اختتم في العاصمة العراقية بغداد، الخميس، "المؤتمر الدولي لاسترداد الأموال المنهوبة"، بعد يومين من المداولات، التي انتهت بإصدار 18 توصية، لكن مراقبين وجهوا انتقادات عديدة للمؤتمر من حيث التوقيت، وإمكانية تطبيق مخرجاته، بل وجدوى إقامته من الأساس.
المؤتمر انطلق الأربعاء، برعاية الحكومة العراقية، ومشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إلى جانب عدد من وزراء العدل ورؤساء مجالس قضاء وأجهزة رقابية، وممثلي جمعيات ومنظمات، وشخصيات قانونية وأكاديمية وإعلامية عربية ذات صلة بموضوع مكافحة الفساد.
"قفز على الواقع"
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، جاسم الشمري، في حديث لـ"عربي21"، إن "الحكومة العراقية وخلال الأشهر الأخيرة بدأت تتبع سياسة القفز على الواقع، وبالذات مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، ومؤتمر استعادة الأموال المنهوبة".
وأوضح الشمري أن "المؤتمر الأول أقيم لتقريب وجهات النظر السعودية والإيرانية من جهة، والأمريكية والإيرانية من جهة أخرى، دون الالتفات إلى الواقع العراقي الذي يحتاج إلى معالجة دقيقة لترتيب بيته الداخلي، وبالتالي لا ندري كيف قفزت الحكومة على الواقع وتحاول ترتيب الحالة الإقليمية؟".
اقرأ أيضا: معهد واشنطن يدعو لدعم السيستاني بوجه مليشيات إيران بالعراق
أما بالنسبة لمؤتمر استرداد الأموال العراقية المنهوبة، يضيف الشمري، فإنها قضية مهمة جدا، لكن العراق يعاني من قضايا أكبر مما يتعلق بقضايا المال، وهو ما يتعلق بقتل العراقيين، فهناك أطراف معلومة للحكومة متهمة بقتل العراقيين، وهناك قضايا أخرى تتعلق بالمعتقلين، فهي أكبر وأخطر من ملف الأموال.
ورأى الشمري أن "الحكومة العراقية عليها ألا تقفز على الواقع، وإنما معالجة القضايا الكبرى وتحقيق العدالة، ثم يمكن الانطلاق لاسترداد الأموال المنهوبة، وهذا أمر مهم جدا؛ لأننا نتحدث عن ألف مليار دولار نهبت في العراق بعد عام 2003".
وتساءل الشمري قائلا: "رأينا دعوات من الكاظمي للدول العربية والأجنبية من أجل مساعدة العراق في استرداد الأموال المنهوبة، وهذا أمر جيد، لكن أين الأشخاص المتهمون بالنهب والسلب من داخل العراق، فهناك أطراف عراقية داخلية أصبح لديها ثراء فاحش وهي في داخل العملية السياسية؟".
"أموال يستحيل إعادتها"
وعن جدوى إقامة مثل هذا المؤتمر في استرداد الأموال المنهوبة، أكد النائب صباح العكيلي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، وجود صعوبات كبيرة تحول دون استرداد الكثير من الأموال التي نهبت من العراق وهربت إلى العديد من الدول.
وأوضح العكيلي في حديث مع "عربي21" أنه "قبل عامين تشكلت لجنة من وزارة الخارجية وجهاز المخابرات، وهيئة النزاهة (حكومية)، ولجنة النزاهة البرلمانية، وغيرها من الجهات، لمتابعة ملف الأموال المنهوبة، لكن النتائج التي خرجت بها كانت ضعيفة".
ولفت النائب إلى أن "الأموال المنهوبة تنقسم إلى نصفين، الأول هي التي خرجت في عهد نظام صدام حسين وسُجلت بأسماء شخصيات لم تعمل في الدولة، وبعضهم لا يعرف أنه ثمة أرصدة باسمه في بنوك خارجية، وهنا الموضوع صعب جدا؛ لأن بعض الدول ترفض التعاون، ولا توجد أدلة فعلية للتحرك على هذه الأموال، وأعتقد أن استعادتها أمر مستحيل".
وتابع عضو تحالف "سائرون" التابع للتيار الصدري: "أما النصف الثاني من الأموال المنهوبة، فهو في مرحلة ما بعد عام 2003، وهذه تتعلق بشخصيات كانت لديها مناصب ومسؤوليات في الدولة العراقية، وبعضهم لا يزال كذلك".
وبيّن العكيلي أن "لجنة النزاهة شرعت قانون (الكسب غير المشروع) قبل عامين، ووسعنا نطاق هيئة النزاهة فيه، حيث يمكنها أن تطلب من أي موظف كيف كسب أمواله، وحقق قفزة جيدة، فخلال العامين الماضيين ارتفعت كشوفات الذمم المالية للمسؤولين، ونتمنى أن يطال أقاربهم أيضا".
وأردف: "كان لدينا مطلب في التيار الصدري أن تفتح ملفات الفساد منذ عام 2003 وحتى الآن، لكن الكتل السياسية التي كانت تتسيّد الساحة السياسية في وقتها، ترفض فتح مثل هذه الملفات، ولدينا آلاف الملفات في هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية، وهي تحتاج إلى عدد من المحققين للعمل فيها".
18 ملفا خطيرا
وحول عدم بدء الحكومة العراقية بملفات خطيرة تحدث عنها الكاظمي مطلع الشهر الجاري، بدلا من عقد مؤتمر دولي لاستراد الأموال المنهوبة، قال العكيلي: "إذا كان هناك جدية في العمل بملفات الفساد، فالأولى برئيس الوزراء ألا يتحدث عن عددها، وإنما إكمالها وإحالتها مباشرة للقضاء، وإصدار أوامر قبض".
اقرأ أيضا: كيف سينعكس قرار الكاظمي رفع التأشيرة مع إيران على العراق؟
وفي 3 أيلول/ سبتمبر الجاري، كشف رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، خلال لقائه مع مجموعة من مسؤولي غرف الأخبار في وسائل الإعلام العراقية، عن 18 ملف فساد جديد في البلاد، مؤكدا أنه "لو اطلع العراقيون عليها لأصابتهم أزمة قلبية".
وأوضح عضو لجنة النزاهة البرلمانية، صباح العكيلي، أن "الحديث عن الملفات هذه في وسائل الإعلام من دون وجود نتائج أولية، يعني أن هناك إجراءات غير حقيقية تسري في الموضوع".
ولفت إلى أن "هيئة النزاهة المعنية بمكافحة الفساد ليس لها دور، وأصبحت جهة تحقيقية فقط، لأنه لم تعط إليها صلاحيات لممارسة دورها بالقوة التي لديها، لذلك رضينا بعمل اللجان التي تشكلت في عهد رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، والحالي مصطفى الكاظمي، رغم أنها لم يصوت عليها البرلمان، لكن فقط أردنا تحركا عمليا تجاه ملف الفساد".
من جانبه، قال الكاتب جاسم الشمري إن "تصريح رئيس الحكومة حول الملفات الـ18، كان كافيا لإقالته أو قيام ثورة شعبية في العراق، ذلك لأن رئيس الوزراء يتحدث عن ملفات واضحة لديه من حيث الأسماء والتفاصيل، ويفترض به أن يطبق القانون على الأطراف التي حددها، فما هو دور الحكومة التنفيذي إن لم يكن معالجة الجوانب الخطيرة هذه؟".
ورأى الشمري أن "التصريح الخطير من رئيس الحكومة هو إدانة واضحة لنفسه على التواطؤ غير العلني، والتستر على هذه القوى، وإلا لو طبق القانون على هؤلاء لوجد العراقيين يقفون معه من أجل تحقيق العدل واستعادة الأموال المنهوبة، أما إذا كان لمجرد التصريح، فأعتقد أنه لأغراض انتخابية لا أكثر".
أبرز توصيات المؤتمر
"المؤتمر الدولي لاسترداد الأموال المنهوبة" خرج في ختام أعماله بـ18 توصية، حيث كان من أبرزها "الإسراع في تفعيل أحكام الاتفاقيتين الأممية والعربية لمكافحة الفساد (وقعتا عامي 2003 و2010 تواليا)"، ووفق بيان وزارة العدل العراقية.
كما أوصى المؤتمر بـ"العمل على إيجاد وسائل غير تقليدية في مسألة استرداد الأموال ومكافحة الفساد، والاستفادة من آليات التعاون العربي". وأكد "أهمية بناء الثقة بين الدول الطالبة والدول متلقية طلبات استرداد الموجودات، باعتبار أن بناء الثقة هو وسيلة لتعزيز الإرادة السياسية".
ومن التوصيات "التشجيع على إبرام اتفاقيات ثنائية بين الدول (اتفاقيات تعاون في مجال استرداد الأموال ومكافحة الفساد)، ودعوة المركز العربي لإعداد نماذج استرشادية لهذه الاتفاقيات".
وأوصى أيضا "بالاستفادة من أعمال الفرق الحكومية وأصحاب الخبر المهنية التي توفرها الأمم المتحدة عبر مكاتبها المختصة لاسترداد الأموال، وكذلك وكالات الأمم المتحدة المختصة".
كما ركز المؤتمر على "مبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات القانونية الدولية في مجال استرداد الأموال المنهوبة، وما يقتضيه من إعادة الأموال والأصول المتحصلة بطرق غير مشروعة".
وتقرر رفع التوصيات إلى المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب، وكذلك إيداع نسخة منها لدى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حسب المصدر ذاته.
هكذا قرأ محللون زيارة الكاظمي لإيران قبل الانتخابات بالعراق
عقبات قد تمنع حصول العراق على طائرات "بيرقدار" التركية
"عربي21" تكشف شروط البارزاني لدعم مرشح رئاسة الحكومة