مرت خلال الأيام الماضية، الذكرى الثالثة لسقوط الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والذي عُزل من قبل المجلس العسكري في 11 نيسان/أبريل 2019، بعد مظاهرات غير مسبوقة شهدتها البلاد.
وبعد مرور ثلاث سنوات على إسقاط البشير، لم يخرج السودان من أزمته، إذ تفاقم الخلاف الشعبي مع السلطة الحالية الحاكمة، ممثلة بالمجلس السيادي الذي يتزعمه قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، لا سيما بعد عزله رئيس الحكومة عبد الله حمدوك في 25 تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
وعلى الرغم من الإفراج عن حمدوك وإعادته لمنصبه بعد وضعه قيد الإقامة الجبرية لأسابيع، إلا أن الأخير قدم استقالته طوعا، وسط غليان شعبي كبير.
"تغيير نحو الأسوأ"
يدفع استمرار حراك الشارع السوداني بتساؤلات حول مسبباته، وما إذا كان حدث تغيير حقيقي، على المستويات السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، بعد سقوط نظام البشير.
اعتبر كاميرون هدسون، الدبلوماسي والمبعوث الأمريكي السابق للسودان، بأنه "لم يحدث تغيير حقيقي في السودان ما بعد البشير، بل على العكس الذي تغير هو أن الوضع العام يبدو أسوأ مما كان عليه في عهد النظام السابق".
وأوضح هدسون خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الاقتصاد أصبح أسوأ، كذلك عملية الإصلاح السياسي معلقة بل حتى يتم عكسها عادة من عناصر من النظام السابق".
وأضاف: "لكن الأمر المختلف هذه الأيام عما كان عليه أيام البشير، أن الناس لم يعودوا يرغبون في العيش في ظل الطغيان، وهم يطالبون بما هو أفضل ولا يبدو أنهم مستعدون للتخلي عن هذه المطالب حتى يحصلوا عليها، وهذا الأمل بالتغيير والوصول لحياة أفضل هو وقود الثورة، ولم أر مثل هذا النوع من الأمل في عهد البشير ولا أعتقد أنه يمكن سلبه".
محاولات فاشلة لاتفاق نخبوي
من جهتها أكدت، خلود خير، الشريك الإداري في مركز "إنسايت ستراتيجي بارتنرز"، أنه "لم يتغير شيء يذكر، ونعم كانت هناك فترة تم فيها إجراء بعض التغييرات على هياكل الدولة مثل الوزارات وما إلى ذلك، لكن هذه التغييرات كانت في الغالب من حيث التوظيف فقط، مع إزالة الموالين للبشير، وقد عاد هؤلاء الآن بعد الانقلاب، لأن استراتيجية التدعيم التي اتبعها الجنرال برهان بعد الانقلاب تتطلب جمهورًا مدنيًا كقاعدة انتخابية وموالية له".
وتابعت خير خلال حديثها لـ"عربي21": "دعت الثورة إلى ثلاثة أمور، الحرية والسلام والعدالة ولم يتحقق شيء منها، وبينما كان هناك بصيص أمل في إمكانية بذل جهود لتحقيق مثل هذه الأهداف الكبرى في بعض أوقات الفترة الانتقالية، لكن الحيلة المؤسفة الواضحة بشكل متزايد من قبل الإسلاميين والجنرالات للتضحية بالبشير في عام 2019 للقتال في يوم آخر، تعني أنه كان من غير المرجح تحقيق تقدم كبير في القضايا في ظل حكومة تقاسم السلطة، حيث لا تزال حالة الطوارئ مستمرة حاليًا، وتتواصل عمليات الاعتقال والقمع، ولا تزال أهداف الثورة بعيدة المنال".
وأشارت إلى أن "نظام البشير عاد إلى السلطة بفضل انقلاب 25 تشرين أول/أكتوبر 2021، ولذلك تدرك حركة الشارع من خلال لجان مقاومة الأحياء أن النظام لا يزال في السلطة وأنه مستمر في المقاومة".
وأوضحت خير لـ"عربي21"، أن "الإسلاميين قدموا للبرهان تلك القاعدة، لأن الانقلاب سمح لهم باستعادة مناصبهم وأصولهم، وفي بعض الحالات مثل حالة الرئيس السابق لحزب البشير إبراهيم غندور، الذي أخذ حريته عبر إطلاق سراحه من السجن".
وأضافت: "لكن يعلم الإسلاميون جيدا أنهم لا يستطيعون الحكم بمفردهم، لأن الدول العربية التي تدعم النظام الحالي لديها حساسية من فكرة عودة الإخوان المسلمين إلى السلطة في الخرطوم، وليس لديهم سوى القليل من الجاذبية محليًا".
وأشارت إلى أن "العسكر نتيجة لهذه الأسباب يتفاوضون على اتفاق نخبوي مع الجماعات والأحزاب السياسية الأخرى، مثل حزب الأمة، والحزب الوحدوي - كلاهما من الفصائل الإسلامية الطائفية - والمتمردين السابقين، الذين لم يتم تسريحهم ونزع سلاحهم بعد".
وأردفت خير: "تمثل هذه المجموعة من العناصر المسلحة والجماعات التقليدية اندماجًا غريبًا للقوى من غير المرجح أن تحصل على دعم واسع شعبيا ولا تصل في الواقع لإعادة التمويل الدولي، ومن الواضح جدًا في الطريقة التي يتم بها إبرام الصفقة - دون أي تدخل من الجماعات المؤيدة للديمقراطية حقًا، أن التغييرات التحولية المطلوبة أو حتى الإصلاح نحو الديمقراطية المدنية ليست أولوية".
اقرأ أيضا: سودانيون يتحدون حظر التجمع ويتظاهرون بذكرى الإطاحة بالبشير
أوضاع اقتصادية متردية
عانى السودان من أوضاع اقتصادية مدمرة بعد سقوط البشير، إذ هبط الجنيه السوداني ليصل إلى 450 مقابل الدولار الأمريكي الواحد، بعدما كان يعادل 72 جنيها أمام الدولار في عهد البشير.
ومع استمرار الوضع المعيشي السيء، والنقص الحاد وحتى في زمن البشير كان يعتبر سعر الجنيه منخفضا مما كان له الأثر السيء على أوضاع الناس المعيشية، كذلك كان يعاني الشعب السوداني من نقص في المواد الأساسية.
ما يدفع للتساؤل هل سيساهم الوضع الاقتصادي السيء في زيادة التظاهرات الشعبية، وهل ستحقق هذه المظاهرات مرادها؟
أكد المحلل السياسي ومدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، أمية يوسف أبو فداية، أنه "منذ سقوط البشير حصل تراجع كبير جدا في الأوضاع الاقتصادية، حيث انكمش الاقتصاد السوداني كثيرا وارتفع التضخم بحيث أصبح السودان الأول على مستوى العالم في التضخم بمعدل بلغ 260 في المائة".
وتابع أبو فداية في حديث لـ"عربي21": "الوضع الاقتصادي والوضع المعيشي للمواطن السوداني في أسوأ حالاته، كذلك انخفضت قيمة الجنيه السوداني كثيرا، ومس سوء الأوضاع الاقتصادية حياة المواطن وظهر الأثر على التعليم والصحة والخدمات الأخرى".
وأضاف: "ثانيا لا زالت كل مؤسسات الانتقال الديمقراطي التي من المفترض أن تؤسس المرحلة الانتقالية لم تكتمل، مثلا المجلس التشريعي الذي اتفق أن يتم تعيينه بواسطة المدنيين والعسكريين لم يتم تشكيله رغم مرور ثلاث سنوات حتى الآن، كذلك لم تكتمل المؤسسات العدلية، فالمحكمة الدستورية غائبة منذ غياب البشير حيث تم حلها".
وأوضح أن "الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الأمني في أسوأ حالاته منذ استقلال السودان، وبالتالي سيستمر الشارع السوداني في التحرك، على الرغم من أن طرفي الحكم المدني والعسكري يعتمدان على الحل الأمني وعلى الزمن كجزء من الحل، على اعتبار أن التظاهرات بدأت تضعف، لكن بالمقابل المتظاهرون ينوعون في طرق تحركهم".
من جهته قال هدسون: "الشعب السوداني لم يكن يحتج للمطالبة بعزل البشير فقط، بل كانوا يطالبون بالحرية والسلام والعدالة، وإذا نظرت بموضوعية إلى الوضع في السودان اليوم، فسأقول إنه ليس لديهم أي من هذه الأشياء، ومن الواضح أن الثورة أطلقت سلسلة من الأحداث، لكننا لا نعرف حتى الآن ما ستكون النتيجة النهائية".
وأكد على أن "المتظاهرين في الشارع مستمرون بتحركهم لأنهم لم يحققوا شيئًا مما حاربوا وماتوا من أجله، وهم ليسوا أكثر حرية من ذي قبل أو أكثر ازدهارًا، كذلك الوعود بالانتخابات لا تعني شيئًا إذا كانت تحت سيطرة الجيش".
بدورها قالت خير: "يبدو أن حركة الشارع مستعدة لمواصلة التعبئة والتصرف بطرق سياسية أكثر، خاصة مع انحياز الأحزاب السياسية المخادعة إلى جانب الجنرالات، حيث سيسمح ذلك لكتلة ثورية جديدة بإيجاد أرضية مشتركة ومواصلة الثورة التي بدأت مع الانقلاب الذي تم في تشرين الأول/أكتوبر الماضي".
"كلام إنشائي"
أكد المحلل السياسي السوداني، محمود جحا، أن "التغيير نفسه الذي حدث بإسقاط البشير كان غير طبيعي أو سلس إنما تم عبر عملية قيصرية شاقة جدا، وبالتالي النتائج كانت غير طبيعية، ولذلك ما زال الشعب يبحث عن أفضل وسيلة لتحقيق الاستقرار عبر الديمقراطية والشورى والنمو الاقتصادي والرخاء".
وتابع جحا خلال حديثه لـ"عربي21": "حدث تدهور مريع في الأوضاع لدرجة أثر على حياة الناس، وذلك بسبب أن التغيير لم يتم بالوسائل الصحيحة فكل الوسائل المتبعة الآن من متاريس في الشوارع وحرق إطارات وإضرابات كلها غير مجدية ولن تحدث تغييرا وإن حدث تغيير فسيكون شكليا ولن يؤدي لنتائج".
وأوضح أنه "لم ولن يحدث تغيير كبير في مجال الحريات، فالدول الصغيرة في عالم اليوم لا فرصة لديها لإحداث تغيير كبير، بالتالي ليس بإمكان أي دولة أن تفعل شيئا ما لم تعمل ترتيبات قوية لتحقيق النتائج المرجوة".
واعتبر أن "الحديث عن التغيير والثورات وتحرك الشعوب في المنطقة العربية خلال آخر عقد كله كلام إنشائي، حيث لم يستطع تحرك الشعوب ترجمة نفسه على شكل مؤسسات وسياسات وبرامج أو تشكيل كيانات قائمة، بل ظل رهينا لشعارات حقبة الاتحاد السوفيتي".
هل تتجاوز سلطات الخرطوم وجوبا تحديات المعابر بين الجارتين؟