خلال الأسبوع الماضي، قام جو بايدن بأول زيارة له إلى أوروبا كرئيس للولايات المتحدة، حاملا رسالة واضحة مؤداها أن أمريكا عائدة، ذلك أن بايدن يرغب في تحقيق مصالحة بين الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين، وإنهاء سنوات ترامب التي تميزت بنوع من الفتور والجفاء بين ضفتي المحيط الأطلسي.
لكن بايدن لن يغيّر السياسة الأمريكية بشكل كلي، فهناك بعض نقاط الاتفاق بين بايدن وترامب، وخاصة ما يتعلق بالصين. فهذه الأخيرة تُعد المنافس الأول للولايات المتحدة وأولويتها الاستراتيجية. والولايات المتحدة قلقة من تنامي قوة الصين التي أعلنت رسميا عن رغبتها في أن تصبح القوة الأولى، ومن ثم إزاحة الولايات المتحدة وأخذ مكانها.
أما النقطة المشتركة الثانية، فهي الموقف من العمليات العسكرية الخارجية. فعلى غرار ترامب، يرغب بايدن في إنهاء الحروب التي أطلقتها الولايات المتحدة، والتي دامت فترة طويلة جداً وضمن هذا الإطار يندرج قراره سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وهي رغبة كانت تحدو ترامب، ولكنه لم يتمكن من تحقيقها، ومبعث أسف بالنسبة للرئيس السابق باراك أوباما.
غير أن نقاط الاختلاف بين الرئاستين مهمة أيضا؛ فترامب كان ينعت الاتحاد الأوروبي بالعدو، في حين يسعى بايدن إلى طمأنة الحلفاء الأوروبيين مروّجا للرسالة التالية: «أحبك يا أوروبا». وسيسعى بايدن إلى مغازلة أوروبا من أجل إثارة إعجابها والحصول على خدماتها.
على أن مكافحة الاحتباس المناخي تُعد نقطة الاتفاق الوحيدة بين أوروبا والصين والولايات المتحدة. ومن أجل إغراء الأوروبيين، يبذل بايدن الكثير من الجهود. وفي هذا الإطار، رفع الرئيس الأمريكي العقوبات على خط أنابيب الغاز «نور ستريم 2» الروسي، الذي سينقل الغاز إلى أوروبا وألمانيا بشكل خاص، ضمن مبادرة تنطوي على كثير من الدلالات تجاه هذه الأخيرة التي كانت ترغب في رؤية إتمام أشغال خط الأنابيب. كما يبذل جهدا في ما يتعلق بفرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات التي يحتاج إليها من أجل تمويل برنامجه الاجتماعي، وكذلك تمويل برنامجه المتعلق بالبنية التحتية. وهذه مفاجأة بالنسبة للبلدان الأوروبية التي ترغب في فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، وخاصة الرقمية منها، التي كانت في نزاع مفتوح مع الولايات المتحدة بخصوص هذه النقطة.
والواقع أن الأوروبيين مرتاحون لعدم رؤية ترامب في السلطة ويستقبلون بايدن بفرح وترحاب. ولكن في الوقت نفسه، تُبرز استطلاعات الرأي بشكل رئيسي شكوك الشعوب الأوروبية؛ ففي ألمانيا، على سبيل المثال، يقول 51 في المئة من الألمان فقط؛ إنهم يثقون في الولايات المتحدة من أجل أمنهم. ومن ثم، فمن الواضح أنه ليس هناك «حركة شغف ببايدن».
وإذا كان بايدن يريد إغراء الأوروبيين، فمن أجل تجنيدهم في ما يعدّ أكبر معركة له وأكبر أولوية: ألا وهي مواجهة الصين. والحال أن هذه المسألة، التي نوقشت ضمن قمة حلف الناتو، غريبة نوعا ما؛ نظرا لأن الصين ليست جزءا من المنطقة الجغرافية الأولية للمنظمة، والأكثر من ذلك أنها لا تشكّل تهديدا عسكريا للبلدان الأوروبية.
الصين يمكن أن تكون لنا معها بعض المشاكل، ولكنها ليست عدوا. إنها شريك أو منافس في بعض الأحيان. وقد يكون من الخطر الرغبة في أن يستمر «الناتو» في البقاء وفي النمو عبر خلق أعداء. وكان أرباتوف، الذي كان أحد مستشاري ميخائيل جورباتشيف، قال عام 1987 لبلدان الناتو: «سوف نسدي لكم أسوأ خدمة: سوف نحرمكم من عدو». وعليه، ينبغي ألا يرغب المرء في خلق عدو بأي ثمن.
(الاتحاد الإماراتية)