"إخلاء.. هدد".. كابوس التهجير يصل أحياء عريقة في جدة (شاهد)

عجّلت السلطات السعودية خلال الأسابيع الماضية، في وتيرة أعمال هدم وإزالة أحياء واسعة في مدينة جدة، غرب المملكة، بحجة عشوائيتها، وضرورة تنظيمها.

 

ونشرت صفحات سعودية مشاهد من أعمال الإزالة التي بدأت في أحياء عريقة بالمدينة، يصل عمر بعضها إلى 50 سنة.

 

وبحسب الجداول المنشورة من قبل أمانة مدينة جدة، فإن أعمال الهدم والإزالة ستطال 37 حيّا على الأقل، بمساحة إجمالية تصل إلى 31.2 مليون متر مكعب.

 

وتضم هذه الأحياء مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين، باتوا الآن في طور البحث عن مأوى جديد لهم.

 

وباتت كلمة "إخلاء" التي يخطّها موظفو البلدية على المنازل في هذه الأحياء، ترندا في مواقع التواصل، ويقوم الأهالي بتوثيقها تعبيرا عن حزنهم لقرب مغادرة منازلهم.

 

البداية من خالد الفيصل 

 

مطلع العام 2007، عيّن الأمير خالد الفيصل أميرا لمنطقة مكة المكرمة التي تضم مدينة جدة، وأعلن بعد عدة أشهر البدء في مشروع يهدف إلى تنظيم جدّة، التي تعجّ بأكثر من 50 حي عشوائي.

 

وقسّمت أمانة مدينة جدة، الأحياء المستهدفة في هذا المشروع إلى 4 دوائر، تضم كل دائرة نحو 10 أحياء أو أكثر، إلا أن العمل بها كان بطيئا، وتوقف بشكل شبه تام عند العام 2014.

 

والمخطط المعمول به الآن يستند إلى ذات الدوائر التي رسمت قبل نحو 15 سنة، ومن المفترض أن تنتهي عمليات الهدم بشكل كامل في نيسان/ أبريل من العام المقبل.

 

وتقول صحف سعودية إن استكمال المشروع يأتي ضمن رؤية ولي العهد محمد بن سلمان للعام 2030.

 

ومن أبرز الأحياء العريقة التي يشملها الهدم بالكامل: "ذهبان، ثول، النزهة، مشرفة، الجامعة، الهنداوية، الفاو، المحاميد، الثغر، بني مالك، القرات، الثعالبة، الشرفية، الغزلة اليمنية، الكندرة، الروابي، الربوة". 

 

دوافع الهدم

 

بحسب السلطات السعودية، فإن هدم المناطق العشوائية يأتي نظرا لأنها بنيت بشكل غير منظم، ولا يوجد بها بنية تحتية جيدة، إضافة إلى أن الكثير من مبانيها غير مرخصة.

وتقول إن هذه المناطق تضم مستنقعات مائية كثيرة، تكون سببا في انتشار الأمراض والأوبئة.

 

وتضيف وسائل إعلام، أن هذه العشوائيات باتت مرتعا للعصابات الإجرامية، وتعج بالفقراء.

 

إلا أن العديد من أهالي هذه المناطق يؤكدون حصولهم على كافة التراخيص اللازمة، بالإضافة إلى أن بعض الأحياء منظمة بشكل جيد، وتضم مجمعات تجارية، وأبنية حديثة.

 

وعملت السلطات حاليا على هدم الأحياء بالكامل، فيما كان في السابق يتم هدم منازل أو مبان لتنظيم شوارع جديدة تمر في هذه الأحياء، بدلا من الإزالة الكلية لها.

 

اقرأ أيضا: مع تزايد دعوات ترحيلهم.. هذه قصة البرماويين في السعودية

 

وداع حزين

 

على نحو متسارع، بدأ سكان هذه الأحياء بتوثيق آخر لحظاتهم في المناطق التي نشأوا وترعرعوا بها، وباتت هاشتاغات "إزالة جدة" و"هدد جدة"، تتصدر قوائم البحث في "تويتر" و"تيك توك".

 

ودّع أهالي الهنداوية وغليل والسبيل وغيرها، بعضهم بعضا بالدموع، وخطّوا كتابات حزينة على جدران أحيائهم، وشارك في الوداع الحزين أئمة المساجد، إذ تشمل أعمال الهدم جميع المباني في هذه الأحياء.

 

يقول الأهالي إن هذه المناطق كانت تشهد ترابطا بين السكان بشكل كبير، وهي تضم بالإضافة إلى الوافدين من جنسيات مختلفة، مواطنين من قبائل معروفة، يعمل الكثير منهم في السلك العسكري.

 

ومما يثير حفيظة الأهالي، هو أن إشعارات الإخلاء تلزمهم بالمغادرة في غضون أيام قليلة فقط، لا يجدونها كافية لترتيب مقر سكن جديد لهم.

 

ضبابية بالتعويضات

 

بحسب عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض، عبد الله الجريوي، فإن مسألة التعويضات لأصحاب المنازل المشمولة بالإزالة، لا تزال ضبابية.

 

وقال الجريوي في حديث لـ"عربي21" إن التعويضات لا تزال في موضع الوعود غير الملموسة بعد، مضيفا أن هذه الوعود أيضا لا تشمل سوى من يملك صكوك ملكية.

ولفت إلى أنه في حال قيام الحكومة بالتعويض فعلا، فإن ذلك يستغرق وقتا طويلا بسبب بيروقراطية الحكومة، التي تلزم أصحاب الصكوك بتحويلها إلى صكوك إلكترونية، ومن ثم تشكيل لجان لدراستها، قبل البدء بالتعويضات.

وبحسب الجريوي، فإن الكثير من الحالات في مناطق سابقة، شهدت إجحافا بحق أصحاب الأراضي والمنازل، الذين تم تعويضهم بمبالغ زهيدة، لن تسعفهم في بناء أو شراء عقار في منطقة أخرى.

حديث الجريوي، أكدته حسابات تقول إنها تملك أراضي ومنازل في الأحياء المنوي هدمها في جدة، والذين بدأو بكشف معاناتهم في استئجار منازل بأحياء أخرى، شاكين من استغلال أصحاب العقار لظرفهم.

 

وحتى العام 2008، كان يوجد في جدة أكثر من 200 ألف منزل بدون صكوك ملكية، أي إن أصحابها لن يتم تعويضهم بأي مبلغ مالي من قبل الحكومة، وذلك بحسب تصريح لوكيل أمين الخدمات حينها بأمانة محافظة جدة، خالد عقيل.

 

حوادث مشابهة

 

برغم أن مشروع إزالة أحياء جدة هو الأكبر، إلا أن السلطات السعودية عملت خلال السنوات الماضية على مشاريع مشابهة.

 

ففي مطلع العام 2020، شرعت السلطات في تهجير أهالي منطقة الخربة التابعة لمدينة تبوك شمال غرب المملكة، لضمها إلى مشروع مدينة نيوم التي يريد ابن سلمان جعلها قبلة للسياحة والأعمال في المنطقة. 

 

وشهدت المنطقة حينها الحادثة الأبرز بمقتل عبد الرحيم الحويطي الذي رفض التوقيع على الحصول تعويضات مقابل إخلاء منزله، وقال الأهالي حينها إن مشروع نيوم غير مبرر لإزالة منازلهم التي لا تؤثر على سير الأعمال.

 

وقبل ذلك بنحو ثلاث سنوات، أزالت السلطات السعودية حي المسورة التاريخي في منطقة العوامية بمحافظة القطيف ذات الغالبية الشيعية.

 

وجاءت إزالة المسورة بعد سنوات من الاشتباكات والعمليات الأمنية مع مطلوبين للسلطات، لتقوم الحكومة بجرف الحي كاملا، وإعادة بنائه مجددا بشكل منظم.

 

وفي نيسان/ أبريل الماضي، هدمت السلطات منازل في منطقة تندحة بمحافظة خميس مشيط جنوب المملكة، وسط سخط من الأهالي الذين حاولوا التصدي للجرافات.

 

وقالت السلطات إن المنازل تم بناؤها بشكل مخالف، وهو ما دفع إلى إزالتها. 

 

وهدمت السلطات كذلك منازل في أحياء قديمة بمكة المكرمة، تسكنها جاليات أفريقية، وأخرى من بورما.

 

اقرأ أيضا: إندبندنت: مشروع "نيوم" يهدد باندثار قبيلة الحويطات