برصاصة في الرأس، الاحتلال الاسرائيلي يقتل شيرين أبو عاقلة، الزميلة الصحفية مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين، ويمنع جنازتها ويعتدي على مشيعيها في مشاهد جديدة قديمة، تعكس حالة الإجرام المستمر لهذا المحتل الإسرائيلي.
رحلت شيرين أبو عاقلة، أيقونة فلسطين وصوتها الذي صاحبنا على مدار عقدين ونصف من الزمان، وكأن صديقا من طفولتنا قد قتل، وكأن جزءا من ذكرياتنا قد فقد، وكأن صوتا في آذاننا قد سكت، وكأن صورة أمام أعيننا قد اختفت.
رحلت شيرين، وتركتنا غارقين في حزن الفراق وألم الفقد، وتركت حكام العرب غارقين في وحل التطبيع وبئر الخيانة، وتركت رواد مواقع التواصل الاجتماعي غارقين في مستنقع الجدال وبحور من الخلاف والاختلاف حول ديانتها وعقيدتها وأفكارها وجواز الترحم عليها.
رحلت شيرين، وتركتنا غارقين في حزن الفراق وألم الفقد، وتركت حكام العرب غارقين في وحل التطبيع وبئر الخيانة، وتركت رواد مواقع التواصل الاجتماعي غارقين في مستنقع الجدال وبحور من الخلاف والاختلاف حول ديانتها وعقيدتها وأفكارها وجواز الترحم عليها
رحلت شيرين في مشهد مهيب ونهاية تليق بها، كانت جنازتها هي أطول جنازة في التاريخ الفلسطيني، بكاها الرجال والنساء في جنين والقدس والضفة، وفي كل شبر من أرض فلسطين كانت فيه شيرين حاضرة بصوتها وتغطيتها وشجاعتها أمام آلة القتل الإسرائيلية على مدار عقود.
رحلت شيرين بجسدها عن عالمنا بعد أن قتلتها رصاصات الغدر الإسرائيلية، ولكن سيبقى صوتها وصورتها وتاريخها ونضالها حاضرين أمامنا في كل لحظة، ستظل شيرين أبو عاقلة هي المدرسة التي نتعلم فيها كيف يكون النضال الصحفي والإنساني من أجل قضية عادلة اسمها فلسطين، ستكون شيرين معنا كما كانت طيلة السنوات الخمس والعشرين الماضية تبث فينا الأمل وتعلمنا حب فلسطين.
رحلت شيرين، بعد خمسة وعشرين عاما من البطولة التي تأبى الانكسار، ومن نقل الحقيقة التي تأبى التزييف، ومن إيصال الصوت الفلسطيني الذي يأبى الصمت. خمسة وعشرون عاما كانت شيرين أبو عاقلة فيها معنا بالصوت والصورة، تجولت داخل منازلنا في القاهرة في حلب في تونس في الجزائر، كبرنا معها في المغرب والأردن وفي الرياض وموريتانيا، أجيال تحكي لأجيال عن صوت فلسطين الذي تجول بنا داخل أزقة القدس وقرى الضفة ومخيماتها، حتى أسكتوه داخل مخيم جنين.
وعدت شيرين في آخر إيميلاتها الرسمية أن تنقل الخبر، فكانت هي الخبر الأول في كل وكالات الأنباء العالمية، وكانت صورتها في خلفية كل الشاشات التلفزيونية العربية والعالمية.
لم أعرفها ولم تعرفني ولم نتقابل أو نتحدث قط، ولكن صوتها كان معروفا محببا للقلب مطمئنا للنفس، ناقلا معاناة أهلنا في فلسطين وكأننا نعيش معهم يوما بيوم.
كان عمري اثني عشر عاما يوم ظهرت شيرين لأول مرة على شاشات الجزيرة، سمعتها لأول مرة وهي تقول شيرين أبو عاقلة، الجزيرة، القدس المحتلة.. ثم عشت معها خمسة وعشرين سنة وأنا أتعلم منها وأعرف الكثير عن جنين والقدس والضفة وغزة، كبرنا مع صوت شيرين وأحببنا فلسطين بتغطيات شيرين، وارتبطنا بالقدس وجنين بكلمات شيرين.. شيرين أبو عاقلة، الجزيرة، القدس المحتلة.
هي مواطنة أمريكية، ديانتها مسيحية، ولكنها اختارت الدفاع عن الأرض الفلسطينية والقدس، والمسجد الأقصى الذي يعتبره ملايين الناس قضية إسلامية. كانت دائما في الصفوف الأولى ولم تتردد يوما في نقل الحقيقة، بذلت من الوقت والجهد الكثير على مدار سنوات عملها في شبكة الجزيرة، ولم تتأخر يوما عن إيصال صوت فلسطين إلى العالم
لن نسمع تلك العبارة بصوتها مرة أخرى، ولكننا سنرددها في كل يوم، سيرفع اسمها في كل بيت سمع فيه صوت شيرين عبر التلفاز، ستخلد ذكراها في عواصم عربية وعالمية كانت حاضرة فيها بتغطيتها وعملها الصحفي المستمر.
هي مواطنة أمريكية، ديانتها مسيحية، ولكنها اختارت الدفاع عن الأرض الفلسطينية والقدس، والمسجد الأقصى الذي يعتبره ملايين الناس قضية إسلامية. كانت دائما في الصفوف الأولى ولم تتردد يوما في نقل الحقيقة، بذلت من الوقت والجهد الكثير على مدار سنوات عملها في شبكة الجزيرة ولم تتأخر يوما عن إيصال صوت فلسطين إلى العالم. هي المراسلة الشجاعة والصحفية الفذة والإعلامية البطلة، هي نهر المهنية الذي لم ينضب أبدا، وقبل كل ذلك، هي بنت القدس البارة بأرضها المحبة لشعبها، المضحية بنفسها ودمها وروحها من أجل نصرة وطنها واستقلاله عن بطش هذا الاحتلال الإسرائيلي المجرم البغيض.
رحم الله شيرين أبو عاقلة، اختارت
الصحافة لتكون قريبة من الإنسان ولم يكن سهلا ربما أن تغير الواقع، لكنها على الأقل كانت قادرة على إيصال صوت فلسطين إلى العالم بكل صدق وموضوعية، فكانت شهيدة الكلمة وشهيدة الصحافة التي قدمت روحها فداء لفلسطين، فاستحقت أن يدعو لها العالم بالرحمة، وأن يخلد ذكراها العطرة.
twitter.com/osgaweesh