على مدى خمس حلقات، حاولت أن أجيب عن هذا السؤال:
لماذا كانت جماعة الإخوان؟ وما أهمية بقائها؟ وإلى متى؟ وفيها ناقشت بعض "ثوابت"
الإخوان المسلمين التي أثبتُّ (من خلال رواية الإمام المؤسس حسن البنا - رحمه الله) أنها ليست ثوابت، وإنما كانت "أفكارا عفوية" وُلدت دون تخطيط أو ترتيب، ويأتي في مقدمة هذه "الثوابت" اسم الإخوان المسلمين!
كما تناولت في هذه السلسلة، شخصية الأستاذ البنا الاستثنائية التي أهلته لغرس بذرة هذا الكيان العظيم الذي امتدت فروعه وظلاله لنحو ثمانين دولة، وأكدت على أهمية وضرورة بقاء الإخوان المسلمين فكرة وتنظيما، في ظل عبث السلطات (في عالمنا العربي) بثوابت الدين، وعجز المؤسسات الدينية الرسمية عن مواجهتها، على أن تعيد جماعة الإخوان إنتاج نفسها، من خلال مراجعات جادة لمسيرتها الدعوية والسياسية، واعتبار إرث الأستاذ البنا "إطارا عاما" و"خطوطا عريضة"، وليس "دستورا" عابرا للزمن!
وختمت بطرح تصور لعلاقة الإخوان بالسياسة، خلصت فيه إلى ضرورة نأي الجماعة بنفسها (ككيان) عن "المنافسة السياسية"، وليس "الاشتغال بالسياسة"، على أن تترك مهمة تكوين الأحزاب والمنافسة السياسية لأفرادها الذين يرون في أنفسهم الأهلية للقيام بهذا الدور، باستقلالية تامة عن الجماعة التي يجب أن تتفرغ لنشر قيم الإسلام في المجتمع، وتربية أفرادها وتأهيلهم تأهيلا عاليا، يعينهم على الاشتباك مع معضلات الواقع على اختلافها، وتجعل من نفسها "جماعة ضغط" أو "لوبي"، تحقق من خلال "الدعم السياسي المشروط" لهذا الحزب أو ذاك، ما يخدم الدين والوطن والمواطن، دون أن تتلوث بأدران
السياسة، قدر الإمكان.
هذا إذا كانت الأجواء تشبه أجواء حكم السادات ومبارك التي كان فيها شيء من الحرية، أما في حالة كتلك التي تعيشها
مصر (اليوم) تحت سلطة انقلاب فاشي استئصالي، معادٍ للدين، ساعٍ (بكل السُّبل) لتشكيك المؤمنين به فيه، فلا جدوى من هذا الطرح، ومن ثم، تبدو العودة إلى نهج "دار الأرقم" هي الحل المناسب، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وللقارئ الكريم أن يعتبر هذا المقال تتمة لهذه السلسلة.
آخر مشاركة سياسية للإخوان
على نحو لم أجد له تبريرا منطقيا، أصرت جماعة الإخوان المسلمين على "إثبات نسب" حزب الحرية والعدالة إليها!.. فقد شاهدت على واجهات مقار الحزب جملة "حزب أسسه الإخوان المسلمون" تحت اسم الحزب! رغم أن القاصي والداني يعلم أن هذا الحزب أسسه الإخوان المسلمون، وأن رئيس الحزب وهيئته العليا هم من الأسماء "الإخوانية" اللامعة!.. ولأني لا أزال أرى هذا الإجراء غير مبرر، ومن ثم يحتاج إلى تفسير، فسأكتفي بطرح الأسئلة على مَن يمكنه التفسير: هل كان هذا احتفاء "المحروم" من "الاعتراف الرسمي"؟ أم أن قيادة الإخوان المسلمين كانت تعتقد بأن مثل هذا "الاعتراف"، بعد عقود من وصفها بـ"المحظورة"، سيضيف إليها شيئا ذا قيمة؟! أم أنه "حب التملك"؟ وهل كل ذلك أو بعضه (إذا صح) يليق بقيادة جماعة بحجم الإخوان المسلمين، صاحبة الحضور والزخم والتاريخ؟!
لا يتسع المجال (في هذا المقال) للخوض في عودة قيادة الإخوان المسلمين، عن تعهداتها بالمنافسة على مقاعد البرلمان بنسبة محددة.. فقدت ساقت القيادات (في حينه) بعض المبررات التي دفعتها دفعا إلى نقض هذا التعهدات، وتبدو (من وجهة نظري) منطقية؛ لأنها كانت خارجة عن إرادتها.. ولا يتسع (أيضا) لمناقشة قرار خوض
الانتخابات الرئاسية، دون استعداد كافٍ لتحمل أعباء هذا الفوز، في هذه المرحلة المضطربة شديدة السيولة، غير أن ما أراه غير منطقي (البتة) تلك الطريقة التي تم بها اختيار الشخصية التي ستنافس على منصب رئيس الجمهورية!
لقد استوقفني في هذه الواقعة (حسب شهادة أعضاء في الشورى العام) طلب المرشد العام الدكتور محمد بديع إلى مجلس شورى الجماعة؛ ترشيح من يرونه مناسبا من "الإخوان المسلمين" لمنصب الرئاسة! على الرغم من وجود "ذراع سياسي" للجماعة، أو "حزب أسسه الإخوان المسلمون"، ألا وهو حزب "الحرية والعدالة" الذي يرأسه الدكتور محمد مرسي! فلِمَ لم يتم تكليف رئيس الحزب، بخوض المنافسة على هذا المنصب؟ أو الاختيار من بين أعضاء الهيئة العليا للحزب الذي تم إنشاؤه (في الأساس) لخوض غمار العمل السياسي؟
ما الداعي (إذن) لوجود الحزب، إذا كانت "الجماعة" هي التي ستنافس في الانتخابات وليس "الحزب"؟! وفق أي منطق تم اختيار المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، مرشحا رئاسيا، وهو الشخصية غير المعروفة خارج أطر الإخوان التنظيمية، والحريصة على الابتعاد عن الأضواء، ولم تنافس (يوما) في أي انتخابات نقابية أو برلمانية، في وجود شخصية مثل الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، صاحب التاريخ البرلماني المشرف؟!
أهي "وصاية" الجماعة على الحزب؟! أم عدم وضوح دور كل من الجماعة والحزب لدى قيادة الجماعة؟ أم غياب ثقة قيادة الجماعة في قيادة الحزب، رغم أن السواد الأعظم من مؤسسي الحزب هم من الإخوان المسلمين، وقيادته (كلها) هم من رموز العمل السياسي والبرلماني "الإخواني"؟!
على أية حال، تم "تكليف" الدكتور محمد مرسي من قِبَل "قيادة الجماعة" (وليس من قِبل الحزب) مرشحاً "احتياطيا"؛ للمنافسة في الانتخابات الرئاسية، استجابة لتنبيهٍ من بعض أعضاء الشورى العام، العالِمين بالدستور والقانون، باحتمال استبعاد المهندس خيرت الشاطر من المنافسة على منصب الرئيس؛ لعدم تسوية وضعه "القانوني"، بعد سلسلة محاكمات عسكرية في قضايا ملفقة، وقد تم استبعاده بالفعل، بعد أن أطلق حملته الانتخابية!
ولست أفهم لماذا تم الإبقاء على المهندس الشاطر مرشحا رئاسيا، رغم هذا التنبيه "القانوني"؟ بل لماذا لم تتم مناقشة وضعه القانوني، قبل طرحه مرشحا، ما دام وضعه القانوني محل شك؟!.. لقد أثر هذا القرار (غير الموفق) على صورة الدكتور محمد مرسي لاحقاً؛ فقد ظل إعلام الثورة المضادة والدولة العميقة يصفونه بـ"الاستبن"، حتى بعد أن صار رئيسا منتخبا من الشعب، بل واشتد الترويج لفِرْيَة أن المهندس الشاطر هو الرئيس الفعلي لمصر، وليس الدكتور مرسي (رحمه الله)!
عبثية المشاركة السياسية في ظل أنظمة شمولية
لقد أثبتت التجربة (في مصر وغيرها) أن مشاركة جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الشقيقة لها، في الحكم، في ظل أنظمة شمولية استئصالية معادية للدين، تضطرها إلى التنازل عن بعض ثوابتها؛ لزوم المواءمة السياسية! ومن ثم تفقد مصداقيتها وتخصم من رصيدها لدى الجماهير! وقد بِت أعتقد بأن تسهيل وصول جماعة الإخوان وشقيقاتها إلى الحكم (بعدم تزوير نتائج الانتخابات) كان بهدف استغلالها، وحرقها، وإسقاط اعتبارها، بإظهارها بمظهر المتلاعب بالدين، أو المستغل له، أو المتاجر به والذي لا مانع لديه من التنازل عن بعض المبادئ وثوابت الدين لأجل مكسب سياسي آني.. (تمرير قانون الميراث التونسي الذي ساوى بين الجنسين في الأنصبة، وتطبيع حكومة المغرب "الإسلامية" مع الكيان الصهيوني، نموذجان)!
وبما أن النتيجة التي باتت مؤكدة تقول: إنه من غير الممكن تحقيق غايات الإسلام في ظل هكذا أنظمة، فمن الأفضل أن تتحول الجماعة والأحزاب المنبثقة عنها، أو المماثلة لها، إلى منظمات "مجتمع مدني" أو "جماعات ضغط"، وقد أشرت إلى جدوى هذا الطرح في بداية المقال، بشرط توفر قسط معقول من الحرية، وإلا فلا جدوى منه..
إن هذا الطرح لا يعني فصل الدين عن السياسة، كما قد يتصور البعض، وإنما يعني ممارسة السياسة، بشروطها العبثية واللامنطقية في بلادنا المنكوبة بأنظمتها الشمولية الاستئصالية المعادية للدين، دون أن تكون مطية لهذه الأنظمة تصل بها إلى غاياتها الفاسدة.. أما إقامة "نظام إسلامي"، فهذا شأن آخر، لا يزال "الإسلاميون" في مرحلة "مناقشة" اسمه ووصفه! هل هو شوري أم ديمقراطي أم شوروقراطي؟! وهل سيكون ذلك ضمن حدود الدولة "الوطنية" وفق معاهدة "سايكس- بيكو" التي مزقت الأمة؟ أم ستكون خلافة؟ أم سيكون اتحاداً؟ وهل هذا الاتحاد سيكون فيدراليا أم كونفيدرالي؟!
والحمد لله على كل حال..
twitter.com/AAAzizMisr