في حارتنا ثمة ديك أميٌّ يرأس إحدى المليشيات، لم يتعلم إلا الغزو وإلا الفتك وإلا زرع حشيش الكيف وتزوير العملات، كان يبيع ثياب أبيه ويرهن خاتمه الزوجي ويسرق حتى أسنان الأموات، في حارتنا ديكٌ كل مواهبه أن يطلق نار مسدسه الحربي على رأس الكلمات.
تلك فقرة من قصيدة لنزار قباني، ولا أخال أحدا من محيط الذل حتى مضيق المرحوم طارق لم يسمع بالشاعر الدمشقي، فهو الذي ملأ الفضاء العربي بقصائد هزت عروش كثير من الزعماء، بعدما أطلق نار الكلمات على رؤوسهم العفنة، فطردوه من بلاده وطاردوه، ومنعوا قصائده، ولم يدروا أنهم بمنعها خدموها وخدموه. وبقى منفيا ومطارداً حتى وافته المنية في بريطانيا، ورغم اتساع جغرافية الوطن العربي إلا أنها ضاقت عليه، وكأني أستحضر ما قاله أحمد شوقي: "حرام على بلابله الدوح.. حلال للطير من كل جنس".
إن ما تفعله الأنظمة ضد الكلمة يؤكد أن الكلمة لها مفعولٌ قويٌ ويخشون منها، فأصحاب الرأي بالنسبة للأنظمة مثل الشوكة في الحلق، فلا هم قادرون على لفظها ولا هم قادرون على بلعها، ويؤكد بلا مراء بأن حرية الرأي والتعبير التي صدعتنا بها الأنظمة ما هي إلا أكذوبة ومثل حبة الدواء المسكنة.
المؤكد أن نزار قباني ليس وحده من دفع ثمن رأيه من راحته وحريته، فلو فتشنا في الوطن العربي سنجد ملايين من فصيلة نزار قباني، وأحدث نسخة من فصيلته هي نزار بنات. ولمن لا يعرفه فهو معارض سياسي فلسطيني، لسياسة السلطة التي يرى فيها (ومعه الكثيرون جداً من أبناء الشعب) أنها سلطة بلا سلطة وبلا وطنية، فهي ليست أكثر من عبدٍ يُسبحُ بحمد سيده الصهيوني بكرة وعشية.. لا يعصون سيدهم ما أمرهم ويفعلون بلا تردد ما يؤمرون .
"نزار بنات" ليس محزباً سياسياً، هو مُحزبٌ مع الوطن، ضد تجار الوطن وضد قتلة شرفاء الوطن، وسخّر حياته لفضح ممارسات السلطة التي لم تترك مجالاً لأحد أن يدافع عنها، لأن الدفاع عنها جريمة إنسانية، فلا يُعقل أن يُدافع محامٍ عاقل عن خائن ومجرم.
نزار لم يختلق أكاذيب حول السلطة، بل قال ما لديه، وتجرأ ورفع عصا "لا" في وجه من يجبرون الناس على قول "نعم"، تحدث بما أوجع سلطة الظلم والطغيان، لذلك قرروا التخلص منه، خاصة بعد حديثه عن دور محمود عباس - حين كان ممثل منظمة التحرير في سوريا - في قضية ناصر السعيد الشمري، المعارض السعودي الذي استدرجه عباس من سوريا إلى لبنان عام 1979.
ومن أسخف ما حدث أن الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد اشتية شكلت لجنة تحقيق برئاسة وزير العدل، وكأني بالمثل القائل: "أشتكيك لمين يا اللي أبوك القاضي؟".. والأدهى أن اشتية ادعى أن اللجنة تضم عمار الدويك، رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، فإذا بعمار الدويك يقصف جبهة اشتية بنفي المشاركة.
أخيرا، ومن باب الإيجابية التي أخبرنا الله عزوجل انها تنبت من وسط المحن، فإن نزار بنات كان يعرف أن جنود فرعون يتربصون به ليقتلوه في أي لحظة، لكنه أصر أن يسير مرددا "ماض وـعرف ما دربي وما هدفي" حتى يعيش أولاده في وطنهم معززين مكرمين، يتنعمون بشمس بلادهم دون أن يعكر صفو مزاجهم الخونة والجبناء، ولسان حاله يسأل: "لما ضقت يا وطني بنا، قد كان حلمي أن يزول الهم عني، عند بابك"؟.
تلك فقرة من قصيدة لنزار قباني، ولا أخال أحدا من محيط الذل حتى مضيق المرحوم طارق لم يسمع بالشاعر الدمشقي، فهو الذي ملأ الفضاء العربي بقصائد هزت عروش كثير من الزعماء، بعدما أطلق نار الكلمات على رؤوسهم العفنة، فطردوه من بلاده وطاردوه، ومنعوا قصائده، ولم يدروا أنهم بمنعها خدموها وخدموه. وبقى منفيا ومطارداً حتى وافته المنية في بريطانيا، ورغم اتساع جغرافية الوطن العربي إلا أنها ضاقت عليه، وكأني أستحضر ما قاله أحمد شوقي: "حرام على بلابله الدوح.. حلال للطير من كل جنس".
إن ما تفعله الأنظمة ضد الكلمة يؤكد أن الكلمة لها مفعولٌ قويٌ ويخشون منها، فأصحاب الرأي بالنسبة للأنظمة مثل الشوكة في الحلق، فلا هم قادرون على لفظها ولا هم قادرون على بلعها، ويؤكد بلا مراء بأن حرية الرأي والتعبير التي صدعتنا بها الأنظمة ما هي إلا أكذوبة ومثل حبة الدواء المسكنة.
المؤكد أن نزار قباني ليس وحده من دفع ثمن رأيه من راحته وحريته، فلو فتشنا في الوطن العربي سنجد ملايين من فصيلة نزار قباني، وأحدث نسخة من فصيلته هي نزار بنات. ولمن لا يعرفه فهو معارض سياسي فلسطيني، لسياسة السلطة التي يرى فيها (ومعه الكثيرون جداً من أبناء الشعب) أنها سلطة بلا سلطة وبلا وطنية، فهي ليست أكثر من عبدٍ يُسبحُ بحمد سيده الصهيوني بكرة وعشية.. لا يعصون سيدهم ما أمرهم ويفعلون بلا تردد ما يؤمرون .
"نزار بنات" ليس محزباً سياسياً، هو مُحزبٌ مع الوطن، ضد تجار الوطن وضد قتلة شرفاء الوطن، وسخّر حياته لفضح ممارسات السلطة التي لم تترك مجالاً لأحد أن يدافع عنها، لأن الدفاع عنها جريمة إنسانية، فلا يُعقل أن يُدافع محامٍ عاقل عن خائن ومجرم.
نزار لم يختلق أكاذيب حول السلطة، بل قال ما لديه، وتجرأ ورفع عصا "لا" في وجه من يجبرون الناس على قول "نعم"، تحدث بما أوجع سلطة الظلم والطغيان، لذلك قرروا التخلص منه، خاصة بعد حديثه عن دور محمود عباس - حين كان ممثل منظمة التحرير في سوريا - في قضية ناصر السعيد الشمري، المعارض السعودي الذي استدرجه عباس من سوريا إلى لبنان عام 1979.
ومن أسخف ما حدث أن الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد اشتية شكلت لجنة تحقيق برئاسة وزير العدل، وكأني بالمثل القائل: "أشتكيك لمين يا اللي أبوك القاضي؟".. والأدهى أن اشتية ادعى أن اللجنة تضم عمار الدويك، رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، فإذا بعمار الدويك يقصف جبهة اشتية بنفي المشاركة.
أخيرا، ومن باب الإيجابية التي أخبرنا الله عزوجل انها تنبت من وسط المحن، فإن نزار بنات كان يعرف أن جنود فرعون يتربصون به ليقتلوه في أي لحظة، لكنه أصر أن يسير مرددا "ماض وـعرف ما دربي وما هدفي" حتى يعيش أولاده في وطنهم معززين مكرمين، يتنعمون بشمس بلادهم دون أن يعكر صفو مزاجهم الخونة والجبناء، ولسان حاله يسأل: "لما ضقت يا وطني بنا، قد كان حلمي أن يزول الهم عني، عند بابك"؟.
شارك
المزيد من هذا الكاتب
