في تحذير شديد اللهجة، حذرت نقابة الأطباء في مصر، من مستقبل غامض بانتظار المستشفيات الحكومية بعد ما وصفته بالأرقام والإحصاءات المفزعة الخاصة باستقالة الأطباء من العمل الحكومي الذي أدى إلى وجود عجز حاد في عدد الأطباء.
وتحت عنوان "نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر"، كشفت النقابة في تقرير لها عن استقالة 11 ألفا و536 طبيبا من العمل بالقطاع الحكومي منذ 2019، مشيرة إلى أنها رصدت استقالة 934 طبيبا منذ بداية العام الجاري حتى 20 آذار/ مارس الماضي.
وحذرت النقابة من زيادة عدد الأطباء المستقيلين عاما تلو الآخر، ودعت الحكومة إلى ضرورة التدخل الجاد والعاجل، محذرة في الوقت نفسه من معاول الهدم الحكومية في جدار المنظومة الصحية من قبل المحليات والتعسف الإداري والمساءلات الجنائية.
ويبلغ المعدل العالمي للأطباء عبر العالم 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن، فيما تبلع النسبة في مصر 8.6 بالمئة من المعدل العالمي، بحسب دراسة صادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة في عام 2019.
"خارج الحسبان"
وعن أسباب فشل الحكومة المصرية في وقف نزيف الهجرة والاستقالات المستمرة، قال مقرر اللجنة القانونية بنقابة الأطباء سابقا، الدكتور أحمد شوشة، إن "تحسين بيئة عمل الأطباء والمنظومة الصحية ليس على قائمة أولويات الحكومات المصرية؛ لأنه لو كان غير ذلك لتغير نهجها منذ عقود بداية من الاهتمام بوضع الطبيب وإصلاح المنظومة الصحية".
وأضاف لـ"عربي21": "إهمال منظومة الصحة بشقيها البشري والمادي ليس وليد اللحظة، وإنما نهج في جميع الحكومات السابقة، فلا تحسن في المستوى المادي ولا في التدريب والتنمية المهنية، ولا حتى على صعيد بناء المشافي وتزويدها بالأجهزة المتطورة والإدارات الرشيدة؛ وبالتالي تتحمل الحكومات المتعاقبة المسؤولية مشتركة".
وتوقع شوشة أن "تتصاعد موجات الطيور المهاجرة والمستقيلة عاما تلو الآخر، فالطبيب لا يحصل على الحد الأدنى للعيش بكرامة، فهو يعيش على حدود الفقر، وبالتالي نجده يبحث عن الرزق هنا وهناك، جميع المصالح الحكومية في الأعياد تتعطل إلا الهيئات والمستشفيات وفي أوقات الحروب والأزمات والأوبئة هم في الصدارة أيضا؛ إذن فإن من واجب الدولة الاهتمام بالطبيب وبالتالي الاهتمام بالمواطن المصري والحفاظ على الصحة العامة".
استقالات بالجملة
في عام 2016 كان عدد المستقيلين من الأطباء 1044 طبيبا، و في عام 2017 زاد العدد إلى 2549 طبيبا، وفي عام 2018 واصل عدد المستقلين الارتفاع وبلغ 2612 طبيبا، وقفز هذا الرقم إلى 3507 أطباء في 2019، وتراجع العدد قليلا في 2020 بسبب أزمة جائحة كورونا إلى أما 2968 طبيبا، لكنه عاود الارتفاع مجددا بوتيرة أكبر في عام 2021 وبلغ 4127 طبيبا.
وبلغ عدد الأطباء المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018 بدون الأطباء على المعاش 212 ألفا و 835 طبيبا، في حين أن من كان كان يعمل فعليا بالجهات المختلفة التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية و الخاصة و جامعة الأزهر المستشفيات الشرطية 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها بمزاولة مهنة الطب.
تحسن نسبي
وبهدف كبح جماح هروب الأطباء، أصدرت الدراسة السابقة عدة توصيات على رأسها تبني الدولة خطة لاسترجاع الأطباء للعمل بالقطاع الحكومي، من خلال رفع المستوى التدريبي الذي يتم تقديمه للأطباء، وتأمين بيئة العمل المناسبة، ورفع المستوى المادي الإجتماعي للأطباء، وتستهدف عودة 60 ألف طبيب خلال السنوات الخمسة القادمة للعمل بالقطاع الصحي الحكومي.
وأوصت الدراسة بضرورة العمل على زيادة عدد الطلاب الذين يتم قبولهم بكليات الطب البشري بالجامعات الحكومية و الخاصة عن 10 آلاف طالب سنويا، والتوسع في إنشاء كليات بشري جديدة حكومية أو خاصة أو أهلية بما لا يخل بمعايير الالتحاق أو التدريب الطبي فيها.
ورغم صدور القانون 184 لسنة 2020 بإضافة بعض المزايا المالية لأعضاء المهن الطبية، لكن بعد مرور ثلاث سنوات على إصدار الدراسة، كانت الاستجابة بعض محدودة بشكل؛ ولم تتحسن أوضاع الأطباء أو بيئة أعمالهم، بحسب تقرير نقابة الأطباء، بل إن الأرقام و الإحصاءات تؤكد أن الوضع ما زال سيئًا أو أسوء، وزاد عزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومي و تزايد سعيهم للهجرة خارج مصر.
أزمة تهدد الصحة بمصر
في توصيفه للأزمة، قال وكيل وزارة الصحة سابقا، الدكتور مصطفى جاويش، إن "مشكلة مصر ليست في نقص الأطباء، وأفضل من النسب العالمية لعدد السكان، ولكن المشكلة الحقيقية هي أن 60 بالمئة من الأطباء هربوا الى الخارج لعدة أسباب من بينها فساد بيئة العمل: وتشمل سوء حالة المباني ونقص التجهيزات والآلات والأدوات والأدوية والمستلزمات وفساد بروتكولات العمل من طول ساعات العمل ومنع الإجازات ونقص التدريب وغياب فرص التأهيل العلمي".
وأضاف لـ"عربي21": "ثانيا: الافتقاد إلى الأمن والأمان الوظيفي في العمل وكثرة الاعتداءات على الأطقم الطبية بصورة شبه يومية، ثالثا: تدني الأجور بصورة عامة لا تتناسب مع الوقت ولا مع المجهود المبذول مع وجود نوع من التمييز بين الأطباء بحسب الجهات التي يعملون بها سواء عسكرية أو مدنية، ويبقى الرقم الصادم وهو مبلغ تسعة عشر جنيها مصريا وهو بدل العدوى الثابت للطبيب بما يساوى أقل من دولار وربع شهريا".
اقرأ أيضا: عزوف كبير عن المشاركة بانتخابات "أطباء مصر".. ما رسالتهم؟
وبشأن انعكاس هروب الجيش الأبيض من المستشفيات الحكومية، أكد جاويش أن "أن المشكلة تنعكس على جودة وكفاءة وشمولية الخدمة الصحية المقدمة للمواطن المصري، بمعنى نقصها من ناحية الكم، ويعنى أيضا نقصها من ناحية الكيف بسبب الندرة الواضحة في عدد كبير من التخصصات الطبية الهامة مثل أطباء التخدير والرعاية الحرجة وطب الطوارئ".
وفاة غامضة لباحث مصري تعيد طرح الإخفاء القسري والتصفية
هل خالفت تسريبات "الاختيار3" القانون والدستور المصريَّين؟
صحيفة فرنسية: السيسي يتصرف كمتسول بشهية فرعونية