ومكافحة التلوث وتنفيذ مشروع النقل البري العملاق "طريق الحرير".
وفرضت الصين سيطرتها على بحر الصين الجنوبي رغم المعارضة الدولية، وعززت نفوذها على الصعيد العالمي عن طريق ضخ مليارات الدولارات في القارة الأفريقية والآسيوية.
ترافق ذلك مع نمو المشاعر القومية التي حضت عليها وسائل الإعلام الحكومية مع التركيز على شخصية "شي" إلى درجة أن البعض اتهموه بأنه يقود حملة إعلامية لـ"تأليهه" أسوة بالزعيم الراحل ماو.
وقاد حملة لمحاربة الفساد في الداخل والتي أطلق عليها اسم "النمور والذباب" طالت أكثر من مليون شخص من كبار وصغار مسؤولي الحزب.
وترافق ذلك مع فرض المزيد من القيود والرقابة على الحريات الشخصية مثل الرقابة على الإنترنت واعتقال المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، لكن ذلك لم يمنع من تصاعد شعبيته بين صفوف الصينيين البسطاء خصوصا بعد أن أنهى قانون الطفل الواحد الذي كان معمولا به قبل عام 2015، ويسمح القانون الجديد للعائلات الصينية بإنجاب أكثر من طفل.
ويتعين على تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والموظفين في المصانع الحكومية أن ينضموا إلى دراسة "فكر شي" المتعلق بـ"العصر الجديد" للاشتراكية بخصائص صينية.
ويعد تعبير "العصر الجديد" الأسلوب الذي يستخدمه الحزب للإشارة إلى بدء مرحلة حكم "شي" التي تتصف بتعزيز الوحدة والثراء وجعل الصين أكثر انضباطا داخليا وخارجيا.
وكانت الصين عرضة لاتهامات غربية في مقدمتها اتهامات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اتهم الصين بأنها منشأ فيروس "كوفيد 1-"، الذي أصبح وباء عالميا.
وردا على اتهامات وتهديدات ترامب قال الرئيس الصيني، إنه ينبغي التحدث إلى "الغزاة باللغة التي يعرفونها"، وفي خطاب أمام الأمم المتحدة أكد أن الصين "ليست لديها نية للدخول في حرب باردة"، وحث العالم على تجنب "الوقوع في فخ صدام الحضارات".
وفي ما بدا كأنه رد على اتهامات بأن الصين هي منشأ كورونا، قال: "يجب رفض أي محاولة لتسييس القضية".
وأظهر خطاب داخلي نشر العام الماضي في صحيفة "بيبولز ديلي" التابعة للحزب الشيوعي أن "شي" كان على علم بتفشي فيروس كورونا قبل أسابيع من تعامله بشكل علني مع المشكلة وحث على اتخاذ إجراء حاسم لوقفه.
ولا تبدو علاقة "شي" بالرئيس الأمريكي جو بادين أفضل منها أيام ترامب، فقد انتقدت إدارة بايدن مرارا وضع حقوق الإنسان في هونغ كونغ وإقليم تشينغيانغ الصيني، حيث قالت واشنطن إن بكين ترتكب إبادة جماعية ضد المسلمين الإيغور.
وبشكل عام لم تكن فترة حكم "شي" مزدهرة دائما، حيث لاحقته العديد من التهم بأن حملات محاربة الفساد كانت تستهدف خصومه ومنتقديه، وبأن الاعتقالات طالت صحفيين وناشطين، كما نفذت حكومته سياسات ساهمت في تقييد الإنترنت في البلاد، والتلاعب بسعر صرف اليوان الصيني في محاولة لزيادة حجم صادرات البلاد.
وواحدة من النقاط المثيرة للجدل كذلك في سجل شي جين بينغ هي قضية إقليم التبت والتعامل القاسي مع سكانه، بالإضافة إلى قضايا التعامل المثير للجدل مع القوميات المسلمة والحد من الحريات الدينية.
ويبدو "شي" رغم كل الاتهامات الموجهة ضده مرتاحا في الجبهة الداخلية لبلاده بعد النمو الاقتصادي الكبير الذي وضع الصين في موقع مزاحم للاقتصاد الأمريكي، ورغم تأثر جميع دول العالم بجائحة كورونا إلا أن الاقتصاد الصيني كان الأقل تضررا وانكماشا وبدأ يتعافى تدريجيا.
ويبدو أن العالم سيعتاد على رؤية "شي" لسنوات طويلة بعد أن وافق البرلمان الصيني عام 2018 على إلغاء تحديد فترات بقاء رئيس البلاد في السلطة، ما يفسح المجال للرئيس "شي" بالبقاء في السلطة مدى الحياة.
وكان التقليد المتعارف عليه هو بقاء الرئيس في منصبه لولايتين لا أكثر، لذا كان من المقرر أن يتنحى "شي" في عام 2023، لكنه بعد أن نجح في تكريس اسمه وأيديولوجيته السياسية في دستور الحزب فقد رفع مكانته إلى مستوى ماو تسي تونغ، وربما يتفوق عليه لاحقا.