اجتماع مجلس الوزراء في تونس في 28 من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري سيكون له ما بعده، وهو اجتماع فاصل ومحوري في تاريخ البلد.. فقد شهد هذا الاجتماع في افتتاحه خطابا للرئيس قيس سعيد غير مسبوق في تاريخ السياسة التونسية ولا نظير له إلا في خطابات زعماء وقادة دفعوا ببلدانهم إلى الحروب الأهلية أو شنوا عمليات تطهير خارج القانون لمعارضيهم وانتهوا نهاية تعيسة وأنهوا تجارب رائدة في بلدانهم التي احتاجت زمنا للتعافي من هذه الجراحات.
قال الرئيس سعيد في مستهل الاجتماع بكلمات لا تحتمل التأويل: "أدعو الوطنيين الصادقين إلى تطهير البلاد ممن نهب البلاد ونهب الشعب".
ولئن لم يخل خطاب سعيد منذ انقلابه على الدستور وحتى قبله من مصطلحات التقسيم بين أبناء الشعب الواحد، فمناصروه طاهرون وطنيون ومعارضوه جراثيم منافقون شياطين، إلا أن الدعوة إلى تطهير البلاد خارج القانون وعلى يد من يراهم صادقين هي الحلقة الأخطر التي ترتقي إلى الجريمة ضد الانسانية.
وخطاب سعيد ذو مستويات: المستوى الأول إقرار بفشل محاولته إيجاد بديل عن الفاعلين التقليديين أمريكا وأوروبا في تونس، فالكل يعلم وباعتراف سعيد نفسه أنه كان يعول على السعودية والإمارات لدعمه ماليا حتى يستمر في مشروعه الانقلابي ناسيا العلاقات المعقدة بين مختلف الفاعلين الدوليين وأن الإمارات والسعودية لن تجازفا بخطوة لا ترضاها أمريكا وأن ما فعلتاه في مصر مختلف تماما لاعتبارات كثيرة.. ولقد اقر سعيد بعد أن أشاد بنجاح زيارة رئيسة الوزراء إلى السعودية بفشله في الحصول على مبتغاه من التمويل حين أعلن بكل قوة سنعول على أنفسنا وإمكاناتنا وأموالنا.
خطورة هذا الموقف من زاويتين: فتح المجال لتدخل المؤسسة العسكرية أو الأمنية لوضع حد لهذه المغامرة التي تهدد كيان الدولة، وهنا زواية الخطر الثانية وهي المأزق الذي سيكون عليه معارضو الانقلاب هل سيقبلون بحكم العسكر / الأم بداعي إنقاذ الدولة أم سيعارضونه من منطلق مبدئي رافض لتدخل العسكر في الحياة السياسية؟
المستوى الثاني، وهو الأخطر دعوته للاقتتال، إذ حث من اعتبرهم وطنيين صادقين لتطهير البلاد من ناهبيها.. وهي دعوة لا لبس في كونها حث على التقاتل. فهي قطعية الدلالة ويسندها من الخطاب نفسه حملته مرة أخرى على القضاء وأمره وزيرة العدل بإعداد مشروع للمجلس الأعلى للقضاء. بما يجعلنا نسير في اتجاه تفكيك تدريجي للمؤسسات يهمش فيها القضاء أو يطوع حتى تكون محاكمات "الصادقين" بعد استجابتهم لنداء سعيد وارتكاب ما قد يرتكبونه من جرائم تكون محاكماتهم شكلية.. طبعا نحن هنا نطرح حسابات سعيد لكن الحقل والبيدر لا يلتقيان دوما بالضرورة.
خطورة هذا الموقف من زاويتين: فتح المجال لتدخل المؤسسة العسكرية أو الأمنية لوضع حد لهذه المغامرة التي تهدد كيان الدولة، وهنا زواية الخطر الثانية وهي المأزق الذي سيكون عليه معارضو الانقلاب هل سيقبلون بحكم العسكر/ الأم بداعي إنقاذ الدولة أم سيعارضونه من منطلق مبدئي رافض لتدخل العسكر في الحياة السياسية؟ وفي هذه الحالة كيف سيكون وضع المجتمع المدني والسياسي في مواجهة السلطة الجديدة حتى وإن تعهدت بإجراء انتخابات سابقة لأوانها؟ هل سيسلم الجميع لهذه الوعود؟ وما الضامن للإيفاء بهذه الوعود؟ وكيف ستكون الحالة السياسية نتيجة هذا الانقسام؟
أسئلة تبقى معلقة وإن كانت المؤشرات ترجح نهاية قريبة لهذا الوضع لوضع أعقد بقطع النظر عن مقبوليته لدى الناس.. فهل ستفيق تونس قريبا على حكم العسكر؟
تونس وسيناريوهات المرحلة المقبلة
تجربة تونس ودكتاتورية الأساتذة.. والحاجة للعودة لهيبة الأستاذ الجامعي