أثارت الاعترافات التي عرضتها الحكومية العراقية للشخص الذي قالت إنه منفذ عملية اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية، كونها لم تكشف عن الجهة التي يعمل لصالحها، ولا دوافع الجريمة.
وبعد مرور عام على اغتيال الهاشمي، أعلن رئيس الحكومة العراقية، الجمعة، القبض على القاتل، حيث غرد على "تويتر" قائلا: "وعدنا بالقبض على قتلة هشام الهاشمي، وأوفينا بالوعد".
وتابع: "وقبل ذلك، وضعنا فرق الموت وقتلة أحمد عبد الصمد أمام العدالة، وقبضت قواتنا على المئات من المجرمين المتورطين بدم الأبرياء. من حق الجميع الانتقاد، لا نعمل للإعلانات الرخيصة ولا نزايد، بل نقوم بواجبنا ما استطعنا لخدمة شعبنا وإحقاق الحق".
سابقة جديدة
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، صالح الحمداني، إن "الحكومة أعرف بظروفها، فمن خلال التجارب السابقة في عملية البعيثة جنوب بغداد، واعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، أصبحت لديها الخبرة في معرفة ما الذي يصلح عرضه وما لا يصلح".
في حزيران/ يونيو 2020، اعتقلت السلطات العراقية عددا من عناصر المليشيات في منطقة البعيثة بتهمة إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء، لكنها أفرجت عنهم بعد أربعة أيام، وكذلك اعتقلت قبل شهر القيادي بـ"الحشد" قاسم مصلح، بتهمة قتل ناشطين، ثم الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة.
الحمداني أكد في حديث لـ"عربي21" أن "جميع الشعب الذي شاهد اعترافات قاتل الهاشمي يعرف أن هناك حقيقة غائبة مسكوتا عنها، وأن المثير هو عدم خشية الحكومة من القول إن هذا الشخص ينتمي إلى وزارة الداخلية، لكنها في الوقت ذاته لم تعلن اسم الجهة المسلحة التي ينتمي إليها".
ورأى المحلل السياسي أنها "كانت سابقة لأول مرة تحصل أن يكون مرتكب الجريمة ينتمي إلى المؤسسة الأمنية العراقية، إضافة إلى ذكر الاسم الرباعي واللقب، والذي أحرج حتى عشيرته، التي أصدرت بيانا تبرأت منه".
اقرأ أيضا: العراق يقبض على قاتل هشام الهاشمي وينشر اعترافاته (شاهد)
من جهته، رأى الباحث في الشأن العراقي نجم المشهداني، في حديث لـ"عربي21"، أن "الحكومة العراقية لا قبل لها بأي تداعيات في حال أعلنت عن الجهة التي تقف وراء اغتيال هشام الهاشمي ودوافع الجريمة".
وأضاف المشهداني أن "الجهة معروفة للجميع، وهي إحدى المليشيات المرتبطة بإيران، والدوافع سياسية، فإذا أعلنت الحكومة ذلك، فإن الوضع يزاد سوءا في البلد، لا سيما أنه في المرحلة الحالية مطلوب منها تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات البرلمانية".
ولفت إلى أن "الحكومة الحالية ضعيفة، ولا تستطيع مواجهة المليشيات المتغولة في مؤسسات الدولة، وتحديدا الأمنية، والتي أصبحت أقوى من الدولة نفسها، والتجارب السابقة خير دليل في تعاملها مع السلاح والمليشيات المنفلتة".
وأشار المشهداني إلى أن "الحكومة عملت بأضعف الإيمان، وما استطاعت فعله في هذه القضية يعدّ أقصى شيء بالنسبة لها، ومع هذا يعدّ إنجازا؛ كونها سابقة لم تحصل من قبل أن يظهر على الشاشات ضابط في جهاز أمني من المكون الشيعي وينتمي إلى مليشيا موالية لإيران على أنه قاتل".
توقيت مثير
وبخصوص توقيت الكشف عن مرتكب جريمة اغتيال الهاشمي، رأى الحمداني أن "التوقيت لا بد أن يربط مع الأحداث، لكن هل كانت الحكومة متعمدة إظهار المقطع في الوقت الحالي الذي يشهد فيه البلد أزمات سياسية، وزيارة الكاظمي إلى واشنطن في 25 من الشهر الجاري؟".
وشدد الحمداني على أن "الخبير الأمني هشام الهاشمي شخصية بارزة ليست اعتيادية، فهو يمتلك علاقات واسعة داخل وخارج العراق، وعرض موضوع الاعترافات في هذا الوقت لا شك أنه يرفع من رصيد الكاظمي".
وأعرب عن اعتقاده بأن "هذه العملية لن تكون الوحيدة، وإنما سنرى الكثير من القتلة يلقى القبض عليهم، لكن يبقى من الصعوبة بمكان التعامل مع الجهات التي ينتمي إليها القتلة، فالحكومة الحالية هشة، ورئيس الوزراء الكاظمي ليس لديه ثقل في البرلمان؛ كونه لا يمتلك عضوا".
وفي السياق ذاته، قال الباحث المشهداني إنه "بعد مرور عام على ارتكاب جريمة اغتيال هشام الهاشمي، والوعد الذي قطعه رئيس الوزراء أمام عائلة الأخير وبثته وسائل الإعلام، كل ذلك كان دافعا لإنهاء الملف بأي طريقة كانت، لذلك خرج بهذه الطريقة المستعجلة".
ورأى المشهداني أن "توقيت الكشف عن قاتل هشام الهاشمي يعود إلى الكثير من الأسباب، أولها صرف أنظار الشعب العراقي عن فاجعة مستشفى الحسين في الناصرية، إضافة إلى الاحتقان السياسي بعد انسحاب مقتدى الصدر من الانتخابات".
اقرأ أيضا: هل يستطيع الكاظمي محاسبة قتلة الهاشمي؟
وتابع: "كذلك واحد من مسببات عرضت الاعترافات في هذا الوقت هو زيارة رئيس الحكومة إلى واشنطن، فهو بحاجة إلى رصيد يحمله معه لعرضه أثناء لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن".
كواليس الإعلان
وعلى الصعيد ذاته، شدد النائب في البرلمان العراقي، علاء الربيعي، عن تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على ضرورة دعم جهود المؤسسة الأمنية في ملاحقة قتلة الناشطين والإعلاميين والكفاءات العراقية.
ودعا الربيعي في بيان، السبت، إلى "تنظيف الأجهزة الأمنية من المندسين الذين أساءوا إلى جهود وتضحيات ودماء العديد من المنتسبين والضباط الذين هم حماة الوطن".
وكشف النائب الصدري أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أبلغ أغلب قادة الكتل السياسية باسم الفصيل الذي ينتمي إليه قاتل الشهيد الهاشمي"، مطالبا الكاظمي بـ"الإعلان بشكل واضح وصريح عن اسم تلك الجهة؛ للحد من هذه العمليات الإجرامية، وليعرف الشعب العراقي من يقف معه ومن يتاجر بجروحه ومعاناته".
وبثت وسائل إعلام عراقية فيديو اعترافات قاتل الهاشمي المدعو أحمد حمداوي عويد معارج الكناني، ويحمل رتبة ملازم أول في وزارة الداخلية منذ عام 2007.
وقالت إن الكناني "ينتمي لـ"جماعة ضالة خارجة عن القانون"، لكنها لم تكشف عن اسم هذه الجهة، ولا الدوافع التي كانت وراء ارتكاب الجريمة.
وذكر متحدث باسم وزارة الداخلية في الفيديو، أنه بالإضافة إلى حمداوي يوجد 3 متورطين معه، إلا أنها لم تكشف عن مصيرهم.
هل دخلت مؤسسات العراق ضمن دائرة الاستهداف السياسي؟
"انقلاب أبيض".. ماذا يجري داخل ثاني أكبر حزب كردي بالعراق؟
إيران تبتز العراق بحقوقه المائية.. سياقات تاريخية