كتاب عربي 21

عصف فكري إسلامي-عروبي في بيروت: أين المشروع البديل للصراعات؟

1300x600
رغم الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي يواجهها لبنان هذه الأيام، فإن العاصمة اللبنانية (بيروت) لا تزال تشهد الكثير من اللقاءات الفكرية والسياسية العلنية وغير العلنية من أجل مناقشة مستقبل الأوضاع في المنطقة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، وكيفية مواجهة مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني، وكذلك مستقبل ودور الحركات والقوى الإسلامية في ظل التحديات التي تواجهها في اكثر من بلد عربي، إضافة إلى مستقبل الدور الأمريكي والأوضاع الدولية بعد الانسحاب الأمريكي من إفغانستان، وما يحكى عن تراجع الدور الأمريكي ونشوء أحلاف جديدة إقليمية ودولية.

فبعيدا عن الأضواء، التقى عدد من القيادات الإسلامية اللبنانية والفلسطينية من مشارب مختلفة لمناقشة التطورات في لبنان والمنطقة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، وهو لقاء شبه دوري يجمع هذه القيادات المتنوعة رغم الخلافات والتباينات التي برزت بين بعض الحركات الإسلامية خلال السنوات العشر الأخيرة.

وأهمية هذا اللقاء أنه يقدم تقييما شاملا للتطورات الحاصلة، ويستعرض نقاط الضعف والقوة في الواقع العربي والإسلامي ويقدّم بعض الأفكار والاقتراحات لأصحاب القرار في الساحة الإسلامية.
نقاط التقارب بين مختلف الحركات الإسلامية بعد كل هذه السنوات العجاف أصبحت أكثر بكثير من نقاط الخلاف، وأن هناك حاجة كبيرة لعقد لقاء موسع بين أركان الحركات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها؛ لتقييم المرحلة السابقة وتحديد الأخطاء التي ارتكبت، ووضع استراتيجية جديدة للمرحلة المقبلة على ضوء المتغيرات الحاصلة والتحديات الجديدة

وكان واضحا خلال هذا اللقاء أن نقاط التقارب بين مختلف الحركات الإسلامية بعد كل هذه السنوات العجاف أصبحت أكثر بكثير من نقاط الخلاف، وأن هناك حاجة كبيرة لعقد لقاء موسع بين أركان الحركات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها؛ لتقييم المرحلة السابقة وتحديد الأخطاء التي ارتكبت، ووضع استراتيجية جديدة للمرحلة المقبلة على ضوء المتغيرات الحاصلة والتحديات الجديدة، وفي ظل الحديث المتكرر عن نهاية ما يسميه البعض "الإسلام السياسي"، مع أن كل المؤشرات على أرض الواقع تؤكد أن القوى والحركات الإسلامية لا تزال الطرف الأقوى في الساحة العربية، وهي تملك حلفاء أقوياء في الإقليم. ورغم كل العثرات التي واجهتها خلال السنوات الأخيرة وتراجع بعضها على الصعيد الشعبي، فإنها لا تزال حاضرة في المشهد السياسي والإعلامي، وإن كانت تحتاج لإجراء مراجعة فكرية وسياسية شاملة لأدائها خلال السنوات الأخيرة.

وتلتقي القيادات الإسلامية مع العديد من القيادات العروبية في بيروت على أن مشروع مقاومة التطبيع وما يسمى المشروع الإبراهيمي هو الأولوية في هذه المرحلة، وأن على جميع القوى الإسلامية والقومية واليسارية أن تعطي هذا المشروع الأهمية القصوى، لأنه للأسف فإن بعض الدول العربية تستغل الأوضاع الإقليمية أو الداخلية من أجل تبرير التطبيع مع العدو الصهيوني. كما أن بعض الإسلاميين أخطأوا في السكوت عن هذه التحركات، وهناك مسؤولية كبيرة اليوم في إعطاء الأولوية لمواجهة ما يجري وعدم السماح لتمرير هذا المشروع الخطير في هذه المرحلة، خصوصا مع بروز أصوات دينية إسلامية ومسيحية ترفض المشروع الإبراهيمي، ومنها شيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب.

وعلى صعيد آخر، شكّل الحديث عن مستقبل الدور الأمريكي في المنطقة محور لقاء حواري جامع بين العديد من المفكرين والإعلاميين والقيادات العربية، وبحضور وفد كردي سوري يمثل الإدارة الذاتية في شرق سوريا، وذلك بدعوة من مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت.
بعض الدول العربية تستغل الأوضاع الإقليمية أو الداخلية من أجل تبرير التطبيع مع العدو الصهيوني. كما أن بعض الإسلاميين أخطأوا في السكوت عن هذه التحركات، وهناك مسؤولية كبيرة اليوم في إعطاء الأولوية لمواجهة ما يجري وعدم السماح لتمرير هذا المشروع الخطير في هذه المرحلة، خصوصا مع بروز أصوات دينية إسلامية ومسيحية ترفض المشروع الإبراهيمي

وكان اللقاء فرصة هامة لقراءة المشهد العربي والإقليمي والدولي وتقييم الدور الأمريكي في ظل الصراع الصيني- الأمريكي، وما يحكى عن تراجع هذا الدور عربيا وإقليميا ونشوء تحالفات إقليمية ودولية جديدة لملء الفراغ الحاصل عن أي تراجع أمريكي.

وكانت خلاصة النقاش أنه بغض النظر عن تقييم الدور الأمريكي مستقبلا، فإن الخيار الوحيد أمام العالم العربي ودول المنطقة هو البحث عن نظام إقليمي جديد قائم على التعاون والتكامل؛ بديلا عن الصراعات والحروب القائمة اليوم بين بعض دول المنطقة أو داخل كل دولة أحيانا.

على ضوء هذه اللقاءات وغيرها من النقاشات الدائرة في بيروت وفي عواصم عربية أخرى، سواء بشكل مباشر أو من خلال وسائل التواصل الجديدة، يبدو أن المنطقة العربية والإسلامية تعيش اليوم مرحلة انتقالية جديدة، حيث تجري محاولة في بعض الدول لإنهاء كل آثار الربيع العربي وإعادة المنطقة إلى المرحلة التي سبقت الثورات الشعبية، مع إضافة تطور خطير جدا وهو ربط بعض دول المنطقة بالعدو الصهيوني أو المشروع الإبراهيمي، مما يعني إلغاء كل وجوه الديمقراطية والحريات التي برزت في بعض الدول في السنوات الأخيرة، وتوفير كل مقدمات التطبيع مع الكيان الصهيوني وضرب الحركات الإسلامية وإنهاء مشروع التعاون القومي- الإسلامي.
غم كل الأوضاع الصعبة التي تعيشها الأقطار العربية وانشغال كل قُطر بهمومه الداخلية والصراعات الدائرة بين بعض هذه الدول، يبقى الرهان على بروز عقل عربي وإسلامي جديد قادر على مواجهة مختلف التحديات، وإجراء مراجعة شاملة لكل المرحلة الماضية وتحديد الاخطاء التي ارتكبت

كل ذلك يتطلب من أصحاب الرأي والفكر القومي والإسلامي واليساري إعادة دراسة المتغيرات الحاصلة والاستفادة من دروس السنوات العشر الماضية، وإعادة صياغة المشروع القومي- الإسلامي الجديد، على أن يكون في اولويات هذا المشروع مواجهة كافة اشكال التطبيع مع العدو وحماية الحريات وحقوق الإنسان وإعادة بناء الدول على أسس المواطنة والعدالة، وفي المقابل البحث عن صيغة جديد لتعزيز التكامل الإقليمي في المنطقة ووقف كافة الصراعات والحروب.

ورغم كل الأوضاع الصعبة التي تعيشها الأقطار العربية وانشغال كل قُطر بهمومه الداخلية والصراعات الدائرة بين بعض هذه الدول، يبقى الرهان على بروز عقل عربي وإسلامي جديد قادر على مواجهة مختلف التحديات، وإجراء مراجعة شاملة لكل المرحلة الماضية وتحديد الاخطاء التي ارتكبت، وتقديم خطاب عربي وإسلامي جديد قادر على مواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية.

فهل من يجرؤ على ذلك؟ أم سنظل نتخبط في الصراعات والحروب المتعددة؟

twitter.com/KassirKassem