في
المقال السابق الذي نشرته صحيفة "عربي21" بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وضحت مثالا لا يمكن نفي أحداثه وإثباتاته عن الاستهزاء بعقول وكرامة أحد أركان الإنسانية، وهي العدالة في
مصر من خلال التطرق لحكم المحكمة العسكرية غيابيا عليّ بعشر سنوات سجن بتهمة تمويل جماعة الإخوان المسلمين، في تناقض مع الحقيقة والواقع، حيث أن أحداث هذا الاتهام وحكم المحكمة وقعت في السنوات التي كنت أنا وكافة أموالي وأصولي وتحركاتي مُجمدين تماما في كل أنحاء العالم؛ بواسطة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ولا يعلم غير الله كيف دُبر طعامنا وعلاجنا ودراسة أولادنا.
ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء أو شرح لتاريخ حكم المحكمة العسكرية وتاريخ الوقائع التي ذكرتها في مقالي السابق، ووضعي الدولي في هذه التواريخ، لفهم هل كان بوسعي أن أُموّل الجماعة أم لا!
الحكم الظالم الذي أصدرته المحكمة العسكرية ضدي ألغاه الرئيس المصري الوحيد الذي جاء به الشعب المصري في انتخابات حرة لم يمكن تزويرها أو طبخها منذ قرون طويلة، وهو الدكتور محمد مرسي، والذي قضى أجله داخل محكمة يعلم القاصي والداني أنها ظالمة ولا علاقة لها بالعدالة.. ثم جيء بانقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، وألغي إلغاء الدكتور مرسي، وأُعيد الحكم عليّ في مهزلة قضائية مرة أخرى، وزجّ بمئات الآلاف من الأبرياء في السجون والمعتقلات بنفس الأسلوب، بل أشد ضراوة.
وقبل أيام جيء بالدكتور محمود عزت، نائب مرشد جماعة الإخوان من السجن للمحكمة، ورأيناه في المحكمة يخبر من أسموه قاضيا ببعض ما يحدث له في السجن منذ خمس سنوات من حرمانه من كافة حقوقه القانونية والحياتية والبشرية، وحبسه في زنزانة انفرادية لا يستطيع استنشاق الهواء فيها، ولا تُفتح إلا مرات لعدة ثوان لإدخال الطعام، بل وفي غالب الأحيان يُلقى له الطعام من فتحة في الباب ولا يفتح، ويتم منعه من العلاج وقد بلغ من العمر77 عاما، بل ومنعه من التواصل مع محاميه، كما مُنع من الزيارات العائلية أو الطبية.
لقد أسمع العالم وأراه الصورة الحقيقية بأن الإنسان في مصر له وضع يتناقض كليا مع ما أُعلن بأن له شيئا يسمى حقوقا، مهما حاول المطبلون والمزمرون القول بأن المصري الآن له حقوق، وأن القانون والعدالة يحميان هذه الحقوق. والمؤسف أن وزارة الداخلية المسئولة عن السجون أعلنت في موقعها الرسمي أن الدكتور محمود عزت كاذب، وأن ما قاله في المحكمة غير صحيح.
وعلق بعض المؤرخين في مصر على قول وزارة الداخلية بأن هذا حدث في مصر سابقا عندما كان يحكمها طاغيه اسمه "قراقوش"؛ فقد كان موكبه يسير وقت تشييع رجال الأمن أحد ضحاياهم، وأُمرت الجنازة بالتوقف لإفساح الطريق لموكب "قراقوش"؛ فخرج من أرادوا دفنه من نعشه ونادى يا جلالة الملك: أنا حي وهؤلاء عذبوني حتى اقتربت من الموت، ولكني ما زلت حيّا ويقولون إني ميت ويريدون دفني حيّا، فسأل قراقوش رجال الأمن المشيعين عن الحقيقة فقالوا له إنه ميت ونحن ذاهبون لدفنه وهو كاذب وليس بحيّ. فنظر قراقوش لمن طل من النعش وقال له: أنت كاذب، هل تريد أن أصدقك وأكذب رجال الأمن؟ استمروا في الجنازة والدفن فنحن نثق في أجهزتنا.. فمرة أخرى أقول: أفلا يعقلون؟، وأضيف على ذلك: أفلا يفقهون؟