بعد قطيعة طويلة بين زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، ورئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، و"الفيتو" الذي وضعه الأول ضد مشاركة الثاني في أي حكومة مقبلة، فإنه جرى اتصال بين الطرفين في ظل حالة من الانسداد السياسي تشهدها البلاد.
وأعلن مكتب الصدر في بيان، الخميس، أن زعيم التيار أجرى اتصالات هاتفية مع كل من مسعود البارزاني ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، للتباحث حول بعض القضايا المهمة المتعلقة بالوضع العراقي الراهن.
التطور الجديد، أثار تساؤلات حول دوافع اتصال الصدر بالمالكي، وما إذا كان الأول قد رفع "الفيتو" عن الثاني للمشاركة بالحكومة، إضافة إلى مصير الإصلاح الذي طالما تحدث عنه زعيم التيار، واتهامه للمالكي بتأسيس الفساد في البلد وسقوط ثلث العراق بيد تنظيم الدولة عام 2014.
استشعار الخطر
وتعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، في حديث لـ"عربي21" إن "اتصال الصدر بالمالكي كان متوقعا خصوصا بعد قرار المحكمة الاتحادية المرتبطة بجلسة البرلمان المتعلقة برئيس الجمهورية، وهي العقبة الأهم لتسمية رئيس الحكومة الجديدة".
وأوضح البيدر أن "قرار المحكمة ألزم جميع الأطراف ضمنيا باللجوء إلى خيار التوافق، ودون ذلك لا يمكن لأي طرف فرض إرادته على الآخر"، لافتا إلى أن "المالكي كان عاملا رئيسا في تعطيل إرادة التيار الصدري، لذلك فإنه لا يمكن تجاوزه بسهولة وإبعاده عن المشهد".
واشترطت المحكمة الاتحادية، تحقق أغلبية الثلثين من عدد أعضاء البرلمان الكلي لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وبذلك يتحقق النصاب في الجلسة بحضور ثلثي مجموع عدد أعضاء البرلمان الكلي.
ورأى البيدر أن "عوامل عدة دفعت الصدر إلى الاتصال بالمالكي، أولها أن العالم بدا منشغلا بالأزمة الروسية الأوكرانية، ولم يعد يهتم كثيرا للعراق وحتى على المستوى الإقليمي.. الأمر الآخر وجود حالة من التذمر والسخط الشعبي على المنظومة السياسية في البلاد وتحميلها وزر كل ما يجري للعراق، وهذا الأمر قد يعيد الاحتجاجات، وإذا عادت فإنها ستكون بمثابة رصاصة الرحمة في جسد المنظومة السياسية".
وتابع: "لذلك، فقد استشعرت تلك المنظومة ولو بشكل متأخر خطورة حالة الانغلاق السياسي التي يشهدها البلد، ودفعت باتجاه حلحلة الوضع، وبالتالي فقد كان هذا الاتصال بمثابة إعادة الروح إلى المفاوضات التي توقفت بين جميع الأطراف وأصبحت أحادية الجانب".
ورأى البيدر أن "الخصومة بين الصدر والمالكي هي أقرب إلى الصراع الشخصي أكثر منها خصومة أيديولوجية وممنهجة، وهذا رفع من مكانتهما لدى جمهورهما".
وتوقع الخبير أن "يفرض الصدر توافقا مشروطا، وفي المقابل لا يمكن إقصاء المالكي، لأنه وصل إلى درجة من التصوف السياسي وأصبح أشبه بالمنظر الذي يطرح المبادرات والحلول، كونه يمتلك نفوذا شعبيا وسياسيا وبرلمانيا وحكوميا، لذلك فإنه قادر على إسقاط الحكومة التي قد تتشكل بعيدا عنه".
"حركة تكتيكية"
وفي السياق ذاته، قال المحلل والباحث السياسي، كاظم ياور لـ"عربي21" إن "اتصال الصدر بالمالكي، كان لافتا وعبّر عن تزايد مواجهة زعيم التيار الصدري للحرج والضغوط من الشارع العراقي في ظل تداعيات الأزمة الأوكرانية على المشهد الاقتصادي في العراق".
وأوضح ياور أن "غلاء أسعار المواد الغذائية في العراق عبر عنها الشارع في جنوب ووسط البلد بدعوات للخروج في مظاهرات واسعة تستهدف التيار الصدري، مع الإشارة إلى أن غالبية الطبقة الفقيرة هي الركيزة الرئيسية لجمهور التيار".
وأعرب عن اعتقاده بأن "مستشاري الصدر، ربما أشاروا عليه بالاستعجال في تشكيل الحكومة قبل أن تخرج الأمور السياسية عن مساراتها الدستورية، فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر والأمور في أزمة تلو الأخرى، ما دفع التيار لإعادة حساباته في ظل تعذر تشكيل حكومة من الحلفاء فقط، لا سيما بعد قرار المحكمة الاتحادية بضرورة توفر ثلثي البرلمان لانتخاب الرئيس".
وأردف بأنه "لا بد من التفكير بالتحالفات السياسية، وأن المالكي يعتبر أبرز ورقة سياسية داخل قوى الإطار التنسيقي كونه يمتلك الأغلبية، فأينما يميل ستذهب معه بقية مكونات الإطار".
ولفت ياور إلى أن "اتصال الصدر مع المالكي فيه دلالات على أن المشهد السياسي في حالة حرجة، وإذا لم يتدارك الجميع ويشكلوا الحكومة فسيدخلون في فراغات دستورية، ومن الممكن للمحكمة الاتحادية أن تصدر قرارات تصل إلى إلغاء البرلمان، ووضعه تحت وصايتها القانونية والدستورية".
وأشار إلى أن "الصدر لديه أغلبية في البرلمان، فلا يريد التفريط بها، وكذلك يريد أن يبقى ممسكا بزمام الأمور، مقابل التنازل عن أشياء للإطار التنسيقي ليست مؤثرة ولا تتعلق بقرارات الحكومة، وبذلك يحصل على رئاسة الحكومة، وقبلها حصل على نائب رئيس البرلمان، وبالتالي فإن التيار يجتاز بهذه الحركة التكتيكية أزمة تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب".
وتابع: "أما بخصوص ملفات الفساد ووعود الصدر بمحاسبة الفاسدين، فإن جميع القوى السياسية ومن مختلف المكونات كانت مشاركة في الحكومات السابقة، لذلك فإن الفساد ربما يكون موزعا بين الجميع".
وخلص الباحث إلى أن "الكتل السياسية بدا أنها أقرب إلى مصالحها وبرامجها الذاتية وليس الشعبية، وبذلك فهي تحاول لملمة أوضاعها من أجل البقاء في السلطة، رغم نقمة الشارع على جميع الفرقاء السياسيين بسبب الفساد والواقع الاقتصادي المتردي".
شخصية صدرية
ولم يكشف بيان مكتب الصدر عن تفاصيل ما دار مع المالكي، لكن تسريبات نشرتها مواقع محلية تفيد بأن الاتصال استمر لمدة 20 دقيقة، طرح خلاله الصدر اسم ابن عمه جعفر الصدر، سفير العراق الحالي لدى المملكة المتحدة لرئاسة الحكومة المقبلة.
وهنا يرى المحلل السياسي علي البيدر، أن "التيار الصدري لا يمكن أن يجازف لاختيار شخصية صدرية لرئاسة الوزراء كون المرشح محسوبا على الصدر ومن عائلته، كما أن حجم الاخفاق داخل العراق كبير ولا يمكن معالجته سريعا، وسيحسب أي فشل وخطأ على التيار الصدري الذي استطاع الحصول على أغلبية برلمانية، بالتالي فإن الصدر وحده سيتحمل وزر الفشل المستقبلي، وهو ما يجعل من فكرة ترشيح شخصية أخرى بعيدة عن التيار أمرا مرجحا على غرار رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي".
إنتهى إجتماع الاطار الى الترحيب بمبادرة السيد مقتدى الصدر وتأكيد عدم ممانعتة لترشيح السيد جعفر الصدر لرئاسة الحكومة ، وبحث أيضًا القاعدة التي يجب ان تُعتمَد للترشيح .
- التوافق أم الاتفاق بين التيار والاطار !
- هما كتلة واحدة ام كتلتين !
فلكل خِيارٍ مسَار .
ولكل مسَارٍٍ منَار .
وعلى الوتيرة ذاتها، كشف السياسي العراقي، المقرب من قوى الإطار التنسيقي، عزت الشابندر، في تغريدة على "تويتر" الجمعة، عن أنه "انتهى اجتماع الإطار إلى الترحيب بمبادرة الصدر وتأكيد عدم ممانعته لترشيح جعفر الصدر لرئاسة الحكومة".
وأضاف الشابندر، أن "الإطار التنسيقي بحث أيضا القاعدة التي يجب أن تُعتمَد للترشيح. التوافق أم الاتفاق بين التيار والإطار؟ هما كتلة واحدة أم كتلتان؟! فلكل خياره ومساره".
من جهته، قال النائب في البرلمان العراقي، مشعان الجبوري، على "تويتر" الجمعة، إنه "بعد اتصال السيد مقتدى الصدر بالسيد نوري المالكي وما تسرب عن اجتماع قادة الإطار التنسيقي، فقد أصبح من شبه المؤكد أن السيد جعفر الصدر سفير العراق في لندن هو رئيس الوزراء القادم".
بعد اتصال السيد مقتدى الصدر بالسيد نوري المالكي وما تسرب عن اجتماع قادة الاطار التنسيقي
اصبح من شبه المؤكد ان السيد جعفر الصدر سفير العراق في لندن هو رئيس الوزراء القادم
أطاحت بفاسدين.. ماذا وراء إلغاء لجنة مكافحة الفساد بالعراق؟
بعد سداد ديون الكويت.. هل يحق لإيران تعويضات من العراق؟
أزمة "سعر الصرف" تكشف هيمنة أحزاب على بنوك العراق