لم يتخلف الشارع عن الموعد. فقد اندلعت المظاهرات في أغلب مدن الغرب الليبي وبعض مدن الشرق، وهذا مفهوم بالنظر للتباين في وضعية ومواقف القوى السياسية والعسكرية علي الجانبين، فلا أحد يجرؤ علي مواجهة الآلاف في شوارع وميادين مدن طرابلس، بينما تفرض مليشيات حفتر العسكرية الأمنية حالة متقدمة من القمع في برقة، راكمتها بأعمال السجن والتعذيب والقتل لأي صوت معارض، حتى لو تمتع بالحصانة البرلمانية، ومن حالفه الحظ ربما نجا من السجن أو القتل بفعل العامل القبلي، ولكن تأثير هذا العامل يبقى محدودا، وغالبا يتم إجبار الضحية على الخروج علنا والاعتذار، والإعلان عن التأييد للمليشيات وقائدها.
لذلك فإن مبادرة الناس إلى الخروج والتظاهر مطالبين برفض التمديد، وإسقاط البرلمان ومجلس الدولة، في ظل أجواء القمع والقتل، إنما تؤكد أن الأوضاع لم تعد قابلة للاحتمال في مدن الشرق، ورغم أن المظاهرات خرجت في عدة مدن لم تكن بنغازي من بينها، إلا أنها كانت كافية للإعلان عن عودة الشارع لموقعه الفاعل في الحراك السياسي ضد الطبقة السياسية الفاسدة.
لا تملك القوى العسكرية والأمنية المساندة للبرلمان، والمسيطرة عليه في نفس الوقت سوى القمع لمواجهة المظاهرات، وهذا طبيعي ومألوف في كل بلد أو منطقة تقع تحت سيطرة عجوز حالم بالسلطة، من بقايا أجيال جنرالات الوهم والهزيمة في البلاد العربية، ولكن القمع وحده لا يكفي، بل ربما يزيد من تصاعد الاحتجاجات لتصبح الدماء بمثابة الوقود على نيران الغضب.
سيتحدد ذلك من حركة الميادين والشوارع، فإذا استسلم الناس لليأس وشعروا بالخذلان، وتراجع زخم المظاهرات، ولم تصرخ الميادين بأعلى صوت مطالبة بإنهاء مجلسي النواب والدولة، تكون النخبة السياسية قد نجحت في حرف الناس عن معركتها الحقيقية
على المستوى السياسي، يواصل أصحاب صفقة تقاسم السلطة ترتيباتهم لإخراج حكومة جديدة تزاحم الحكومة الحالية، وتؤكد العودة لحالة الانقسام، وبينما يظهر الارتباك في المواقف الدولية إزاء هذه التطورات، فإن انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها، سيدفع بالعوامل الداخلية إلى موقع التأثير الرئيسى في التطورات المقبلة، وقد زادت مواقف المستشارة الأممية من هذا الارتباك، بمسايرتها للقوى السياسية المتحفزة للسلطة، من دون انتباه للحراك المتصاعد في الشارع، رفضا للتغيير من دون إجراء الانتخابات، وهي التي انتقدت سابقا الطبقة السياسية، وطالبتهم بالتوقف عن لعبة الكراسي الموسيقية لتكريس بقائهم في السلطة، وتحديد موعد للانتخابات.
ماهو عنوان المرحلة المقبلة؟ الصراع بين حكومتين؟ أم بين الشعب ونخبة سياسية فاشلة وفاسدة لا تريد المغادرة؟
سيتحدد ذلك من حركة الميادين والشوارع، فإذا استسلم الناس لليأس وشعروا بالخذلان، وتراجع زخم المظاهرات، ولم تصرخ الميادين بأعلى صوت مطالبة بإنهاء مجلسي النواب والدولة، تكون النخبة السياسية قد نجحت في حرف الناس عن معركتها الحقيقية إلى نفس دوامة الصراعات السابقة، التي تنتهي عادة بتسوية مؤقتة. لذلك من المهم في هذه اللحظة أن تتشكل قيادة من مؤسسات مدنية وشخصيات بعيدة عن دائرة صراع السلطة، تدير الحراك وتنظمه. فالعمل السياسي إذا افتقد للتنظيم لا يعول عليه.
(موقع ذي ليبيا أوبزيرفر)