مقالات مختارة

الاجتياح الروسي لأوكرانيا في ضوء القانون الدولي

1300x600

يشهد العالم اجتياحاً روسياً لأوكرانيا مما أثار تساؤلات مهمة حول الأبعاد القانونية لهذه الحرب، وكان سمو الأمير قد أوضح للرئيس الأوكراني حرص دولة قطر على التمسك بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، والتزامها بسيادة الدول واستقلالها وسلامتها الإقليمية.


إن قواعد القانون الدولي تقوم على مبدأ رئيسي - من بين مبادئ أخرى - ألا وهو حظر استعمال القوة أو التهديد باستعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدول الأخرى، المبدأ الذي أقرته الدول في المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية لغرض حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويرقى هذا المبدأ إلى اعتباره قاعدة آمرة في القانون الدولي؛ فكل اتفاق بين الدول ينص على ما يخالفه يُعد اتفاقاً باطلاً بطلاناً مطلقاً، ولا يرد على هذا المبدأ إلا استثناءان يتمثلان في حق الدفاع عن النفس (بما في ذلك الدفاع المشترك)، وصلاحية مجلس الأمن في ترخيص استعمال القوة لغرض فرض السلم الدولي أو إعادته لنصابه بموجب المادة 42 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.


وإذ إن روسيا لم تلجأ إلى مجلس الأمن، كان مبررها القانوني لعملياتها العسكرية في أوكرانيا هو الحق في الدفاع عن النفس، ويشترط لادعاء هذا الحق بشكل استباقي في القانون الدولي أن يكون الخطر حقيقياً ووشيكاً على الدولة، وألا تتوافر وسائل سلمية بديلة لتسوية النزاع، وأن يكون استخدامه بشكل يتناسب مع حجم الضرر الواقع أو المتوقع.


بررت روسيا بأن انضمام أوكرانيا إلى تحالفات دولية كحلف الشمال الأطلسي وطلب الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي يضع سيادتها على مناطق كإقليم القرم في خطر وشيك، مع الإشارة إلى أن هذا الادعاء الروسي يخالف صراحةً مبدأ المساواة في السيادة بين الدول جميعها، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية للدول الأخرى، إضافة إلى عدم مشروعية ضم إقليم القرم، كما ادعت روسيا قيام السلطات الأوكرانية بجرائم دولية في إقليم دونباس، والتي تعترف فيه بدولتين انفصاليتين، وبأنها استجابة لدعوات تلك الدولتين بتدخلها العسكري ضد أوكرانيا (الدفاع المشترك عن النفس).


وفي حال ما اعتبرنا التدخل الروسي حرباً لا مشروعة، يُعرف القانون الدولي عدداً من صور الجزاء، من أمثلتها: الشجب والاستنكار، عدم الاعتراف، قطع العلاقات الدبلوماسية، العقوبات الاقتصادية وقطع المساعدات، الوقف أو الطرد من عضوية المنظمات الدولية، ومنها استخدام القوة بترخيص من مجلس الأمن كما كان لتحرير الكويت من الغزو العراقي وما تلاه من عقوبات. وكما هو معلوم، فإن المعضلة القانونية التي تحول دون خيار استخدام القوة بترخيص مجلس الأمن تكمن في أن روسيا من الدول الأعضاء الدائمين في المجلس التي تملك حق النقض (الفيتو) مما يحتم فشل أي مشروع قرار محتمل، ذلك بالرغم من أن المادة 27 من الميثاق تنص على امتناع الدول عن استخدام الفيتو في المسائل التي تكون لها فيها مصلحة، ليعطلها العرف الدولي بعد بذلك. ليُطرح التساؤل مجدداً: أما آن الأوان لإعادة تفعيل المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة كخطوة لإصلاح مجلس الأمن؟ لابد من الثناء هنا على السياسة الخارجية لدولة قطر في السعي لإصلاح منظومة العمل الدولية بما فيها مجلس الأمن، إذ نادى سمو الأمير في عديد المناسبات إلى تعديل آلية التصويت في مجلس الأمن، وترأست قطر والدنمارك جلستي المفاوضات غير الرسمية لإصلاح مجلس الأمن على أساس التعددية والتمثيل العادل للدول جميعها. وإذ كان مجلس الأمن عاجزاً عن اتخاذ القرارات، فإن دور المنظمات الإقليمية والمتخصصة يمكن أن يكون أكثر فاعلية في مثل هذه الحروب. وشهدنا أمثلة على ذلك في تجميد عضوية روسيا في عدد من تلك المنظمات كمجلس أوروبا ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما أن العدوان من الجرائم الدولية، بموجب لائحة المحكمة الجنائية الدولية، التي تستدعي المسؤولية الدولية على الأفراد بصفتهم الشخصية، وخضوعهم لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية كما حدث في محاكم نورمبرج وطوكيو. مما قد يرتب عليه مساءلة المسؤولين الروس عن جريمة العدوان في حال انتهاء صفتهم التمثيلية، كما يمكن تجميد أصولهم وأموالهم الشخصية في الدول بحسب أنظمتها الداخلية.


يبدو أن المجتمع الدولي يسير لاتخاذ مجموعة من العقوبات السياسية والاقتصادية على روسيا لمخالفتها مبدأ حظر استخدام القوة، إضافة إلى مبادئ القانون الدولي الأخرى كحل النزاعات بالطرق السلمية ومبدأ المساواة في السيادة، وكان اعتبار حظر استخدام القوة قاعدة آمرة في القانون الدولي لأن مخالفته تُهدد مصالح دول العالم بأسرها وأمنها وسلامتها واستقرار العلاقات فيما بينها، لا أوكرانيا أو أي دولاً بعينها فحسب.

 

(الشرق القطرية)