دخلت الجزائر، الأربعاء، مرحلة الصمت الانتخابي استعدادا للاستحقاق النيابي المبكر المقرر السبت المقبل، فيما انطلق تصويت البدو الرحل بالانتخابات.
وأسدل الستار ليلة الثلاثاء/الأربعاء على الحملة الدعائية التي انطلقت في 20 أيار/ مايو الماضي، ودامت قرابة 3 أسابيع، بمشاركة 1483 قائمة عبر 58 محافظة منها 837 قائمة للمستقلين و646 قائمة تمثل 28 حزبا.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ البلاد التي يسجل فيها تفوق لعدد قوائم المستقلين على نظيرتها الحزبية، بعد أن أقر قانون انتخابات تم وضعه قبل أشهر دعما ماديا للمترشحين الشباب أقل من 40 سنة لتمويل حملاتهم الدعائية.
تنافس إسلامي
تبحث الأحزاب الإسلامية في الجزائر عن تحقيق أول فوز لها في الانتخابات البرلمانية منذ 30 عاما، بالنظر إلى الضعف الذي تعاني منه أحزاب السلطة، عقب سجن عدد من قياداتها.
ورغم تقهقر شعبية الأحزاب الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية، بسبب مشاركة عدد منها في الحكومات السابقة، ثم انقسامها وتشظيها، إلا أنها تشترك في هذا الضعف مع معظم أحزاب المعارضة الرئيسية.
ومع تأكد تورط قياديين ونواب في جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي (موالاة)، في قضايا فساد سياسي، لم يعد مقبولا، على الأقل من الناحية السياسية والأخلاقية، تصدرهما مجددا المشهد البرلماني، ما قد يؤجج الغضب الشعبي والاحتقان في الشارع.
وقد لا ينافسها في هذه الانتخابات سوى القوائم المستقلة، التي تحظى بتشجيع من السلطات عبر منح الشباب الأقل من 40 عاما تمويلا لحملاتهم الانتخابية.
وتواجه قوائم المستقلين، عقبة كبيرة تتمثل في عتبة 5 في المئة، التي تحتاج لتجاوزها للحصول على مقاعد، ما يعطي أسبقية إضافية للأحزاب الإسلامية، الأكثر انتشارا وتنظيما.
غير أن انقسام الأحزاب الإسلامية، واستنزافها جزءا من طاقتها قي صراعات وصدامات داخلية أثر على سمعتها، رغم محاولتها جمع شتاتها عبر تحالفات فيما بينها لم تحقق النتائج المرجوة، لكنها هذه المرة فضلت الدخول منفصلة، لاعتقادها بأن حظوظها أوفر هذه المرة، بعد أن غيّر الحراك الشعبي شروط اللعبة السياسية.
حركة مجتمع السلم
توجد حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي)، في موقع يؤهلها لإحداث مفاجأة في الانتخابات المقبلة، خاصة أنها حصلت على أكبر كتلة برلمانية بين أحزاب المعارضة في الانتخابات الأخيرة التي نظمت في 2017.
ورغم أن حركة مجتمع السلم، لم تحصل حينها سوى على 34 مقعدا من إجمالي 462 (7.35 في المئة)، في أسوأ حصيلة لها، إلا أنها حلت ثالثة خلف كل من جبهة التحرير الوطني (161 نائبا/ نحو 35 في المئة)، والتجمع الوطني الديمقراطي (100 مقعد/ نحو 22 في المئة).
فالحركة تتميز بانتشارها في معظم ولايات البلاد، وبقواعدها المنضبطة نسبيا، لكنها عانت من عدة انقسامات وخرج من رحمها عدة أحزاب على غرار حركة التغيير، التي عادت واندمجت فيها، وحركة البناء الوطني، وتجمع أمل الجزائر.
وهذا الانقسام هو أحد الأسباب الرئيسية لتراجع حصتها من المقاعد في البرلمان، وقد يؤثر على حظوظها في الانتخابات المقبلة أيضا.
ويقول رئيس الحركة عبد الرزاق مقري، إنه مستعد لقيادة الحكومة القادمة في حال فاز حزبه بالانتخابات ووافقت مؤسسات الحركة على ترشيحه للمنصب.
غير أن متابعين للوضع السياسي يستبعدون قبول السلطة الفعلية برئيس حكومة إسلامي بعد تجربة 1991.
لكن الرئيس عبد المجيد تبون، أوضح في حوار مع مجلة لوبوان الفرنسية، مؤخرا أن “الإسلام السياسي الذي لا يُعطّل التنمية وتطوير البلد لا يزعجني”، في إشارة إلى عدم اعتراضه على تولي شخصية إسلامية رئاسة الحكومة.
وميزة حركة مجتمع السلم، أنها سبق لها أن شاركت في الحكومة، كما أن المحيط المغاربي يتميز بتقبل فكرة مشاركة الإسلاميين في الحكم على غرار تجربة حركة النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وحزب العدالة والبناء في ليبيا، والتجربة القصيرة لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) في موريتانيا.
حركة البناء الوطني
ولدت حركة البناء الوطني من رحم حركة مجتمع السلم، وأسسها مصطفى بلمهدي، رفيق محفوظ نحناح، ومحمد بوسليماني، وثلاثتهم يشكلون النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر.
لكن بلمهدي ترك القيادة لعبد القادر بن قرينة، وزير السياحة السابق، الذي ترشح لرئاسيات 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وحقق مفاجأة عندما حلّ ثانيا خلف المرشح تبون، بعد أن حصل على مليون ونصف المليون صوت.
وقبله تم اختيار القيادي في حركة البناء سليمان شنين، لرئاسة البرلمان، في 2019 إلى غاية آذار/ مارس 2021، على الرغم من أن الحزب لا يملك سوى 15 نائبا ضمن تحالف لحركات إسلامية.
وتتحدث عدة مصادر أن حركة البناء الوطني، هي من يمثل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين منذ 2014، وليس حركة مجتمع السلم.
ومع أن عمرها لم يتجاوز 7 أعوام، إلا أن ابن قرينة، يتوقع أن تحتل حركة البناء المرتبة الأولى، وتكون شريكا أساسيا في الحكومة المقبلة.
ويبني رئيس حركة البناء توقعه على نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة، لكنه كان المرشح الإسلامي الوحيد الذي خاضها، ما قد يفسر سر حصوله على 17.4 في المئة من الأصوات.
جبهة العدالة والتنمية
يتزعمها عبد الله جاب الله، المعارض الإسلامي المخضرم، الذي أسس حركة النهضة في 1990، وحقق معها مفاجأة عندما حل رابعا بـ34 مقعدا، قبل أن ينفصل عنها عقب قرر مجلسها الشورى دعم عبد العزيز بوتفليقة في رئاسيات 1999.
وأسس جاب الله حزبه الثاني؛ حركة الإصلاح الوطني، وحقق معه مفاجأة ثانية، بحصوله على 43 مقعدا في انتخابات 2002، محتلا المرتبة الثالثة ومتزعما التيار الإسلامي، بينما انهارت حركة النهضة بحصولها على مقعد وحيد.
غير أن جاب الله، الذي يتمتع بشخصية كاريزمية، تعرض لحركة تصحيحية أطاحت به من رئاسة الإصلاح، لكن لم ييأس بعد أن خسر ثاني حزب يؤسسه، وأسس حزبا ثالثا تحت اسم “جبهة العدالة والتنمية” في 2011.
كان جاب الله، يأمل أن يحقق مفاجأته الثالثة مع حزبه الجديد في انتخابات 2012، لكنه لم يحصل سوى على 7 مقاعد فقط.
بينما حاولت حركة الإصلاح تفادي سيناريو حركة النهضة في 2002، فتحالفت مع الأخيرة ومعهما حركة مجتمع السلم، فخسر ثلاثتهم، بعد أن حصلوا على 48 مقعدا نزولا من 60 مقعدا في انتخابات 2007.
ويأمل جاب الله، أن يحقق مفاجأة جديدة هذه المرة، بعد أن تغيرت المعطيات، معتقدا أن الزمن أنصفه عندما رفض المشاركة في أي حكومة طيلة العقود الثلاثة الماضية رغم كل الإغراءات والمضايقات.
ويعتقد أن التيار الإسلامي يملك أكبر وعاء انتخابي في الجزائر، بدليل عدد المصلين في المساجد، لكنه يرى أن مقاطعة أنصار هذا التيار للانتخابات السبب الرئيسي لضعف نتائج الأحزاب الإسلامية.
وحذر مؤخرا من مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة قائلا إنها "فعل سلبي لا يخدم الشعب، ولا يحقق التغيير المنشود".
أما بالنسبة لحركتي النهضة والإصلاح، فمن المستبعد حصولهما على نتائج قوية، وأكثر ما يطمحان إليه الفوز بكتلة برلمانية من 10 نواب على الأقل.
وانشق عن حركة الإصلاح الوطني (مقعد واحد في تشريعيات 2017)، النائب جمال عبد السلام، الذي أسس حزب الجزائر الجديدة، في 2011، لكنه لم ينجح في الحصول على أي مقعد خلال انتخابات 2012.
وينتظر إسلاميو الجزائر أن تقودهم انتخابات 12 حزيران/ يونيو إلى انتصار تاريخي يسمح لهم بتشكيل حكومة ائتلافية، لكن تكرار هزيمتهم مع بدايات الربيع العربي في 2012 قد لا يكون مستبعدا تماما، فأحزاب السلطة مازالت تملك هياكل قوية، وإن فقدت الكثير من رصيدها الشعبي.
الجيش: على الحياد
قالت قيادة الجيش الجزائري، الأربعاء، إن المؤسسة العسكرية ستلتزم الحياد في الانتخابات النيابية المقررة السبت القادم وأنها ترفض أن تجر إلى اللعبة السياسية في البلاد.
وجاء ذلك في افتتاحية العدد الشهري لحزيران/ يونيو من مجلة "الجيش" الناطقة باسم المؤسسة العسكرية في البلاد.
وجاء في الافتتاحية: "عشية موعد انتخابي هام بالنسبة لمستقبل بلادنا والمتمثل في الانتخابات التشريعية تصر المؤسسة العسكرية على رفع كل لبس يعمد إليه البعض".
وأضافت: "نذكر مرة أخرى أصحاب الذاكرة الانتقائية أن الجيش الوطني الشعبي جيش جمهوري وسيبقى كذلك بصفة لا رجعة فيها جيش يتولى مهامه الدستورية وفق ما تقتضيه قوانين الجمهورية".
وأردفت: "الجيش يرفض أن يجر إلى اللعبة التي يمارسها أولئك الذين تاهت بهم السبل ويأبى أيضا أن يكون مطية يتخذها الذين بفشلهم في تعبئة الجماهير وكسب ثقتهم يبحثون عن دون جدوى عن مبررات لإخفاقهم وخيباتهم".
ولم تحدد قيادة الجيش هذه الجهات لكن يرجح أنها ترد على اتهامات من معارضين وناشطين لقيادات المؤسسة العسكرية بالتدخل في الشأن السياسي.
وحسب الافتتاحية فإن الجيش "ينأى بنفسه عن التدخل في أي مسار انتخابي إلا إذا كان من أجل توفير الظروف المواتية التي من شأنها ضمان سيره في طمأنينة وأمن للسماح لشعبنا التعبير بكل حرية وشفافية عن اختياره الحر لمن يمثله في السلطة التشريعية دون ضغط أو إكراه".
وتابعت: "سيشارك أفراد الجيش إخوانهم المواطنين أداء الواجب الانتخابي من خلال الإدلاء بأصواتهم بكل حرية" في إشارة إلى أن القانون يسمح لأفراد المؤسسة العسكرية بالتصويت في مكان إقامتهم سواء مباشرة أو بالوكالة من قبل عائلاتهم.
تبون يصادق على اتفاقية ملاحة بحرية بين الجزائر وتركيا