عندما غزت الولايات المتحدة
أفغانستان بعد عملية الحادي عشر من سبتمبر 2001 وعدت العالم بنهاية الإرهاب
والعنف، بل شنت حربين متتاليتين واحدة في أفغانستان والثانية في 2003 في العراق.
والجدير بالذكر للقارئ أنها
أعلنت بلسان قادتها أنها ستمول حرب العراق من النفط العراقي وفي إطار ميزانية
معتدلة.
ها قد وصلت كلفة الولايات المتحدة بعد 20 عاما
في كل من حربي العراق وأفغانستان لما يقارب 4 تريليونات دولار. ففي حروبها
الأفغانية والعراقية فشلت الولايات المتحدة في كل الوعود التي قدمتها حول
الديمقراطية والشرق الأوسط الجديد.
في حروبها المتتالية في العالم الإسلامي وخاصة
حربي أفغانستان والعراق لم تر الدولة الكبرى ضحاياها وظروفهم، كما غضت النظر تماما
عن معرفتها أن الطالبان نتاج لظروف أفغانية اجتماعية وسياسية وهم أيضا نتاج
استخدامها لهم في حربها الباردة ضد التدخل السوفياتي في أفغانستان. ولم تكن
الطالبان كالقاعدة، بل كانوا ثاني جهة أدانت الحادي عشر من سبتمبر، ولم يكونوا
سعداء أبدا بعملية القاعدة.
لم تكن طالبان تيارا واحدا فحول
الملا عمر كان هناك من أرادوا تقنين عمل القاعدة بل ومن أرادوا ما يمنع المفاجآت.
لقد دفعت الولايات المتحدة ألوف القتلى والجرحى من مقاتليها في أفغانستان، وانتهى
الأمر بكارثة. اليوم تستعيد الطالبان السيطرة على معظم الأراضي الأفغانية.
الحرب تبدأ بطريقة وتنتهي بطريقة، ويؤكد منطق
التاريخ أن الدول الكبرى عندما تتهور تبدأ بالاستخفاف بضحاياها كما ويعتريها
الغرور الناتج عن عدد الدبابات والطائرات في ترسانتها.
من جهة أخرى العبث الأمريكي في العراق بعد
إسقاط نظام صدام عام 2003، دمر الدولة العراقية، لكنه خلق الفراغات الكبرى التي من
خلالها برزت داعش، وتمددت إيران، ودفعت الولايات المتحدة خسائر كما وتورطت في كلفة
فاقت كل كلفة. الحالة الأمريكية في العراق نموذج آخر على الفشل التاريخي الذي أوصل
مؤخرا القواعد الأمريكية للتعرض للقصف بهدف الضغط عليها في المفاوضات النووية مع
إيران والضغط عليها للخروج من العراق. في العراق كانت الولايات المتحدة أكثر
اهتماما بتدمير العراق أولا، وببناء تحالفات مع قوى مالت للفساد، كما كانت أكثر
اهتماما بالتفرد لتقيم ديكتاتورية الاحتلال.
هذه قصة الدولة الكبرى التي تمددت بأكثر من
قدراتها، لكنها بنفس الوقت قصة الدولة الكبرى التي تمددت بسبب سيطرة قوى إسرائيلية
وصهيونية على صنع القرار الخارجي. ففي الحرب على العراق كانت الأجندة الإسرائيلية
في المقدمة، وكان الهدف الأهم تدمير الدولة وعلى الأخص الجيش العراقي، وهذا ما
أرادته إسرائيل. لكن في أفغانستان كانت الأجندة الإسرائيلية هي أجندة الإرهاب
الإسلامي والعمل على جر الدولة الكبرى للمواجهة بما يضعف العالم الإسلامي ويجعل
المسلمين يبدون كارهين للإنسان في كل مكان.
الحرب هي الحرب، تبدأ بطريقة وتنتهي بطريقة،
ويؤكد منطق التاريخ أن الدول الكبرى عندما تتهور تبدأ بالاستخفاف بضحاياها كما
ويعتريها الغرور الناتج عن عدد الدبابات والطائرات في ترسانتها. هذه القوة التي
أصبحت مصابة بداء الغرور تجاه الشعوب الأخرى هي التي أنتجت رئاسة ترامب عام 1916.
في نهاية هذه الحقبة الهامة في حرب أفغانستان
نكتشف أن تصفية ميليشيا أو قوة منظمة غير رسمية مثل الطالبان غير ممكنة، ونكتشف أن
هذا أيضا غير ممكن في حالة قوى شبيهة مثل الحوثيين وحزب الله، وحماس. دخلنا في
مرحلة لا تستطيع أكبر قوة تصفية قوة أقل عدة وعتاد وعدد وقدرات. بل وصلنا لعالم
يمنع الاستفراد المطلق لطرف عالمي على حساب الأطراف المحلية، أو لطرف إقليمي على
حساب الأطراف الوطنية.
كل هذا يشير لأهمية الاستماع
وإيقاف آلة القتل التي تحيط بمنطقتنا. أليس غريبا عندما نبحث عن الحروب في العالم
نكتشف أن حروب الولايات المتحدة لا نجدها إلا في العالم الإسلامي؟