بورتريه

الجامعة العربية.. 76 عاما من "الوحدة" على وقع الانقسام (بورتريه)

منتقدو الجامعة يرونها مثل "مومياء"- عربي21

حملت بذور الشك منذ اللحظة الأولى للحديث حول مستقبل الوطن العربي في ظل الحرب العالمية الثانية، فقد ولدت فكرة تأسيسها للمرة الأولى عبر بوابة الخارجية البريطانية. 

لندن، التي كانت مربط خيل العرب وقتها، دفعت باتجاه إتمام الأمر لتجنب حدوث اضطرابات داخل المستعمرات البريطانية والفرنسية في المنطقة، تحت الضغط الشديد من المعسكرين الألماني والإيطالي على بلادهما. 

منذ أن أنشئت وحتى اليوم، وهي عرضة للنقد في ظل التوترات والحروب والانقسامات التي شهدها العالم العربي، ويحملها البعض مسؤوليات أكبر بكثير مما ينص عليه ميثاقها الذي مضى عليه 76 عاما. 

صلاحيات غير مؤثرة وهزيلة، فيما ألقت المسؤولية بالكامل على عاتق الدول الأعضاء وحدها باعتبارها صاحبة القرار السيادي الذي لا يجوز التدخل به ولا تستطيع الجامعة إلزامها بالخضوع لقراراتها. 

الشرارة الأولى لتأسيسها، أو الطلقة الأولى، جاءت عبر خطاب وزير خارجية بريطانيا أنتوني إيدن عام 1941 التي ستوقد وتنضج فيما بعد فكرة البحث عن شكل من أشكال الوحدة بين الدول العربية بهدف تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية والسياسية بين العرب. 

ثم وبعدها بعامين عاد إيدن وصرح أمام مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين "العطف" إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم. 

والتقط النظام الرسمي العربي الفكرة، إذ بعد عام تقريبا من خطاب إيدن الأول، دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس للتباحث في القاهرة حول فكرة إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية.

 

اقرأ أيضا: اجتماع طارئ للجامعة العربية "حول أوكرانيا".. ناشطون يسخرون

وكان الرأي العام العربي قد تهيأ لقيام وحدة عربية بعد ضغط من الأحزاب والصحف في هذا الاتجاه، فعاد النحاس بعد نحو شهر من تصريح إيدن الثاني، وأكد استعداد الحكومة المصرية لاستطلاع آراء الحكومات العربية في موضوع الوحدة، وهي الفكرة التي أثنى عليها أمير شرقي الأردن في حينه الأمير عبد الله (الملك عبد الله فيما بعد).  

وإثر ذلك بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر وممثلي كل من العراق وسوريا ولبنان والسعودية والأردن واليمن، وهي المشاورات التي أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسيين بخصوص موضوع الوحدة، الاتجاه الأول يدعو إلى ما يمكن وصفه بالوحدة الإقليمية الفرعية أو الجهوية وقوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب. والاتجاه الثاني يدعو إلى نوع أعم وأشمل من الوحدة يشمل عموم الدول العربية المستقلة. 

وعندما اجتمعت اللجنة التحضيرية في عام 1944 رجحت الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها.  

واقترح أولا أن يسمى هذا المشروع الجديد "التحالف العربي"، أو "الاتحاد العربي"، إلا أن البعض اقترح اسم "الجامعة العربية" ثم نقح الاسم ليصير "جامعة الدول العربية".  

وتعتبر جامعة الدول العربية أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أسست رسميا في 22 آذار/ مارس من عام 1945 أي قبل منظمة الأمم المتحدة بشهور، وتألفت في أول وقتها من سبع دول عربية كانت تتمتع بالاستقلال السياسي وقتذاك، هي: مصر، سوريا، السعودية، شرقي الأردن، لبنان، العراق، اليمن.  

وركز ميثاق الجامعة بالنص على أن تحترم كل دولة من الدول المشتركة فيها نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقا من حقوق تلك الدول، وتتعهد بألا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها، والعمل على تحرير البلاد العربية غير المستقلة. 

ومنذ تأسيسها وإنشاء مقرها في القاهرة، جرى العرف على أن تشغل منصب الأمين العام للجامعة شخصية دبلوماسية مصرية باستثناء الفترة من 1979 حتى 1990 التي تولى خلالها التونسي الشاذلي القليبي المنصب. 

وكان مقر الجامعة العربية نقل بشكل مؤقت في تلك الفترة إلى تونس بعد تعليق عضوية مصر في الجامعة إثر خروجها على الإجماع العربي وتوقيعها "معاهدة كامب ديفيد" مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1979.

 

وتغطي دول الجامعة العربية حوالي 14 مليون كم مربع، وتضم كتلة سكانية تقارب 450 مليون نسمة، تتوزع على 22 دولة الأعضاء في الجامعة


وبالنسبة لفلسطين فقد أصدر مجلس الجامعة قرارا عام 1952 اعتبر المندوب الفلسطيني مندوبا عن فلسطين وليس مندوبا عن عرب فلسطين كما كان الحال من قبل. 

واستمر هذا الأمر حتى عام 1964 حين اعترف مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد بالقاهرة بمنظمة التحرير الفلسطينية التي أنشئت عام 1963 ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، واعتبر المجلس رئيس المنظمة ممثلا لفلسطين لدى الجامعة.

وفي مؤتمر الدار البيضاء الذي انعقد بعد حرب عام 1973، اعترف القادة العرب المجتمعون في المغرب بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.  

وتغطي دول الجامعة العربية حوالي 14 مليون كم مربع، وتضم كتلة سكانية تقارب 450 مليون نسمة، تتوزع على 22 دولة الأعضاء في الجامعة. 

وتواجه الجامعة الكثير من الانتقادات بسبب قلة إنجازاتها الفعلية، ولا توجد لها أية شعبية تذكر لدى معظم الشعوب العربية بسبب فشلها في حل الكثير من القضايا العربية ولعل أبرزها قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. 

ولا تملك الجامعة العربية باعتبارها منظمة شبيهة بالأمم المتحدة أي قوة عسكرية، لكن في قمة 2007، قرر القادة إعادة تنشيط معاهدة الدفاع المشترك وإنشاء قوة لحفظ السلام للانتشار في جنوب لبنان ودارفور والعراق ومناطق التوتر.

 

منتقدو الجامعة يرونها مثل "مومياء" أو "جثة محنطة" فهي لم تنجح في وقف أي حرب بين الدول الأعضاء ولا أي حرب أهلية داخل أي بلد عربي 



وفي القمة التي عقدت في القاهرة عام 2015، اتفقت الدول الأعضاء من حيث المبدأ على تشكيل قوة عسكرية مشتركة. 

وعقد القادة العرب نحو 38 قمة عادية و11 قمة طارئة حتى اليوم. 

وتعود آخر قمة سنوية عقدتها جامعة الدول العربية على مستوى القادة إلى عام 2019 في تونس، فيما تم إلغاء نسختي 2020 و2021 بسبب وباء "كوفيد19". 

ثم أجلت قمة الجزائر التي كانت مقررة في 22 آذار/مارس الحالي، وهو تأجيل أعلن للعام الثالث على التوالي لدواع صحية تتعلق بجائحة فيروس كورونا، بحسب بيان رسمي صادر عن الجامعة. 

لكن في ظل الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، وتباين المواقف العربية حول أبرز القضايا الرئيسية مثل الحرب في اليمن وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، والقضية الفلسطينية والتطبيع مع الاحتلال، وأزمة ليبيا، يشكك مراقبون أن تكون الجائحة وراء الإرجاء للقمة، مشيرين إلى انعقاد أغلب القمم والاجتماعات الدولية في الفترة الأخيرة عبر الفيديو وليس الحضور الشخصي للزعماء وقادة الدول والمنظمات. 

منتقدو الجامعة يرونها مثل "مومياء" أو "جثة محنطة" فهي لم تنجح في وقف أي حرب بين الدول الأعضاء ولا أي حرب أهلية داخل أي بلد عربي. كما أنها لم تنجح في إقامة أي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي بين الدول العربية. 

 

اقرأ أيضا: كاتب سعودي يطالب بإنهاء احتكار مصر لأمانة الجامعة العربية

ويقول خبراء إن التفكك داخل العديد من البلدان العربية جعل من أي جهد عربي مشترك مجرد أوهام غير واقعية ووحدة افتراضية فقط. كما أن تدخل أطراف غير عربية في الملفات الداخلية العربية زاد من حالة الانقسام والاستقطاب في البيت العربي. 

وتحتاج الدول الأعضاء في الجامعة إلى امتلاك الإرادة السياسية لتغيير الميثاق وإعادة صوغ المنظمة بطريقة جذرية وعميقة. وما لم يحدث ذلك، ستواصل جامعة الدول العربية التركيز في الغالب على إصدار البيانات بدلا من حل المشاكل الحقيقية. بحسب الكاتب والمحلل اللبناني حازم صاغية. 

وفي الآونة الأخيرة أصبحت اجتماعات الجامعة العربية تأتي بناء على توجهات سياسية من الحكومات العربية، مما اعتبره محللون دخول "المال السياسي" إلى أروقة الجامعة من أجل صياغة البيانات بناء على مزاج بعض العواصم العربية. 

مشهد الولادة الأول المربك الذي وافق مصالح الإمبراطورية البريطانية التي أفل نجمها وتقلصت مساحة نفوذها، لا يزال يلقي بظلاله على الجامعة التي تحولت إلى أرشيف ضخم لبيانات التغني بالوحدة العربية وبفلسطين وبالتضامن العربي، وكم غير مسبوق من قرارات الإدانة والشجب. 

بقاء الجامعة كمؤسسة صامدة كل هذه السنوات، رغم التقلبات العديدة التي شهدها الوطن العربي، ربما يكون لصالحها، لكنه لا يكفي لإنهاء حرب سياسية أو عسكرية صغيرة بين العرب أنفسهم.