رأى باحث أمريكي أن المأساة في حروب
إسرائيل ليس ما يجري فيها، ولكن ما دفع إليها وما يحدث بعدها.
وقال رفائيل كوهين، الباحث في مؤسسة "راند" الأمريكية والضابط السابق في الجيش الأمريكي، في مقال نشره موقع "ناشونال إنترست"، إن عملية "حارس الأسوار" حسب تسمية إسرائيل للحرب الرابعة مع حركة
حماس والجهاد الإسلامي في
غزة، ربما انتهت، لكن الجدل حول ما جرى فيها قد بدأ، مشيرا إلى اتهامات عدد من الصحف الأمريكية لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، كما اتهم مشرعون أمريكيون إسرائيل بـ"الهجوم على العائلات الفلسطينية".
وقدم السناتور عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، مشروع قرار (فشل) يدعو لمنع صفقة سلاح أمريكية بـ735 مليون دولار إلى إسرائيل. وهاجمت دول مثل الصين وروسيا القصف الإسرائيلي الذي أدى لسقوط أعداد من المدنيين. كما شارك النجوم في عملية الشجب.
ويتساءل الكاتب فيما إن كان لدى إسرائيل خيار آخر في ظل الظروف العسكرية التي حصلت في الحرب الأخيرة. فقد اقترح بعض المعلقين أن إسرائيل لم تكن بحاجة لرد قوي، فلديها نظام القبة الصاروخية الذي كان يمكنه اعتراض الصواريخ القادمة من غزة. ويرى الكاتب أن هذا الموقف لا يحل المشكلة؛ لأن حماس تملك ترسانة من 30 ألف صاروخ وقذيفة هاون، فيما لا تتعدى فعالية القبة نسبة 90 في المئة، مما يعني أن بعض صواريخ حماس أصابت أهدافها. ويضاف إلى هذا أن كلفة الصاروخ في القبة الحديدية تصل إلى 40 ألف دولار أمريكي على الأقل، وليس لدى إسرائيل إمدادات مفتوحة.
ويقول إن المجتمع الدولي قد لا تكون لديه الإرادة أو الاستعداد لوقف حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة في غياب العمل العسكري الإسرائيلي. فهناك عدد قليل من الدول التي أدارت خدها الأيمن عندما واجهت وضعا كهذا، مشيرا للضربة الأمريكية على ليبيا في ثمانينات القرن الماضي وضرب أفغانستان والسودان في التسعينات. ثم شنت الولايات المتحدة حربا دولية ضد الإرهاب في مرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ويقول إن الدول تندفع للهجوم لعدة أمور تتعلق بالسياسة المحلية والحاجة الاستراتيجية عندما يتعرض مواطنوها للخطر.
وقلل الكاتب من فعالية نهج معتدل وباستخدام القوة في الحد الأدنى لتحقيق الهدف، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة استخدمت هذا النهج من معاقبة نظام صدام حسين لتدخله في نظام التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، إلى معاقبة بشار الأسد بسبب استخدامه السلاح الكيماوي.
ولم تنجح دبلوماسية صواريخ كروز بتحقيق أهدافها، فالردع كما يقول توماس شيلنغ يدور حول "القوة للضرر"، وهذا يقتضي توفر القدرات والإرادة للعمل. كما أن غارات جوية محدودة لم تكن كافية للحفاظ على سمعة إسرائيل الدولية، بحسب الكاتب.
ويرى أن عملية "حارس الأسوار" لم تؤثر على سمعة إسرائيل كما قال المعلقون. وهو يتحدث عن الموقف في أمريكا، ففي الاستطلاع السنوي لمؤسسة غالوب لعام 2019، ظهر أن الدعم لإسرائيل ثابت بين 59- 60 في المئة، أما الدعم للفلسطينيين فقد ارتفع قليلا من نسبة 21 في المئة في 2019 إلى 25 في المئة في 2021.
ولم تجر استطلاعات بعد الحرب الأخيرة التي يقول إنها لم تغير معادلة الدعم الأمريكي بشكل كبير. فقد أظهر استطلاع لفوكس نيوز ما بين 22 و25 أيار/ مايو 2021 نفس نسبة غالوب وهي 59 في المئة لدعم إسرائيل و24 في المئة لدعم الفلسطينيين.
ويقول إن الرأي العام يتشكل من خلال عدة عوامل، وليس هناك علاقة بين القنابل الملقاة والنسب المئوية للاستطلاعات، ولم تكن لتتغير النسب لو قررت إسرائيل تبني موقف منضبط.
ويقول إن تراجع الدعم لإسرائيل داخل اليسار الأمريكي مرتبط بظروف غير ظروف الحرب. ومع أن الحرب الأخيرة في غزة لم تساعد في تحسين الصورة لكنها لم تكن السبب، ولن تتحسن الصورة بين اليسار في ظل عدم تغير طريقة تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين وقت السلم.
وحتى لو قررت إسرائيل القيام بغارات محدودة، فإن العملية تظل مرتبطة بتحركات حماس كما هو الحال مع إسرائيل. ولو استمرت الصواريخ بالسقوط على إسرائيل فإن الأخيرة سترد، وستواصل حماس الحرب لأسبابها المتعلقة بتقوية وضعها بين الفلسطينيين ولفت انتباه العالم لقضيتها.
وربما قررت إسرائيل خوض حرب برية ستكون في مظهر ما "عادلة"، حيث ستقاتل حماس والجماعات المشاركة معها على أرضها، لكن الدخان والفوضى العامة ستؤثر على التفوق النوعي الإسرائيلي بطريقة ما. وربما كانت أعداد القتلى أقل، فعدد القتلى من الإسرائيليين الذين قتلوا في الحرب الأخيرة أقل من عملية الجرف الصامد في 2014، التي قتل فيها 66 جنديا أثناء المواجهات البرية وعدد من المدنيين الإسرائيليين.
لكن الكاتب يشير إلى أن هذا التماثل لا يعني الدقة، ففي الوقت الذي سيزيد أعداد القتلى بين الإسرائيليين، فإنه سيزيد بين الفلسطينيين. ففي عملية الجرف الصامد قتل ما بين 1600 و2100 فلسطيني، وهذا بسبب الطبيعة الدموية للعمليات البرية. فعندما قاتلت القوات الأمريكية قوات غير نظامية في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، كما في مدينة الصدر والفلوجة في العراق، سقطت أعداد كبيرة من المدنيين.
ويقول إن إسرائيل لجأت في الحرب الأخيرة للغارات الجوية التي تبدو أسهل و"أنظف"؛ لضرب أهداف حماس داخل غزة التي يعيش فيها أكثر من مليوني نسمة. وكانت تريد ضرب أهداف حماس القريبة أو فوق وتحت المناطق المدنية ومن مسافة آلاف الأقدام من الجو.
ورغم اختلاف الطرفين حول عدد المدنيين الذين قتلوا إلا أنه مقارنة بعدد الأهداف التي ضربت يظل قليلا، وفق الكاتب الذي قال إنه يمكن للمجتمع الدولي أن يقوم بالتدقيق والنظر في كل غارة.
ويزعم الكاتب أن إسرائيل تحاول شن حرب بدون التسبب بسقوط ضحايا بين المدنيين. والولايات المتحدة حاولت نفس الأمر في حربها ضد تنظيم الدولة وغاراتها التي شنتها على الرقة والموصل.
ووفق الكاتب، تظل الحرب في غزة مدمرة ودموية وشاملة لكنه يزعم أن إسرائيل شنت غاراتها بدقة، وهذه الدقة ليست كافية لأن ما هو خلف الدمار والقتل في غزة أمر آخر يؤدي دائما للحروب. وما يحتاج تدقيقا من المجتمع الدولي ليست الحروب نفسها بل كل شيء يحدث قبلها وبعدها. فحصار إسرائيل المستمر على غزة، بذريعة منع وصول الإمدادات لحماس، تسبب بمأساة إنسانية ضخمة على سكان غزة المدنيين، وهو حصار يؤكد أن حربا أخرى ستحدث حتما، وهو ما يفرق بين حروب أمريكا الأخيرة وإسرائيل.
ففي بعض الحروب سواء في العراق أو أفغانستان أو مناطق أخرى، كانت هناك محاولة لكسب العقول والقلوب وتقديم أمل أحسن للمدنيين، أما في غزة، فاستراتيجية إسرائيل القائمة على "جز العشب" لا تعطي بديلا عن سفك الدم المتواصل، وهذه هي المأساة الحقيقية لحروب إسرائيل في غزة.
نص المقال الأصلي