ذكّرتنا بشائر جمال مبارك بأمور متعارضة؛ بالزمان الجميل وفيضان النيل، وبلطائف الطغاة الراحلين، وبالمثل القائل: يا سفرجل كل قضة بغصة، وبقول الشاعر: "كم من زمان بكيت منه فلما جاء غيره بكيت عليه"، وأنّ الطغاة الراحلين كانوا يخطبون وقوفاً، ويلحنون بالعربية "الفصحى"، وأنهم كانوا مبتلين بالمعاصي والدماء ويستترون، وليسوا فاجرين مثل طغاتنا الأحياء الجدد.
استبشر النحل الالكتروني بتعزية ابنيّ مبارك بوفاة خليفة، فحالَ العزاء عرساً مصرياً -والنحل، وصف نطلقه على المحللين والناشطين على وسائل التواصل- وكانا قد خرجا بشفاعة من الباب العالي الإماراتي، وعهد منه ومواثيق على عودتهما إلى قفصهما. ورأى الناشطون في الزيارة بشرى خير وإيذاناً بسقوط السيسي، وتحدّث بعضهم عن مقايضة بين السيسي وبين ولي أمره، وزعموا أنّ السيسي طلب مبلغاً كبيراً "خلو رجل" أو "فروغ" لحكم مصر. ولم يذكر إن كان السيسي سيتفرغ لكتابة مذكراته، فقد انتهى منها في مسلسل الاختيار.
إن زيارة جمال مبارك وأخيه للبرج العالي لتقديم العزاء في صاحب البرج الذي مات، أحيت أملاً في النفوس. وظهرا في محنة المحاكمة، وهما يحملان المصاحف، وذلك لسببين، أولا لأن اللجوء إلى الله فطرة بشرية: "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ"، وثانيا: لاستدرار عطف القضاة والجمهور.
وكذلك فعل، فارتدى عباءة عربية في آخر ظهور له في قصره الخفي، يبهر بها عيون المشاهدين، وتلا في بيانه الانتخابي آية قرآنية بعد أن أسقط منها كلمات، لكن ما أن تنجلي الغمّة "إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق".
وما جعل الكثيرين يتمنون جمال "ملكاً" لمصر، أن حكام مصر عن بعد لجأوا إلى حيلة "دجاجة ستالين". يقول الرواة: إنَّ ستالين أحبّ أن يعظ في العلوم السياسية، فطلب دجاجةً، فأحضرت له، فأمسكها ونتفها ريشة ريشة، وهي تقوقئ وتتألم، ثم أطلقها عارية، ثم قذف لها بالحبِّ، فلحقت به، وانتهى إلى هذه العظة:
"إذا أردتم مواطنا صالحا فاصنعوا به صنيعي بهذه الدجاجة".
وهي تشبه المثل العربي: جوّع كلبك يتبعك.
وقد ضرب الجوع أكباد الشعب المصري، والظلم قلوبهم، مما رأوا من ظلم السيسي وسفاهته، والغريق يتعلق بقشة، وجمال مبارك أكرم خلقاً وخُلقاً من السيسي في الصفات الشخصية، فإن كان سرق من أموال مصر، فليس إلى درجة بيع الجزر المصرية في النيل وفي البحر المتوسط، وأصول مصر السيادية جهاراً نهاراً، والتفريط في مياه النيل، وهو إلى جانب ذلك أطول من ياسر جلال، و"عطف وحنان من الزمان"، ويتكلم الإنجليزية بطلاقة، وليست مثل إنجليزية "شيك هاند يو"، ويخطب واقفاً.
وكنا نظن أنه لن يحكم أظلم من حسني مبارك الذي وصفته إسرائيل بأنه كنزها الاستراتيجي، فوجدنا من يمدح السيسي بأنه معجزة إسرائيل، سوى أن مبارك كان "يسيب" الناس تلعب سياسة كما قال مرة، وبل و"تهزر"، وتتظاهر أيضا. أما "شيك هاند يو"، فنتف ريش المواطن المصري، وسرق جيبه، وذخائر مصر، وبلح مصر، هو ينوي سرقة جواميس مصر ومواشيها!
وفي كل بلد عربي ولي عهد احتياطي، هو ولي عهد "الاستعمار" عن بعد، ويقال إنّ فاروق الشرع هو ولي عهد روسيا في سوريا على أرجح الأقوال والتكهنات في سوريا، وإن فتحي باشاغا ولي عهد فرنسا في لبيبا، وإن حفتر هو ولي عهد أمريكا في ليبيا.
وكان فتحي باشاغا قد اقتحم طرابلس على سيارات دفع رباعي برجال مسلحين، فاضطرته قوات العاصمة إلى التقهقر والخروج بريشه غير منتوف مقابل توقيع تنازل عن السياسة، والانصراف إلى حياكة الصوف، فوقّع وخرج، لكنه نكص بعهده الذي وقّعه، ووصل إلى برلمانه سليماً من الأذى وعرضه صيّن، لأنه محصن بحماية حاكمة ليبيا الحقيقية، المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا السيدة ستيفاني وليامز، ويحظى بحماية فرنسية أيضا.
أفرط النحل الالكتروني في الأمل، وتوقع النشطاء سقوطاً للسيسي ووجدوا في زيارة جمال مبارك للإمارات علامة بقرب نهايته، وما لبثنا أن وجدنا أن نحلنا الالكتروني مثل الذباب الالكتروني، فهم يبالغون في الأماني سعياً وراء المشاهدات، أو أنهم يبتغون من وراء ذلك إلقاء الرعب في قلب السيسي بوحش الترند، وهو وحش ليست له أنياب ولا براثن، يمنح بهجة قصيرة على وسائل التواصل ليس أكثر. أما نحن فمثل الراهب فاريا في رواية الكونت دي مونت كريستو، الذي حفر جدار السجن فوجد نفسه في زنزانة أخرى..
وقد نحا اللاعب الاحتياطي، ولي عهد الأردن حمزة بن الحسين، منذ فترة إلى استعطاف الشعب الأردني، بدفاعه عنه، أو الاستنجاد به من ظلم أخيه، فحجر عليه الملك، وروى قصته في بيان طويل نشره. أغلب الظن أن جهات عربية -غالبا هي السعودية والإمارات راعيتا الثورات المضادة- حرضت الأمير حمزة، الأمريكي الأم، على أخيه الملك إنجليزية الأم، إما غضبا من معارضة الملك عبد الله لصفقة القرن، وإما لأنّ حمزة سيكون أطوع من الملك في تسهيل بناء الأضرحة الشيعية في الأردن.
وكان قد جرى الحديث مؤخراً عن تشجيع السياحة الشيعية لمِنطقتيّ مؤته والمزار في جنوب البِلاد، حيث مثوى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وتسعى إيران إلى غزو الأردن من خلال السياحة الدينية.
وقد ماطل الملك خوفاً من تغلغل النفوذ الإيراني في الأردن، وتغاضى عن مقاومة القبائل العربية الأردنية لإقامة ضريح فوق قبر جعفر الطيار، وحشد قواته مؤخراً على الحدود السورية تحذيراً من كتائب إيرانية تشغل مكان القوات الروسية الراحلة إلى أوكرانيا للقتال.
ويوشك ولي عهد السعودية أن يتولى العرش قريباً، وهو ينوي بناء لاس فيغاس في الجزيرة العربية فيجمع الدين والدنيا معا.
خطبنا جمال في أبو ظبي وهنّأ أباه، قائلا إنه نال البراءة من أوروبا، وتأهل للدوري الرئاسي.
أبو ظبي هي مركز صيانة وتشحيم وإصلاح الديكتاتوريات العربية وتجديد شبابها. وكما تغسل الأموال في هذا الزمان، كذلك تغسل الرجال.
الخطة "باء" هي العودة إلى الخطة "ألف" يا قوم.
شعب أبي طالب.. عندما يشتغل السيسي لصالح الإخوان!
لماذا تتعثر جهود مصر في مواجهة التمرد الجهادي في سيناء؟