حملت نتائج الانتخابات النيابية في لبنان مفاجأة لحلفاء حزب الله سواء الأحزاب كالتيار الوطني الحر، أو بعض المستقلين الذين كانوا في المجلس منذ 20 عاما وأكثر.
فبعد أن كان حزب الله وحلفاؤه وأبرزهم
"التيار الوطني الحر" وحركة "أمل"، يتصدرون المشهد البرلماني
السابق من خلال حصد 71 مقعدا، تراجعت حصتهم في انتخابات هذا العام إلى حوالي 60
مقعدا.
كذلك حصد التيار الوطني الحر بزعامة
جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون)، وحليف حزب الله، 18 مقعدا، مقابل
22 نائبا بعد استقالة 7 نواب من كتلته السابقة التي تألفت عقب انتخابات 2018 من
أصل 29 نائبا.
أما الحليف الآخر للحزب "تيار
المردة" بزعامة سليمان فرنجية، فقد فاز بمقعدين فقط بعدما كانت حصته 5 مقاعد
في البرلمان السابق.
تراجع موضوعي
وطرح هذا التراجع لحلفاء الحزب تساؤلات
عن أسبابه، وعن علاقة التظاهرات التي بدأت بشكل قوي منذ ثلاث سنوات به.
اعتبر الكاتب والمحلل السياسي قاسم
قصير، أن "هذا التراجع ناتج عن ظروف موضوعية بسبب التطورات التي حصلت في
السنوات الثلاث الماضية، وبروز قوى جديدة في الساحة السياسية سواء من قوى التغيير
أو مجموعات سياسية جديدة".
وعبر قصير خلال حديثه
لـ"عربي21"، عن رأيه بأن "هذا التراجع موضوعي ولا يشكل عملية
انقلابية بالمعنى الكامل، ولكن هذا يحدث، حيث أن بعض القوى يمكن أن تعزز دورها
وموقعها وأخرى تتراجع".
وأحال سبب هذا التراجع إلى
"الحملة الإعلامية التي شُنت ضد التيار الوطني الحر، وأيضا بسبب بروز قوى
جديدة مثل مجموعات المجتمع المدني وقوى التغيير التي نجحت بأخذ بعض المقاعد في بعض
الدوائر".
رسالة من الشعب اللبناني
بالمقابل يرى المحلل السياسي يوسف
دياب، أن ما سمّاها "خسارة حزب الله وحلفائه الأكثرية النيابية هي رسالة
وجهها الشعب اللبناني لهذا الفريق حتى يعاقبه على السياسات التي اعتمدها والتي
أوصلت البلد إلى الانهيار".
وأوضح دياب خلال حديثه
لـ"عربي21"، أن "هذه الخسارة أتت ترجمة لثورة 17 تشرين أول/ أكتوبر
2019 التي أرادت تغيير كل المنظومة السياسية القائمة بالبلد".
اقرأ أيضا: "التيار" يعلن "فوزه" بانتخابات لبنان.. هذا موعد استقالة الحكومة
وأضاف: "نحن نعرف أن سعد الحريري خرج من المعادلة السياسية وعلق مشاركته في العمل السياسي مؤقتا، في حين أن كل أحزاب المنظومة بقيت في السلطة بما فيهم حزب الله وحلفاؤه، وبالتالي الشعب اللبناني رد على هذه المنظومة عبر صناديق الاقتراع وقال لها إنه ليس من المقبول استمرارها في الحكم".
وتوقع بأن "لا يسلم حزب الله
بنتيجة الانتخابات وأنه لن يسمح للأكثرية الجديدة أن تحكم، لأنه يرفض أن يخرج من
المعادلة السياسية لأنه يعتبر خروجه منها استهدافا له لذلك بدأت حملات تحريض من
حزب الله على القوى التي فازت في الانتخابات، وستكون المرحلة المقبلة صعبة".
انهيارات متعددة
وعانى لبنان خلال الخمس سنوات الأخيرة
من أزمة اقتصادية أثقلت كاهل المواطن اللبناني، وأثرت على احتياجاته اليومية من
المواد الأساسية سواء الغذاء أو الدواء أو الخدمات كالكهرباء والماء.
وأدت هذه الأزمة الاقتصادية وكذلك
الأزمات السياسية وصعوبة تشكيل حكومة قادرة على حل هذه الأزمات إلى بروز قوى جديدة
أتت من الشارع الغاضب، حيث بدأت مظاهرات غاضبة ضد الطبقة السياسية في 17 تشرين
أول/ أكتوبر 2019.
وطالبت هذه التظاهرات بتغيير النظام
السياسي في البلاد الذي مزقته حرب أهلية منذ 1975 إلى 1995، كذلك طالبت بمحاربة
فساد السلطة والطبقة السياسية الحاكمة وفق رأي المتظاهرين.
وفي ظل نجاح قوى التغيير التي تعتبر
ممثلة لقوى مجتمع مدني وقيادات شاركت في التظاهرات، يُطرح تساؤل عن تأثيرها على
تشكيلة هذا المجلس التي شهدت تراجعا في عدد مقاعد بعض الأحزاب والتيارات، كذلك شهدت
بروز عدد أكبر من المستقلين.
اقرأ أيضا: قراءة في نتائج انتخابات لبنان.. من الفائز ومن الخاسر؟
أشار الكاتب والصحفي حنا صالح إلى أن "هناك عدة عناصر وأسباب ساهمت في هذا التراجع لبعض القوى وبروز قوى أخرى، منها الانهيار الاقتصادي والتظاهرات وغيرها".
وتابع صالح في حديث
لـ"عربي21": "هذه الانتخابات جرت بعد زلزال الانهيارات الذي ضرب
لبنان ونقله من البحبوحة إلى الفقر، وتبين أن وراء الزلزال طبقة سياسية ناهبة
وفاجرة سطت حتى على ودائع اللبنانيين".
لافتا أيضا إلى أنها "جاءت بعد
ثورة 17 تشرين أول/ أكتوبر التي عرت الطبقة السياسية وكشفت انهيار أخلاقها
السياسية، ورفعت هذه الثورة شعار استعادة الدولة المخطوفة بالسلاح ومعاقبة منتهكي
الكرامة وحماية الرغيف وحبة الدواء".
كذلك وفقا لصالح "جاءت الانتخابات
بعد تفجير مرفأ بيروت وما تلاه من تداعيات، أهمها أن الطبقة السياسية التقت على
حماية الفارين من العدالة وأعادت الترشيح للبرلمان من ادعى عليهم المدعي العام
بجناية القتل الاحتمالي بتفجير المرفأ الذي دمر وسط بيروت".
واعتبر أن "جميع هذه الأحداث خلقت
بقعة ضوء للبنانيين وأدخلت وعيا جديدا على الوضع الذي يمر فيه البلد".
وأشار إلى أن "حزب الله منذ 2011 وهو يقود البلد ولم تشكل حكومة إلا وفق إرادته، وبعد
العام 2016 تحكم في مفاصل القرار، والحزب أراد من هذه الانتخابات أن يرفع أكثريته
من 73 نائبا إلى 86 نائبا كي يشرع سلاحه ويضع تابعا له في رئاسة الجمهورية ويستكمل
اقتلاع لبنان".
وأوضح بأن "هذه الأسباب جعلت
المعركة تتوجه في وجه حزب الله وتسلطه لأنه حمى الفساد والتهريب وحول لبنان إلى منصة لتهريب السموم
والعدوان على العرب".
وأكد أن "هذا التململ طال كل
البيئات فلجأت القوى الطائفية إلى خطاب التحريض لاستنهاض جماعتها، لكن هذا الخطاب
لم يفعل فعله فتراجعت نسبة مقترعي ومؤيدي كل الفئات التقليدية وبالأخص حزب الله
وحركة أمل إلى 20- 30 في المائة من الناخبين".
وتابع: "وهؤلاء الناس قرروا
الاحتجاج على فريقهم ولم ينتقلوا لدعم فريق آخر أو لدعم قوى التغيير، لذلك كانت
المفاجأة كبيرة لهذه القوى لكن للإنصاف قوى التغيير وحدها في لبنان خاضت المعركة
ضد حزب الله في عقر داره في الجنوب وتم إسقاط أسعد حردان رئيس الحزب القومي رجل
النظام السوري وحسن نصر الله وهو معروف بتاريخه الأسود وهو نائب منذ 32 سنة".
نتيجة متوقعة
من جهته اعتبر الباحث في الشؤون
الأمريكية والشرق أوسطية، جو معكرون، أن "تراجع مقاعد حلفاء حزب الله كان
متوقعا نتيجة لتقييم رئاسة ميشال عون في نهاية ولايته، ونتيجة تقدم جزئي لقوى
التغيير الذين دخلوا إلى معادلة مجلس النواب".
وحول أسباب زيادة عدد المستقلين الذين
فازوا في الانتخابات قال معكرون لـ"عربي21"، إن "فوز المستقلين كان
نتيجة تعليق تيار المستقبل لنشاطه السياسي وبحث الناخبين عن بديل للأحزاب
التقليدية، لكن بشكل عام حافظ مجلس النواب على نفس ميزان القوى مع تعديلات طفيفة
فرضتها أحداث الأربع سنوات الأخيرة".
وعن سبب تأثير غضب الشارع على حلفاء
حزب الله أكثر من غيرهم قال إن ذلك "لأن حلفاء حزب الله كانوا في الحكم،
وتقدم المستقلين جاء كنتيجة حتمية لتململ الناخبين من القوى التقليدية، والتظاهرات
أوصلت وجوها جديدة إلى المجلس لكن ليس إلى حد تغيير موازين القوى".
حكومة تصريف أعمال
وفي ظل خسارة بعض القوى بعضا من
مقاعدها في المجلس وبروز قوى جديدة، هل يمكن تشكيل حكومة أم سيبقى الحال كما كان
في آخر ثلاث سنوات، بمعنى تشكيل حكومة بولادة قيصرية وتوافقات سياسية دون مراعاة
ظروف البلد الاقتصادية والسياسية؟
أكد حنا صالح أن "تشكيل الحكومة
كان خلال السنوات الأخيرة عبارة عن عملية قيصرية تأخذ 11- 13 شهرا، وخمس سنوات من
التعطيل في لبنان بدون حكومات حيث كانت المجالس النيابية تحت قبضة حزب الله".
وعبر عن تقديره أنه "لن يتم تشكيل
حكومة في القريب العاجل، والسبب أن ميشال عون سوف يشترط قبل الاستشارات حصة لصهره
وفريقه كما جرت العادة وسيؤجل الاستشارات وإن حصلت لن يكون متاحا تشكيل حكومة لذلك
سيبقى نجيب ميقاتي يصرف أعمال الحكومة حتى موعد الاستحقاق الرئاسي أي بعد حوالي
أربعة أشهر أو يزيد".
واعتبر أن "التحدي الأكبر ليس
تشكيل الحكومة بل انتخاب رئيس للجمهورية".
بالمقابل قال قاسم قصير حول إمكانية
تأثير بروز قوى جديدة على سرعة تشكيل الحكومة، "لا نستطيع معرفة هل ستسهل
القوى الجديدة تشكيل الحكومة أم تعقدها، فالأمر مرتبط بالمفاوضات والمشاورات التي
ستحصل في الأيام المقبلة، عموما البلد لا يتحمل تأجيل الحكومة ومن المفروض البحث
بشكل سريع عن حسم هذا الوضع وانتخاب رئيس مجلس نواب جديد".
وعبر عن تقديره بأن "لبنان الآن
أمام مرحلة انتقالية، ولذا وجب الانتظار"، مضيفا: "نعم هذه القوى تطرح
اليوم شعارات كبيرة ولكن عندما تأتي إلى أرض الواقع عليها أن تبحث عن تسويات لذلك
علينا الانتظار بعض الوقت ولا أستطيع أن أجزم بأن يتم تشكيل الحكومة سريعا أم
لا".
قراءة في نتائج انتخابات لبنان.. من الفائز ومن الخاسر؟
تقرير يرصد جملة من المخالفات في انتخابات البرلمان اللبناني
ما وراء هجوم وسائل إعلام سعودية على سعد الحريري؟