خلال متابعتنا لشتّى الأحداث العربية والعالمية هذه الأيام لفت نظرَنا خبران نشرتهما بعض وسائل الإعلام العربية وتجاهلهما تماما إعلامُ دول التطبيع. الخبران قد يبدوان صغيرين ولكننا نراهما على جانب كبير من الأهمّية.
يتمثل الخبرُ الأول في إطلاق مصر سراح الناشط السياسي الفلسطيني رامي شعث، ابن القيادي المعروف نبيل شعث، بعد نحو 900 يوم في السجن، وجرى الإفراجُ عنه بعد إجباره على التخلّي عن جنسيته المصرية المكتَسبة بقوة القانون، لأنّ أمَّه مصرية، وقد صرّح الناشطُ الفلسطيني حينما وصل إلى فرنسا أنه اتُّهِم بالانتماء إلى “جماعة إرهابية” وهذا بسبب عضويته في حركة مقاطعة الاحتلال الصهيوني “بي دي أس” الناشطة في العديد من دول العالم!
أما الخبرُ الثاني فيتمثّل في استجابة العديد من الفنانين الأستراليين، لدعوة حركة مقاطعة الاحتلال “بي دي أس” العالمية، وسحبِ 20 عملا ثقافيا كان من المقرَّر أن يشاركوا بها في مهرجان دولي بالعاصمة الأسترالية سيدني بداية من 13 جانفي الجاري، وهذا احتجاجا على قيام سفارة الكيان الصهيوني بسيدني بتمويل عرض محلّي راقص للمشاركة في المهرجان، ووصف المنسحبون الكيانَ الصهيوني بـ”الدولة المستعمِرة المستوطِنة القمعية”، وقالوا إنهم انسحبوا دعما للقضية الفلسطينية وحقّ الفلسطينيين في “السيادة والتحرير”، وحسب المجلة العبرية “ذو تايمز أوف إزرائيل”، فقد قال الممثلُ الكوميدي المحلي توم بالارد: “أحبّ المهرجان ومشاركة النُّكت، لكن الوقوف ضدّ نظام الفصل العنصريّ أهمّ”، في حين غرّد المغني ماركوس ويل، على تويتر، قائلا إنّ السفارة الصهيونية “تتعاون مع المؤسسات الثقافية الغربية لتصوير (إسرائيل) دولةً ديمقراطية ليبرالية، في حين تفرض الاحتلالَ الوحشي والفصل العنصري من ناحية أخرى”.
هي مفارقة غريبة فعلا؛ ففي الوقت الذي تتصاعد فيه حركةُ مقاطعة الكيان الصهيوني الإجرامي في دول العالم، ونسمع كل يوم مشاهيرَ عالميين يدعون إلى مقاطعة نظام الفصل العنصري، تتّجه دولُ التطبيع إلى فكّ العزلة عن الاحتلال وتجريم حركة المقاطعة الدولية “بي دي أس” على أراضيها، واعتبارها “منظمة إرهابية”، وملاحقة كلّ المنتمين إليها.
قبل نحو شهر نظّم الكيانُ الصهيوني مسابقة ملكة جمال العالم، وأعلنت مرشّحة جنوب إفريقيا مقاطعتها لها احتجاجا على عنصرية هذا الكيان وجرائمه ضدّ الفلسطينيين وحرمانهم من أبسط حقوقهم، وحذت مرشحاتٌ دول أخرى حذوها وانسحبن بدورهنّ، لكن ملكة جمال المغرب أصرّت على المشاركة، وانبرى الذبابُ الالكتروني للمخزن يشيد بهذه “المشاركة التاريخية”؟!
العديدُ من دول العالم الآن تقاطع المنتجات الصهيونية القادمة من مستوطنات الضفة الغربية، باعتبارها منطقة محتلّة بموجب قرارٍ أممي معروف، لكنّ الإمارات العربية المتحدة سمحت منذ أشهر باستيراد خمور المستوطنات، ولم تكتفِ بذلك بل وقّعت مع الكيان اتفاقا لتنفيذ مشاريع اقتصادية مشترَكة بقيمة 11 مليار دولار، كما افتخر الاحتلال منذ أيام بأنّه يستورد الألومينيوم من البحرين، ويضاف إلى ما سبق أنّ الأردن وقّعت منذ سنوات اتفاقا مع الاحتلال لاستيراد الغاز الفلسطيني المسروق، وقد عجزت كل المظاهرات الشعبية الساخطة، عن إسقاط الاتفاق.
وفي ظلّ هذا الوضع العربي القاتم، يظهر كلّ يوم أحرارٌ في هذا العالم الواسع، ليتداعوا بصوت عال إلى مقاطعة الكيان الصهيوني عبر حركة “بي دي أس” التي تتوسّع يوميا في شتى أنحاء المعمورة وتقضّ مضاجع الصهاينة، ولا يتردّد هؤلاء الأحرار في تحدّي الاحتلال وفضح ممارساته القمعية والعنصرية بحقّ الفلسطينيين، من دون أن يخشوا اتّهامهم بـ”معاداة السامية” والتضييقَ عليهم بشتى الطرق؛ ومنذ أيام قليلة أقدمت نجمة أفلام “هاري بوتر” إيما واتسون، على نشر صورتها على “أنستغرام” يظهر فيها نشطاء مؤيدون للفلسطينيين مع عبارة “التضامن فِعل”.. في كل يوم يظهر من يجهر بالحقّ ويناصر المستضعَفين ويندّد بالعصابات الصهيونية وجرائمها، إلا الأنظمة العربية المهروِلة التي لم تكتفِ ببيع “قضيّتها المركزية الأولى” بأثمان بخسة، بل أصبحت ظهيرا للصهاينة، تتعاون معهم أمنيا واستخباريا وتتحالف معهم عسكريا وتوقّع اتفاقاتٍ للدفاع المشترَك معهم، وتجرّم دعمَ الفلسطينيين بأيّ شكل، وتسلّط ذبابها الالكتروني لشيْطَنتهم…
لك الله يا شعب الجبارين.
(الشروق الجزائرية)