أعلن جيمس هانسن، العالم في وكالة الفضاء الأميركية، في 23 يونيو (حزيران) 1988، التعرف على الاحتباس الحراري. من ثم، بدأ النقاش والاهتمام بالتغيير المناخي. نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالاً في اليوم التالي تعلن فيه أن التغيير المناخي «استطاع أن يغزو الغرب في أقل من ثلث قرن».
وليس من قبيل الصدفة، أنه قبل أربعة أيام من تصريح هانسن، كانت قد وافقت مجموعة السبعة في اجتماعها بترونتو أن التغيير المناخي «يتطلب إعطاء الأولوية القصوى من الاهتمام». وقبل نهاية يونيو 1988، أعلن مؤتمر تورونتو المناخي أن العالم بصدد إجراء تجربة «نتائجها ممكن أن تكون بالأهمية الثانية لحرب نووية عالمية». كما ألقت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر، خطاباً أمام الجمعية الملكية العلمية في لندن خلال الشهر نفسه، تحذر فيه من الاحتباس الحراري: «لقد قيل لنا (دون ذكر المصدر) أن ارتفاع درجة الحرارة درجة مئوية واحدة هو أعلى بكثير مما يستطيع كوكبنا الأرضي تحمله».
بدأ النقاش حول تقليص الكربون في الجو قبل 33 سنة، ليشكل أحد أهم التحديات للكرة الأرضية في الدول الغربية، في حين بقيت دول العالم الثالث، الممتدة عبر ثلاث قارات، بعيدة عن هذا الموضوع الكوني، رغم مشاركتها في مؤتمرات الأمم المتحدة المناخية لاحقاً. إذ استمرت الدول الغربية رافعة لواء التغيير المناخي والإجراءات الواجب اتخاذها للتحوط منه، وكأن معالجة الأمر يهمها هي وحدها فقط وليس بقية دول العالم.
واستمر هذا الاهتمام النخبوي حتى صدور تقرير وكالة الطاقة الدولية الشهر الماضي حول خريطة الطريق لوقف الانبعاثات 2050. هذا التقرير الذي سيشكل ورقة العمل الرئيسة لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 26) المحدد انعقاده في غلاسكو في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ادعى تقرير الوكالة أنه «أول دراسة شاملة لكيفية الانتقال إلى نظام طاقوي لصفر الانبعاثات 2050، الذي يوفر في الوقت نفسه إمدادات طاقوية وافية وبأسعار اقتصادية، مما يتيح الطاقة والنمو الاقتصادي الناجح للجميع. كما سيفتح مجالات جديدة للعمل أمام الملايين».
لكن ما هي بعض جوانب خريطة الطريق هذه؟ اقترحت الوكالة: إيقاف الاستثمارات حالاً لتطوير الصناعة البترولية.
والبدء منذ عام 2025 وحتى عام 2050 بإيقاف بيع سيارة المحرك الداخلي (المستعملة للبنزين أو الديزل)، وبيع السيارة الكهربائية أو الهجينة فقط. وإيقاف عمل محطات الكهرباء المزودة بالطاقات البترولية ابتداء بعام 2040 واستبدالها بمحطات تستعمل الطاقات المستدامة.
لا شك أن خريطة الطريق هذه تستهدف أهدافاً بيئية ضرورية للتغيير المناخي، ومن الواضح أن الأقطار الصناعية تنفذ العديد من الأهداف اللازمة. لكن أين دول العالم الثالث من كل هذا؟
ما هي كلف مشاريع الطاقة المستدامة على ضوء تجارب المشاريع التي يتم تنفيذ معظمها في الدول الصناعية حالياً؟ فالكلف تشارف التريليونات من الدولارات. هل باستطاعة دول العالم الثالث تحمل هذه الكلف؟ لماذا لم تشر خريطة طريق الوكالة إلى إمكانية منح بنوك التنمية الدولية قروضاً ميسرة للعالم الثالث للبدء في تحول الطاقة؟ بالذات بعد الأعباء المالية والاقتصادية الناتجة عن جائحة «كوفيد - 19».
هل من الممكن على دول العالم الثالث تحمل عبء مالي جديد بالإضافة إلى أعبائها الحالية؟ وماذا عن الوظائف المليونية الجديدة؟ ما هي حصة العالم الثالث منها؟ أم هل سنشهد هجرات جديدة من العالم الثالث إلى الدول الصناعية الغربية مع عصر الطاقة الجديد؟
إن العالم الثالث تعبير واسع يشمل المليارات من البشر وأنواعاً متعددة من الدول في مستويات اقتصادية متابينة وأنظمة سياسية مستقرة أو فاشلة. فعلى سبيل المثال: الصين، أخذت المبادرة في مجال العلوم والانفتاح الاقتصادي. فهي تنتج وتستهلك حالياً أكبر عدد من السيارات الكهربائية عالمياً، ناهيك عن تقدمها في مجالات الاتصالات والفضاء. وفي الهند، مثلاً، تعمل شركة «ريلاينس»، كبرى الشركات الهندية الخاصة، والعاملة في مجالات الاستكشاف والإنتاج البترولي والتكرير والبتروكيماويات، على تبني خطة عمل تجارية لتطبيق نهج صفر انبعاثات 2050.
وفي المملكة العربية السعودية، بادرت شركة «أرامكو» السعودية منذ فترة لتجميع وتخزين الكربون الصادر عن الإنتاج البترولي، بالإضافة إلى تطوير صناعة الهيدروجين - الوقود المهم في مرحلة الطاقة المقبلة. كما أن دولاً أخرى في مجلس التعاون الخليجي تعمل أيضاً على تطوير صناعة الهيدروجين وتجميع وتخزين الكربون. وهناك طبعاً القاعدة الصناعية والعلمية الضخمة في كوريا الجنوبية وتايوان وإندونيسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل والمكسيك.
لكن المشكلة طبعاً، أن الغالبية العظمى من دول العالم الثالث غير مستقرة، وتعاني من أزمات اقتصادية مزمنة وفساد وانعدام الشفافية أو منشغلة بحروب توسعية وداخلية افقرتها وبددت مواردها وهجرت سكانها. والسؤال: كيف ستتعامل هذه الدول مع المتغيرات العالمية الكبرى؟ هل ستستطيع التعامل بجدية، وفي الوقت المناسب مع التحول الطاقوي في ظل أنظمة محلية أو إقليمية غير مستقرة؟