قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن التونسيين أصبحوا يشككون بمزاعم الإصلاح التي أطلقها رئيس البلاد قيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو الماضي، بعد أن أصيبوا بخيبة أمل بسبب الوعود التي لم تتحقق.
وأطلق الرئيس قيس سعيد، الذي يمتلك سلطة شبه مطلقة، استشارة إلكترونية قال إنها ستؤدي إلى دستور جديد وانتخابات، لكن هذه العملية وقع تجاهلها من قبل الكثيرين.
واكتسب الرئيس التونسي قيس سعيّد سلطة شبه مطلقة خلال الأشهر الثمانية الماضية حيث عزل البرلمان، واعتقل المعارضين، وحكم بمرسوم رئاسي أصدره باسم الشعب التونسي.
وفي مهمة نصبها بنفسه لإنقاذ التونسيين العاديين من نظامهم السياسي الفاسد والاقتصاد المنهك، دعا سعيّد الشعب للمشاركة في الاستشارة الوطنية هذا الشتاء يساعدون فيها في صياغة دستور جديد.
لكن حوالي نصف مليون تونسي فقط، من بين ما يقرب من 12 مليون نسمة، شاركوا في الاستشارة عبر الإنترنت التي استمرت شهرين بحلول موعد انتهائها مساء الأحد، وفقا لإحصاءات حكومية.
قد يكون ضعف الإقبال قد انعكس على مشاكل تقنية حالت دون وصول المواطنين إلى منصة الاستشارة إذ يفتقر الكثير من السكان إلى الإتصال بالإنترنت، لا سيما في المناطق الريفية. لكن التونسيين والمحللين قالوا إن الكثير من الناس فقدوا الاهتمام بإصلاحات سعيّد لأن وعوده، التي قوبلت بالترحيب بعد استيلائه على السلطة في 25 تموز/ يوليو الماضي، لم تتحقق.
وانتقل الاقتصاد من الركود إلى الأسوأ، مع ندرة فرص العمل للشباب وتأخر الدولة في دفع رواتب الموظفين العموميين. كانت أسعار المواد الأساسية مثل الدقيق والسكر والنفط ترتفع بالفعل قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار أكثر لأن البلدين يوفران الكثير من القمح والأسمدة في العالم.
وتتفاوض حكومة سعيّد على خطة إنقاذ تمس الحاجة إليها من صندوق النقد الدولي، لكن أي صفقة تتوقف على موافقة تونس على خفض الدعم والأجور وهي شروط، إلى جانب كونها غير مستساغة سياسيا، ستسبب المزيد من الألم لعامة التونسيين.
تحرك سعيّد، أستاذ القانون الدستوري السابق الذي انتخب بأغلبية ساحقة في عام 2019، بجرأة لزعزعة السياسة التونسية منذ أن علق البرلمان وتولى السلطة فيما وصفه النقاد بانقلاب الصيف الماضي. وحكم الرئيس بمرسوم منذ الخريف، واعتقل المعارضين السياسيين، وفرض قيودا على بعض وسائل الإعلام أو أغلقها، وفي وقت سابق من هذا العام، أقال أعلى هيئة قضائية في البلاد واستبدلها بأشخاص تم اختيارهم بعناية، مما أثار اتهامات بأنه تهميش آخر لفرع مستقل للحكومة التونسية.
كما علق معظم دستور 2014، العمود الفقري للديمقراطية الوليدة في تونس، المنجز الوحيد لثورة 2011.
وفقا لخارطة الطريق التي وضعها سعيّد نهاية العام الماضي تحت ضغط من الحكومات الغربية والمانحين الدوليين، كان عليه أن يرعى حوارا وطنيا من شأنه أن يؤدي إلى إعادة صياغة الدستور، يليه استفتاء عليه هذا الصيف وانتخابات برلمانية بحلول نهاية العام.
كان الدبلوماسيون والمانحون والنخبة السياسية في تونس يأملون في أن يشمل الحوار أحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدني، على غرار عام 2013، عندما ساعدت النقابات القوية في البلاد في التوسط لحل أزمة سياسية سابقة، والفوز بجائزة نوبل للسلام بعد هذه العملية.
ولكن تبين أن نسخة سعيّد تتكون من استطلاع عبر الإنترنت يطرح أسئلة على المواطنين حول السياسة والاقتصاد والتعليم والشؤون الاجتماعية ومواضيع أخرى.
في النهاية، أظهرت الإحصائيات الحكومية أنه من بين العدد الصغير من الذين شاركوا، كان أكثر من ضعف عدد الرجال مقارنة بالنساء، وكانت الغالبية العظمى منهم أكثر من 30 عاما في بلد يشكل فيه الأشخاص من 15 إلى 29 عاما ثلث السكان ويعانون من البطالة.
وبموجب خارطة الطريق التي وضعها رئيس البلاد، ستعمل الآن لجنة من الخبراء اختارها سعيّد على صياغة تعديلات على الدستور. على الرغم من أنه لم يكشف عن خططه بعد، فقد دفع الرئيس في الماضي بقوة من أجل نظام سياسي جديد تكون فيه معظم السلطة مع المجالس المحلية على مستوى الأحياء، باستثناء رئيس قوي.
وقال سعيّد في كلمة بثها التلفزيون الرسمي الاثنين: "بعد الاستفتاء سيشارك الجميع في التعبير عن آرائهم ومقترحاتهم للنظام السياسي الجديد".
اقرأ أيضا: "رايتس ووتش": سعيّد فكك التلفزيون كونه أداة رقابة على حكمه
وبدأ الرئيس التونسي قيس سعيّد سلسلة من التدابير الاستثنائية منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، حيث أعلن تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل الحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان.
وفي 22 أيلول/ سبتمبر، قرر سعيّد تعليق العمل بأغلب فصول الدستور، فضلا عن مواصلة تعليق أعمال البرلمان، وإلغاء الامتيازات الخاصة بأعضائه، وتعطيل عمل بعض الهيئات الدستورية.
وتعمقت الأزمة السياسية بتونس بعد إعلان الرئيس، في 13 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن تنظيم انتخابات تشريعية وفق قانون انتخابي جديد يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وعرض مشاريع تعديلات دستورية لصياغة دستور جديد على الاستفتاء في تموز/ يوليو القادم.
وفي 10 شباط/ فبراير الماضي، أعلن سعيّد حل مجلس القضاء وتعويضه بآخر مؤقت، وأصدر مرسوما رئاسيا يسمح للرئيس بتعيين وعزل وترقية ومعاقبة القضاة، في خطوة أثارت ردود فعل غاضبة داخليا وخارجيا.
الغارديان: هلع بالشرق الأوسط من نفاد القمح نتيجة الحرب