اللطمات على وجه إسرائيل منذ الثامن والعشرين من رمضان، تركت أثرا حادا على الإسرائيليين ومعنوياتهم، وحكومتهم، وقوتهم العسكرية، في ظل تقييمات مختلفة.
علينا أن نلاحظ أن إسرائيل ومنذ توقف المواجهة العسكرية، حاولت أن تتصرف بطريقة وكأنها منتصرة تماما، عبر رعاية موجات الاقتحام مجددا للمسجد الأقصى، والكل يعرف أن أساس المواجهة كان بسبب مسيرة الأعلام في الثامن والعشرين من رمضان الماضي، وهي مسيرة سبقتها حشود فلسطينية في وجهها، وفي وجه الاعتداءات داخل المسجد الأقصى.
هذه الأيام، عادت إسرائيل إلى ذات السلوك، عبر دعم اقتحامات المستوطنين للحرم القدسي، وبرغم ان إسرائيل اليوم تبرق ببرقيات حول كلفة الحرب الأخيرة عليها، عبر محاولتها إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين في غزة، عبر صفقة تبادل أسرى، ومن خلال الغاء مسيرة الأعلام التي كانت مقررة يوم الخميس المقبل، والغيت قبل يومين، تخوفا من انفجار المواجهة مجددا، إلا انها تواصل ذات الاعتداءات على المسجد الأقصى، وبشكل متدرج.
يوم أمس، وقبله، وخلال الأيام الماضية، كنا نشهد دخولا للمستوطنين عبر بوابة المغاربة، وبحراسة الشرطة الإسرائيلية، ومع هذا أيضا استمرار النظر في ملف بيوت حي الشيخ جراح من جانب القضاء الإسرائيلي، مع انسحاب الحكومة الإسرائيلية من الملف، وتركه للقضاء، وهو قضاء غير نزيه في كل الأحوال، ويدعم الاستيطان، بكل المظلات القانونية.
إسرائيل لا تلعب بالنار فقط، بل هي مصرة على أن تستمطر معركة جديدة، من خلال العبث في المسجد الأقصى، وبرغم انها تدرك بنفسها كلفة الاقتراب من المسجد الأقصى، إلا انها تحاول الظهور بطريقة متماسكة وقوية، وكأن شيئا لا يهزها، ولا يؤثر عليها، إضافة الى انها تريد منح المستوطنين مساحاتهم، بشكل متدرج، حتى لا تحدث معركة جديدة في القدس.
هذه المعركة لم تنته، بهذه السهولة، فالاعتقالات مستمرة، وقد رأينا اعتقال إعلاميين، وإعلاميات، وناشطات آخرهن منى الكرد، والاعتقالات في كل مكان، من أجل اخماد الأصوات التي تحرك الجمهور، وتنقل قضية القدس إلى العالم، وبرغم هذه الأفعال، إلا ان إسرائيل لن تنجح في إخفاء قضية القدس، وما يجري في المدينة أيضا على مستويات مختلفة، خصوصا، الاعتداء على المقدسات، ومحاولة تغيير وطمس هوية المدينة.
لا بد اليوم، من جهد عربي ودولي لتوثق الأحداث الأخيرة، وتحديدا قتل الأطفال والنساء وكبار السن في غزة، والاعتداء على المقدسات، والاعتداء على الإعلام والحريات، وتحويل هذا الجهد إلى وثيقة دولية يتم من خلالها مخاطبة المؤسسات الدولية، من أجل وضع الأدلة أمام العالم، عما تفعله إسرائيل يوميا، ضد الفلسطينيين، وإذا كان هذا الجهد مهما، فليس من الضروري أيضا ان يتم عبر مؤسسات رسمية فلسطينية، أو عربية، بل إن الجهد الشعبي والتطوعي في هذا الاطار، أكثر فائدة، وجدوى، على صعيد كشف حقيقة إسرائيل أمام العالم.
لقد تعرض المسجد الأقصى إلى اعتداءات متواصلة، والعالم الغربي مثلا، يتفرج على المشهد، ولا يحاول التدخل، برغم قيام إسرائيل بإغلاق المسجد الأقصى مرارا، وتدمير أجزاء منه، وتخريبه من الداخل، ومنع الترميم، ومنع المصلين، وإغلاق مصليات وغير ذلك، فلا تعرف كيف يمكن للدول الغربية التي تدعي حمايتها واحترامها للحقوق الدينية، ان تتفرج على هذا المشهد، في الشرق الأوسط، دون ان تبدي رأيا على الأقل أمام العالم.
قضية المسجد الأقصى، تعبير عن مجمل قصة الاحتلال، وهذا يعني اننا لن نرتاح ابدا ما دام الاحتلال موجودا، وستبقى قضية الأقصى حاضرة، بما يؤشر على أن الفترة المقبلة قد تحمل تهديدات للمسجد، ولو من خلال مجموعات المستوطنين الذين طالبوا بهدم المسجد خلال المواجهات الأخيرة، بما يفرض على الكل التنبه لما يجري، والى اين تتجه إسرائيل في هذا الملف، مع احتمالات الغدر، في أي لحظة، بما يضع المنطقة أمام توقيت خطير جدا.
الأقصى سيبقى تحت الخطر الإسرائيلي وحسابات أطماعه.