البعد التاريخي لظهور الدولة في الخليج وارتباط ذلك بظهور النفط أعطى الدولة خصوصية تاريخية، وجعل منها راعية وحاضنة للمجتمع، بدلا من وجود مساحة بين الجانبين، وهو الأمر الطبيعي لحصول التفاعل البناء على عكس ما تم في مناطق أخرى من العالم، حيث كان التعاقد والتفاوض تأسيسا للدولة وبمشاركة المجتمع.
لقد استطاعت الحقبة النفطية - من بين أسباب أخرى - أن تؤجل نمو المجتمع المدني، في حين كانت النخب العسكرية وشبه العسكرية تؤدي الدور نفسه في مناطق أخرى من عالمنا العربي، ولكن بذور مثل هذا المجتمع في منطقة الخليج، ترجع إلى الثلاثينيات أو حتى العشرينيات من القرن المنصرم، لذلك فإن قيام الدولة بدور المجتمع حتى اليوم أمر لا يمكن تبريره، ولا يعمل استمراره على تطوير المجتمع، ولا على تقوية الدولة، فأهمية مؤسسات المجتمع المدني تتمثل في كونها أداة خلق الطلب الفعال، وهذا في حد ذاته البوصلة التي تهتدي بها الدولة وتسترشد بها طريقها في المستقبل، وبدون هذه المجتمعات والمؤسسات الأهلية لا يمكن قيام "الديمقراطية التداولية"، حيث يتداول المجتمع قضاياه ومشاكله؛ حيث لا يمكن للدولة أن تقيم ديمقراطية حقيقية دون طلب فعال من المجتمع، ولا يرجى من أي إصلاح الاستمرار إذا لم يشارك المجتمع في صياغته وبلورته.
ثمة شراكة حقيقية بين المجتمع والدولة، هي ما أوصلت تلك الدول المتقدمة إلى ما هي عليه اليوم، ولقد آن الأوان لإقامة الشراكة الحقيقية اللازمة لثقافة العصر، ولقد آن الأوان لترك بذور المجتمع المدني الأهلي في الخليج وفي غيره من محيطنا العربي، تنمو داخل فضاءاتها المتعددة.