قدم الخبير الاقتصادي، مصطفى عبد السلام، مجموعة من الأفكار والمقترحات العاجلة للمساهمة في حل الأزمة المالية التي تعاني منها مصر حاليا، والحد من تداعياتها السلبية على المواطن المصري.
وقبل نحو أسبوعين، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا إن أوضاع الاقتصاد المصري في تدهور، وإن البلد بحاجة للاستقرار ماليا بجانب مواصلة الإصلاحات، وفقا لرويترز.
وأكدت غورغيفا، أن ظروف الاقتصاد المصري الآن تزداد سوءا، بسبب ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، لافتة إلى أن مصر تعتمد على واردات الغذاء من روسيا وأوكرانيا.
وشددت مديرة صندوق النقد على حاجة مصر إلى الاستقرار المالي والاستمرار في الإصلاحات، إلى جانب الحاجة لبرنامج تابع لصندوق النقد الدولي يحمي الفئات الضعيفة.
وأوضحت: "مصر كانت تلجأ إلى احتياطاتها من النقد الأجنبي من أجل حماية عملتها المحلية، لكن البلاد الآن تأخذ على محمل الجد الحاجة إلى تحقيق الاستقرار ماليا وكذلك الاستمرار في الإصلاحات".
اقرأ أيضا: كيف يؤثر رفع أسعار الفائدة بأمريكا على الاقتصاد المصري؟
ومن جانبه، أكد عبد السلام، أن الأزمة المالية التي تعاني منها مصر حاليا تضغط على المواطن والأسواق في صورة قفزات في أسعار السلع والخدمات بما فيها السلع الغذائية، وتضغط على العملة المحلية في شكل تراجع في قيمة الجنيه أمام الدولار، وعلى الموازنة العامة من حيث تحميلها عبء سداد قروض محلية وخارجية بقيمة 960.4 مليار جنيه في العام المالي المقبل 2022-2023، وهو مبلغ يقترب من إيرادات الضرائب في عام كامل، ويفوق مخصصات الأجور والرواتب وشراء السلع والخدمات والمخصصات الأخرى مجتمعة.
وفي آذار/ مارس الماضي، اتخذ البنك المركزي المصري سلسلة إجراءات قاسية تمثلت في خفض قيمة الجنيه أمام العملات الصعبة نحو 19 بالمئة ورفع سعر الفائدة 1 بالمئة وعرض شهادات ادخارية بفائدة مرتفعة بلغت 18 بالمئة لمدة عام.
وتعاني مصر من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتداعيات غزو روسيا لأوكرانيا، ولجأت إلى صندوق النقد الدولي من جديد للحصول على دعم مالي. وبنهاية الربع الثاني من العام المالي الحالي 2021-2022، أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع الدين الخارجي للبلاد لـ145.529 مليار دولار.
وفي وقت سابق، توقع اقتصاديون في تصريحات منفصلة لـ"عربي21"، تخفيض قيمة العملة المصرية لتصل ما بين 22 و25 جنيها مقابل الدولار مؤكدين أنها رغبة صندوق النقد الدولي الذي تفاوضه القاهرة بشأن قرض جديد منذ 21 آذار/ مارس الماضي دون تقدم حاسم في المفاوضات.
اقرأ أيضا: هل تتسبب شهادات الـ18% في بنوك مصر بزيادة الركود الاقتصادي؟
وعبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال عبد السلام: "على صانع القرار أن يعمل من الآن، وليس الغد، على تطبيق خطة عاجلة لاحتواء الأزمة المالية التي يمكن أن تنفجر في وجه الجميع في أي لحظة، وتأكل الأخضر واليابس وتأتي بنتائج كارثية في حال تجاهلها أو ترحيلها للمستقبل".
وقدم الخبير الاقتصادي 12 مقترحا التي يمكن -في رأيه- أن تساهم حال تطبيقها وغيرها، في الحد من تأثيرات الأزمة المالية الحالية التي تواجه مصر، وذلك على النحو التالي:
1- إجراء مصالحة سياسية شاملة تشارك فيها كل الأحزاب والقوى السياسية، مع العمل على تحقيق استقرار سياسي حقيقي غير قائم على الأمن السياسي والعصا الغليظة، بل قائم على مشاركة كلّ القوى السياسية في صنع القرار دون إقصاء لأحد، وتقوية السلم المجتمعي والجبهة الداخلية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإطلاق الحريات العامة، ورفع القيود عن الإعلام والحظر عن المواقع الإلكترونية.
هذه نقطة مهمة يمكن أن تساعد في تماسك الجبهة الداخلية وجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية وتشجيع الاستثمارات المحلية وبالتالي القضاء على أية حالة من الغموض المستقبلي وحالة عدم اليقين.
والإصلاح الاقتصادي يبدأ من الإصلاح السياسي وردم هوة الانقسام المجتمعي المتواصل منذ سنوات، ومن التعامل على أرضية المواطنة والدستور والقانون، وهي أمور تشجع الاستثمار المحلي قبل الأجنبي وتطمئنه، وتزيد ثقة المؤسسات المالية الدولية في الخطوات الحكومية المقبلة حتى لو تضمنت خططاً تقشفية وزيادة أسعار.
2- تشكيل حكومة تكنوقراط تضم كلّ الأطياف السياسية تكون مهمتها وضع خطة طوارئ اقتصادية ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي وجذب الاستثمارات الخارجية، وتوفير الدعم للأسر الفقيرة والمتضررين من قفزات الأسعار، وإعادة النظر في بنود الموازنة العامة، بحيث تركز المخصصات على تمويل القطاعات المرتبطة مباشرة بالمواطن، مثل التعليم والصحة والسلع الغذائية وتوفير فرص عمل.
وكذا التواصل مع كبار المستثمرين المصريين في الخارج، وطرح فرص جذابة عليهم وعدم مزاحمتهم من قبل الدولة، وطمأنتهم على أموالهم، والاستفادة من موارد الدولة، خاصة الأصول والشركات والأراضي الضخمة المملوكة للوزارات والهيئات في وسط المدن الكبرى، مثل القاهرة والإسكندرية.
3- الحد من ظاهرة ،عسكرة، الاقتصاد، ومنح دور أكبر القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية خاصة وأنه الموفر الأساسي لفرص العمل وزيادة الصادرات والإنتاج المحلي.
4- إعطاء أولوية قصوى لملف إنتاج الحبوب في السنوات المقبلة، خاصة القمح والذرة والشعير والأرز، فالاكتفاء الذاتي من تلك السلع الاستراتيجية يحقق الأمن الغذائي للمواطن، ويوفر لموازنة الدولة أكثر من 15 مليار دولار هي كلفة تلك الواردات سنوياً، كما يتيح للدولة تفادي التعرض لضغوط وتقلبات الأسواق الدولية وتذبذب الأسعار وانتهازية البائعين الدوليين.
5- وقف أي خطط حكومية لزيادة الضرائب والرسوم والأسعار إلى حين إعادة الأمور إلى نصابها واستقرار الأسعار والأسواق وتحسن القدرة الشرائية للمواطن، مع امكانية تجميد بعض أنواع الضرائب المرهقة للمواطن والتي تتسبب في زيادة الاسعار مثل ضريبة القيمة المضافة.
6- وقف بناء السجون الجديدة التي تكلف موازنة الدولة مليارات الجنيهات، خاصة أنّ الإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي سيحلّ مشكلة التكدس داخل السجون.
على أن توجه الأموال المخصصة لبناء السجون الجديدة نحو تمويل إقامة مصانع جديدة ومشروعات صغيرة ومتوسطة، وحل أزمة المصانع المتعثرة والتي يمكن أن توفر فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب في حال إعادة فتحها.
7- وضع قيود شديدة على الواردات، خاصة السيارات الفارهة والهواتف المحمولة والجمبري والاستاكوزا والملابس والجبن الفرنسي، وكذا على جميع السلع الترفيهية التي تستنزف مليارات الدولارات من احتياطي النقد الأجنبي المتراجع.
8- الدخول في مفاوضات مع دول الخليج حول الديون المستحقة لها والتي تزيد عن 20 مليار دولار بحيث يتم إسقاطها أو تحويلها من قروض أو ودائع مساندة إلى استثمارات مباشرة لا تذهب لشراء أصول مصرية من بنوك وشركات وإنّما لإقامة مصانع جديدة توفر فرص عمل حقيقية. وفي أضعف الإيمان يتم تحويل هذه القروض من قصيرة أو متوسطة الأجل إلى فترات طويلة من دون إضافة أعباء مالية.
9- تجميد أيّ مشروع جديد يعتمد في تمويله على الاقتراض الخارجي، خاصة تلك المشروعات التي لم يبدأ تنفيذها بعد، ولا تمثل أولوية أو قيمة مضافة للاقتصاد والمواطن أو توجد لها بدائل محلية ولا تدر موارد دولارية تمكن من سداد أعباء الدين الخارجي.
من بين هذه المشروعات القطار السريع البالغة كلفته 360 مليار جنيه، وهو مبلغ ضخم سيتم تدبيره عبر القروض الخارجية ويخدم طبقة رجال الأعمال وقاطني الساحل الشمالي، ويمكن تأجيل مشروع المحطة النووية بالضبعة التي تزيد كلفتها عن 30 مليار دولار يتم اقتراضها من الخارج، خاصة مع توافر فائض ضخم من إنتاج الكهرباء سواء من محطات شركة سيمنس الألمانية أو غيرها. ويمكن تنفيذ هذه المشروعات مع حدوث وفرة مالية.
وكذا مشروع إقامة مزيد من الأبراج والمبان الإدارية في العاصمة الإدارية الجديدة بقروض خارجية منها قرض صيني يبلغ 3 مليارات دولار، وينطبق ذلك على القصور ومقار الحكومات والبرلمان، ومشروعات أخرى أعلنت عنها الحكومة لكنها لم ترَ النور بعد، مثل النهر الأخضر، الذي سيتم شقه في العاصمة الإدارية بطول 35 كم، وكذا مشروع إقامة أكبر دار للأوبرا في الشرق الأوسط.
10- لجم القروض الخارجية والتوقف فوراً عن الحصول على قروض جديدة، إلا إذا كانت طويلة الأجل وبشروط ميسرة وبسعر فائدة منخفض وأعباء إدارية قليلة وتمثل ضرورة قصوى.
11- في حال الاضطرار إلى الاقتراض الخارجي لا يتم إلّا لتمويل مشروعات تدر عائدا بالدولار أو النقد الأجنبي يتم من خلاله سداد أعباء وأقساط الدين الخارجي، وهنا يتحمل المشروع كلفة سداد أعباء الدين وليس الموازنة العامة أو الاحتياطي النقدي الأجنبي، وهذا ينطبق على مشروعات التصنيع والتصدير والسياحة والأمن الغذائي والأدوية وغيرها. وكذا تمويل المشروعات التي تساهم في الحد من الواردات الخارجية، خاصة لسلع تستنزف الاحتياطي الأجنبي، مثل القمح والزيوت والحبوب بكلّ أنواعها.
12- تنشيط الأنشطة الاقتصادية المدرة للنقد الأجنبي، وأبرزها الصادرات الخارجية والاستثمارات المباشرة والسياحة، وترشيد الإنفاق الحكومي، وتشجيع المصريين العاملين في الخارج على زيادة تحويلاتهم إلى الداخل وطمأنتهم على أموالهم.
ما دلالة حديث صندوق النقد عن تدهور الاقتصاد المصري؟
مديرة صندوق النقد الدولي: اقتصاد مصر في تدهور
مسؤولة بصحيفة حكومية: هذا مصير من ينتقد الاقتصاد بمصر