في تصريح علني نادر، نأى المخرج أصغر فرهادي بنفسه بشدة عن الحكومة الإيرانية التي رشحت فيلمه (قهرمان) ليمثل إيران رسميا ضمن جوائز الأوسكار هذا العام.
والرد من فرهادي أتى بعد تصريحات داود مراديان مدير الفريق الوثائقي في مؤسسة "رواية الفتح" الحكومية، في مقابلته مع وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "مهر"، حيث قال تعقيبا على قرار ترشيح فيلم (قهرمان) إن فرهادي "منتج ذكي حيث أن له صلة بالحكومة وبخارج الحكومة".
وفي رده على تصريحات مراديان قال فرهادي في بيان مطول على موقع إنستغرام: "إذا كان تقديمك لفيلمي لجوائز الأوسكار قد قادك إلى استنتاج أنني مدين لك، فأنا أعلن صراحة الآن أنه ليس لدي مشكلة في تراجعك عن هذا القرار".
اقرأ أيضا: فرهادي الفائز بجائزة مهرجان "كان" بثير الجدل بين الإيرانيين
وفي منشور مطول يوم الثلاثاء، انتقد مخرج الأفلام الحائزة على جائزة الأوسكار A Separation and The Salesman الحكومة الإيرانية "للمعاناة التي سببتها له على مر السنين".
وأشار فرهادي إلى احتجاجات عامي 2018 و2019 في إيران، والحادث المأساوي والمرير لضحايا الطائرة الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري، والتمييز الجائر ضد النساء والفتيات في إيران، وكذلك إلى جر البلاد نحو ما وصفه بـ "مسلخ كورونا"، وفق تعبيره.
وسبق أن اتهم فرهادي سابقا من بعض المعارضة الإيرانية بأنه براغماتي في تعامله مع الحكومة الإيرانية، وأنه دائما ما يمسك العصى من الوسط، وأنه غير جدي في معارضته، ولا يريد أن يغضب النظام منه. لهذا قال في بيانه إنه طوال حياته المهنية، اختار التركيز على عمله بدلا من الرد المباشر على "اتهامات الحكومة وتسمياتها".
واختتم رسالته بالقول إن "البطل سيعيش على أساس مزاياه"، سواء داخل إيران أو خارجها.
وفي آخر مؤتمر صحفي له خلال مهرجان "كان" لتقديم فيلمه (قهرمان) قال أصغر فرهادي مدافعا عن نفسه بخصوص اتهامات النقاد بخصوص طرق تعامله مع قضايا المجتمع الإيراني؛ "هناك طريقتان للتعامل مع هذه الموضوعات: إما أن يوجه المرء نقدا مباشرا، وإما أن يحلل المجتمع وينتقده من خلال قصة".
وأضاف: "بالنسبة إلى البعض، انتقاد المجتمع لا يعني انتقاد النظام. لكن كل شيء مترابط".
ويعبر فرهادي عن فلسفته بخصوص السينما التي يقدمها بالقول: "لا أسعى لتقديم إجابات للمشاهِد. لو قدمت له إجابة سينتهي الفيلم في صالة السينما، لكن لو تركت بعض الأسئلة، فالفيلم سيبدأ في الحقيقة بعد أن يشاهده الناس؛ يبقى بداخلهم".
اقرأ أيضا: بعد غياب.. عودة أصغر فرهادي لمهرجان "كان"
لهذا يمكن اعتبار هذا التصريح الجريء من فرهادي دفاعا متأخرا عن نفسه وعن أفلامه وفلسفته في تعاطيه مع السينما والشأن الإيراني اجتماعيا وسياسيا. ويمكن اعتبار هذا الرد ليس موجها للنظام الإيراني وأنصاره وحسب، بل موجها للمعارضة الإيرانية التي لطالما اتهمت فرهادي بالجبن وعدم حسم مواقفه.
اقرأ ترجمة بيانه الكامل أدناه:
"على مر السنين، كنت أميل إلى إمساك لساني، واختيار التركيز على كتابتي وصناعة الأفلام. كنت أفهم أن عملي سيكون الرد المناسب على اتهامات الحكومة وإشاعتها، وأنه لم تكن هناك حاجة لمزيد من التوضيح. ومع ذلك، فإن هذا الصمت جعل الكثيرين يعتقدون أنهم يستطيعون قول ما يريدون عني، وافتراض أنني لن أرد.
السبب في أنني أكتب هذا هو لأن شخصًا - لا أعرفه - صرح أنه يمكنني أن أكون مؤيدًا للحكومة ومعاديا لها في نفس الوقت. اسمحوا لي أن أكون واضحا: لقد سئمت.
كيف يمكن لأي شخص أن يربطني بحكومة لم يدخر إعلامها المتطرف أي جهد لتدميري وتهميشي ووصمني في السنوات الماضية. حكومة أوضحت لها آرائي حول المعاناة التي تسببت بها على مر السنين، من أحداث يناير 2017 ونوفمبر 2019، إلى المأساة المريرة التي لا تُغتفر التي تسببت في مقتل ركاب الطائرة الأوكرانية، من التمييز القاسي ضد النساء والفتيات إلى الطريقة التي سمحت بها البلاد لفيروس كورونا بذبح شعبها. كيف يمكنك مناداتي بأنني مؤيد للحكومة بينما صادروا جواز سفري مرارًا وتكرارًا في المطار وأخضعوني للعديد من جلسات الاستجواب؟
كيف يمكنك أن تقول إنني أدعم حكومة صرحت مرارًا وتكرارًا: "من الأفضل ألا يعود فرهادي إلى إيران"؟
لم يكن لدي أدنى تقارب مع تفكيرك المتخلف، وليس لدي أدنى حاجة لدعمك ومدحك. لسنوات عديدة، لقد اتهمت أفلامي بأنها "مزيفة"، والآن من المدهش مشاهدتك تفعل العكس.
إذا التزمت الصمت حتى الآن بشأن الاضطهاد الذي تعرضت له، فذلك فقط لأنني أردت التركيز على عملي، الذي أؤمن به بشدة. ولم يكن من المفترض أبدًا أن يؤخذ على أنه علامة على أنني أتفق معك. إذا كان تقديمك لفيلمي لجوائز الأوسكار قد قادك إلى الاستنتاج بأنني مدين لك، فأنا أعلن صراحة الآن أنه ليس لدي مشكلة في تراجعك عن هذا القرار. لم أعد أهتم بمصير الفيلم الذي صنعته من كل قلبي. سواء في إيران أو خارجها، سيعيش هذا الفيلم على أساس مزاياه."