الحكومة نائمة لا تجتمع ولتبقى الموازنة معلقة، فكم من مرة علقت سابقا في زمن اللا اقتصاد واللا مالية واللا موازنة؟ للأسف لا زالت معاليها في عطلة الأعياد (على ما يبدو لا ولن تنتهي قريبا)، وباقي الأفرقاء السياسيين يعيشون حالة الإنكار المتمادي في لالا لاند، حيث كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بألف خير ولا داعي للهلع. فالتقارير الدولية الأخيرة الاقتصادية والاجتماعية التي تتحدث عن كارثة بكل ما للكلمة من معنى؛ ترف لهم جفن ولا تحرك قيد أنملة في التنازل للوطن.
فالدولار يحلق عاليا جدا عند عتبة تفوق 30000 ليرة للدولار الواحد، بمعنى آخر تجاوز الدولار عشرين ضعفا عن حاله منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وبتوضيح أدق 95 في المائة من الرواتب والعملة تآكلت من حياة الناس وقدرتهم الشرائية التي وصلت إلى الحضيض، والحبل على الجرار طالما طباعة النقد مستمرة والكتلة النقدية في ارتفاع وزيادة والسياسات على حالها مستمرة، ولا أحد يبحث بحثا حقيقيا في الداخل والخارج عن فتح كوة في جدار أزمة تعد بحسب البنك الدولي إحدى أخطر وأشد
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في العالم خلال 150 سنة الأخيرة؛ متجاوزة أزمة اليونان وبلغاريا وقبرص وغيرها، لكنها لم تهز ضمائر السياسيين النائمة وتتجاوز عيونهم الصلفة.
وبين هذا وذاك سيبقى حال المراوحة التي تقتل الوقت، والخشية من أن تقتل الناس أمنيا أو جوعا في بلاد الحديث فيها عن 82 في المائة من شعبها يصنف في خانة الفقراء و40 في المائة منهم في تصنيف الفقر المدقع، ولا حديث في البلد عن أمل، إنما عن سجالات مفتوحة لا تسمن ولا تغني من جوع.
سيبقى حال المراوحة التي تقتل الوقت، والخشية من أن تقتل الناس أمنيا أو جوعا في بلاد الحديث فيها عن 82 في المائة من شعبها يصنف في خانة الفقراء و40 في المائة منهم في تصنيف الفقر المدقع، ولا حديث في البلد عن أمل، إنما عن سجالات مفتوحة
فمنذ حديث فخامة الرئيس
ميشال عون الذي لوح باللا مركزية المالية والإدارية وما تبعها من ردود، وصولا إلى حديث رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل المطول والمفند والهجوم الكاسح على حركة أمل ورئيسها، ثم إلى الرد المضاد من الوزير علي حسن خليل؛ لم يكن
اللبنانيون والمتابعون أمام شيء جديد إلا مسلسل الفضائح والفظائع المرتكبة بحق هذا الشعب المسحوق والمنكفئ، والذي لا حول له ولا قوة إلا بنزع عباءة الطائفية والمذهبية في فرصة قادمة قد تجري وقد لا تجري؛ اسمها الانتخابات.
ولكن ما يستدعي الاهتمام في لعبة السجالات القاتلة كان السجال بين رئاسة الحكومة بشخص الرئيس ميقاتي، وحكما من خلفه رؤساء الحكومات السابقون وحزب الله بكل قيادته، على خلفية التصريحات عن المملكة العربية السعودية التي أطلقها أمين عام
حزب الله السيد حسن نصر الله في معرض خطابه في الذكرى السنوية لاغتيال القائد الإيراني الجنرال قاسم سليماني. لقد كان السجال حامي الوطيس ومدللا بعمق عن حقيقة الأزمة اللبنانية، ومؤكدا أكثر من أي وقت مضى أن الأزمة في لبنان وإن كانت بيد اللاعبين الصغار في الساحة اللبنانية؛ إنما الحقيقة تقول إن مساحتها الإقليم الملتهب الذي يرفع منسوب الأزمة أو يخفت صوتها.
لقد وجه أمين عام حزب الله كلاما قاسيا للسعودية وقادتها، ولكن في المقابل كان الرد الميقاتي مندفعا إلى أبعد الحدود مما حدا بمعظم نواب حزب الله إلى الرد بعنف على ميقاتي. وهنا يطرح السؤال الأكبر: كيف لرئيس الحكومة متابعة المسير والمضي بعمل الحكومة وإن بفعل ترطيب الأجواء مع الرئيس بري في الاتصال الذي جرى من بعبدا بعين التينة، ولكن واقع الأمر الراهن ابلغ وأعمق بكثير من أزمة سجالات وتصريحات؟
لا شيء سيعلو ويحلق فوق الصراخ من هذا وذاك ولكن على حساب الوطن، إلا سعر الدولار الذي سيبقى يحلق ضاربا كل يوم رقما قياسيا لقتل شعب أعزل من كل مقومات الصمود، فالموت على البطيء للأسف
إن الناظر في شكل العبارات المستخدمة والتي هي بالمناسبة من العيار الثقيل والتي انعكست في الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي؛ يرى أنه من المؤكد أن الحكومة ستبقى موجودة شكلا فقط، فالعجز حالها ولا قدرة لها على الاجتماع. فلربما القصة باتت أبعد من قضية المرفأ والمحقق العدلي طارق البيطار: فهل لأول مرة يطرح السؤال بجدية عن هوية لبنان ووجهة هذا البلد الحزين الذي يرى بأم العين أنه كالواقف متعبا مهدودا وله رجل في الشرق وأخرى في الغرب، فلا هو قادر على الهروب والنجاة لا شرقا ولا غربا، والخوف أنه عندما تقع البقرة تكثر الذباحين؟
فالمعادلة قائمة الآن على شد العصب بأي وسيلة (طائفيا/ مذهبيا/ عرقيا/ أي شيء)، وحتى موعد إجراء الانتخابات التي يراها البعض فيصلا لكتابة فصل جديد في أرشيف السياسة اللبنانية المنتهية الصلاحية إن حصلت. فلا شيء سيعلو ويحلق فوق الصراخ من هذا وذاك ولكن على حساب الوطن، إلا سعر الدولار الذي سيبقى يحلق ضاربا كل يوم رقما قياسيا لقتل شعب أعزل من كل مقومات الصمود، فالموت على البطيء للأسف.
وعليه تبقى الحكومة قانونيا قائمة بالشكل وحكومة تصريف أعمال بالمضمون، وإن اجتمعت استثنائيا لإقرار الموازنة العامة، تاليا ستسري عليها القاعدة "الحكومة تهتز ولا تقع" وذلك لرغبة أممية فرنسية..!! ولكن أليس الوضع الحكومي الحالي يشكل مصيبة بالمعنى السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي، أو ما نسميه انحدارا فعليا أو ربما انتحارا؟