أدى الرئيس
الجزائري عبد المجيد تبون زيارة دولة إلى
تونس استمرت يومين بين 15 و16 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وقد حظيت الزيارة بتغطية إعلامية واسعة وبأنشطة بروتوكولية لافتة، خاصة السهرة الفنية التي أحياها الفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق في القصر الرئاسي بقرطاج بحضور رئيسي الدولتين.
الزيارة جاءت في ظرف "خانق" يعانيه الرئيس التونسي بسبب انقلابه يوم 25 تموز/ يوليو عى المسار الديمقراطي وانتزاعه كل السلطات؛ مهددا باستعمال "وابل من الرصاص" ضد من قد يواجهون إجراءاته الاستثنائية.
قيس سعيد يعاني عزلة داخلية، حيث لم يبق معه أي حزب حتى من الذين ناصروه من البداية، ويعاني عزلة خارجية تمثلت في الضغط عليه لإنهاء الوضع الاستثنائي وفي وقف المساعدات والقروض، رغم ما تعانيه المالية التونسية من أزمة خانقة.
فهل جاءت زيارة الرئيس الجزائري لفك الحصار المالي والسياسي عن الانقلاب في تونس، كما يريد قيس سعيد وأنصاره الإيهام به؟
- القرض الذي منحته الجزائر لتونس ومقداره 300 مليون دولار، لا يكفي لدفع أجور الوظيفة العمومية لشهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ولا يُنتظر أيضا تقديم الجزائر لمبالغ مهمة لتعبئة ميزانية الدولة التونسية، ولا حتى استكمال العجز في ميزانية السنة الحالية (2021)، ناهيك عن سنة 2022 التي تدخلها تونس بدون ميزانية أصلا.
في الندوة الصحفية المشتركة بين الرئيسين التي انعقدت في قصر قرطاج ليلة الزيارة وجوابا على سؤال صحفي، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن المساعدة المالية لتونس ستكون في حدود ظروف الجزائر، مذكرا بأن الأزمة المالية عالمية ولا تخص تونس أو الجزائر. وقال إن ثقافتنا تعلمنا الصبر، داعيا إلى ضرورة الصبر في مواجهة الأزمة الاقتصادية، بما يفيد أنه لا يحسن بالتونسيين التعويل على دعم جزائري كاف لإخراجهم من الضائقة المالية الخانقة.
- وأما سياسيا وجوابا على سؤال إحدى الصحفيات في تلك الندوة، فقد أجاب الرئيس الجزائري بوضوح بأنه لا يسمح لنفسه مطلقا - رغم أن الجزائر هي الأقرب إلى تونس - بالتدخل في الشأن الداخلي للتونسيين، وأنه لن يتعامل بخلفية أيديولوجية أو تيارات فلسفية، وهي إشارة واضحة إلى كونه لن يتخذ موقفا ضد "الإسلام السياسي"، ولا موقفا مع فلسفة "البناء القاعدي" ونظرية الحكم الجديدة القائمة على التنسيقيات والاستفتاء الإلكتروني التي يبشر بها قيس سعيد.
حركة النهضة لم تنزعج من الزيارة، بل بالعكس ترى من المهم أن تظل الجزائر قريبة من المشهد التونسي بالنظر إلى عقلانيتها السياسية، أيضا بالنظر إلى العلاقة التاريخية والجغرافية وتكامل المصالح بين الشعبين.
ولعل ما يؤكد أن تلك الزيارة لم تكن مجدية للانقلاب، هو ما تابعه العالم بعد انتهاء الزيارة بيوم واحد من ردات فعل جماهيرية واسعة ضد إجراءات قيس سعيد ومخططه للاستفراد بالسلطة. فقد شهد شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس حشودا بشرية احتفالا بالذكرى 11 لاندلاع الثورة التونسية، أيضا للاحتجاج على سياسات قيس سعيد الاستبدادية.
وفي نفس الشارع وأمام المسرح البلدي كانت "خيبة" أنصار قيس سعيد، حيث فشلوا في أن يكونوا "حشدا" كافيا عدديا للإقناع بكون الشارع التونسي مع إجراءات 25 تموز/ يوليو.
قيس سعيد الذي تدخل لتعديل تاريخ الثورة المنصوص عليه في الدستور بـ17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، إلى 14 كانون الثاني/ يناير 2011، ليجعل فقط يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر، كيوم لـ"الانفجار الثوري" معتبرا يوم 14 كانون الثاني/ يناير يوم انقلاب واستحواذ على الثورة، لم يستطع الاحتفال بهذا اليوم ولم يزر محافظة سيدي بوزيد مهد الثورة - كما وعد - ليشارك الأهالي الاحتفالات، بل اكتفى ببيان باهت على صفحة الرئاسة، ولم يلق حتى كلمة تهنئة متلفزة.. لم يذهب لمحافظة سيدي بوزيد بسبب ما أقدم عليه أهالي تلك المحافظة من تهشيم المنصة التي نصبها أنصار قيس سعيد استعدادا لقدومه وإلقاء كلمته من عليها.
ما هي آفاق الانقلاب بعد خمسة أشهر من تجميد عمل البرلمان والسطو على كل السلطات؟ ما حظوظ نجاح قيس سعيد في تثبيت نظريته في الحكم؟ ما مدى مقبولية رؤيته لدى التونسيين وهو يستعد لإطلاق منصة الاستشارة الإلكترونية في الفاتح من شهر كانون الثاني/ يناير 2022؟
ما شهدته العاصمة التونسية يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري من احتجاجات، وما رفعه المحتجون من شعارات ضد قيس سعيد وضد ممارسات القوات الأمنية، يؤكد أن قيس سعيد لم يبق معه من الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية إلا القليل، وأنه ما زال فقط يعول على أجهزة الدولة خاصة الأمنية والعسكرية. غير أن المؤسستين لا يمكن أن تذهبا معه بعيدا في مواجهة الرفض الشعبي، فقد تعلم الجميع الدرس بعد فرار الرئيس السابق ابن علي يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011، حين نجا بنفسه وترك "المتورطين" من الأمنيين يعانون تبعات ما استُعملوا فيه طيلة حكمه من تنكيل بالمعارضين. وأما المؤسسة العسكرية فقد ظلت دائما على عقيدتها الوطنية نائية بنفسها عن الصراعات السياسية وهو موقف جلب لها احترام الشعب التونسي، وخاصة ما أبداه الجيش من انحياز للشعب أثناء الاحتجاجات الشعبية ضد نظام ابن علي، وهو الموقف الذي حسم الصراع لصالح الشعب التونسي.
twitter.com/bahriarfaoui1