لم تزل
الأزمات تتوالى وتستفحل يوما بعد يوم.. أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية على حد سواء، ولم يزل الشعب ينتظر وعود
قيس سعيد بالرفاه والعيش الكريم بعد أن يقضي على الاحتكار الذي صدع به آذاننا طوال الوقت، لكنه لم يجد محتكرين حقيقيين حتى اليوم، فقد علق كل مشاكل البلاد الاقتصادية على المحتكرين الوهميين الذين لا وجود لهم في الواقع، أو هم موجودون لكن قيس سعيد غير قادر على مواجهتهم.
ومن المضحكات المبكيات أن أحد أصحاب محلات الحلوى وجدوا لديه ثمانية شكاير فارينة (أكياس دقيق)، فصادروها على اعتبار أنه محتكر، وقد خرج الرجل على الميديا وتحدث بكثير من الاستهجان عما حدث له. وفي آب/ أغسطس 2021 تم التحفظ على كمية من حديد البناء في معمل، بحضور قيس سعيد نفسه، بداعي الاحتكار، لكن صاحب المعمل أكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الكمية المحجوزة هي مخزون المعمل المعد للتصدير إلى ليبيا، وليست مخبأة للاحتكار، ومع ذلك تباهى قيس سعيد بمصادرة الكمية وبصورته واقفا إلى جانب الجريمة المدعاة..
وبخلاف ذلك تم حجز بعض المواد التموينية بكميات لا ترقى مطلقا إلى مفهوم الاحتكار، من باب تزييف الحقائق وإيهام المواطنين بأن الاحتكار يدمر اقتصاد البلد ولا شيء غيره. وقد مر على الانقلاب البائس نحو 10 شهور ولم نرَ محتكرين ولا احتكارا، وتردت أوضاع البلاد يوما بعد يوم، حتى وصل بنا الحال اليوم إلى وضع اقتصادي كارثي.
لقد فشل قيس سعيد في إقناع الموالين له ممن يتمتعون بشيء من الثقافة والعقلانية بأن ثمة احتكارا مؤثرا ومدمرا للاقتصاد كما كان يدعي، وقد اضطر سعيد مؤخرا إلى التوقف عن التطرق إلى مشكلة الاحتكار، لأنه بات حديثا هزليا يبعث على السخرية، وهو ما أسهم في انحسار موجة التأييد المطلق من بعض شرائح الشعب؛ الذي ينقسم إلى ثلاث فئات:
فشل قيس سعيد في إقناع الموالين له ممن يتمتعون بشيء من الثقافة والعقلانية بأن ثمة احتكارا مؤثرا ومدمرا للاقتصاد كما كان يدعي، وقد اضطر سعيد مؤخرا إلى التوقف عن التطرق إلى مشكلة الاحتكار، لأنه بات حديثا هزليا يبعث على السخرية
الأولى: الفقراء والمستضعفون الذين وعدهم المنقلب بتحقيق أحلامهم والوصول بهم إلى الثروة والازدهار.
الثانية: الكارهون لحركة النهضة، من اليسار وطائفة من يتامى الدولة العميقة.
الثالثة: الطامعون بالمناصب والامتيازات من الطبقة السياسية التي فقدت مكانتها بعد الثورة.
وقد انفض كثير من عناصر هذه الفئات من حوله، ولم يتبق إلا بعض اليساريين ويتامى الدولة العميقة الذين ظلوا على مسافة من حركة النهضة وتحولوا إلى معادين لإجراءات سعيد، وبعض البسطاء الذين يتعلقون بقشة المنقلب الواهية التي تطوح بها أمواج الغلاء والفقر وكبت الحريات؛ فهو منذ الانقلاب حتى اليوم لم يبدع في شيء كما أبدع في تدمير شعبيته بيده، حين اكتشف قطاع عريض من الشعب أكاذيبه وحيله التي لا تنطلي إلا على الجهلة والبسطاء. لكنه على الرغم من فشله المتواصل في إثبات وجود شعبية له، يصر على أنها موجودة ويخاطبها باعتبارها أكثرية مطلقة، وهو ليس أكثر من وهم مرضي، بدليل الاستشارة الإلكترونية الفاشلة، وآخر تجمع لأنصاره في شارع بورقيبة في 8 أيار/ مايو 2022، حيث كان الحضور هزيلا على الرغم من التحشيد ودعم وزارة الداخلية.
إن أبرز ما في المشهد
التونسي اليوم هو انفضاض أمواج من الموالين عن ولي دمارهم وسحقهم الذي تركهم يتلمظون جوعا، ويتضورون وهما وزيفا..
لقد ازدادت نسبة التضخم بشكل لافت، وأظنها أكبر بكثير من الأرقام المعلنة، حيث غلاء الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للدينار والبطالة صارت مثلث الرعب في الحالة الاقتصادية القائمة اليوم في ظل العجز التام والجهل المطبق لرئيس مفلس معنويا وماديا.
وتعد تونس من أكثر دول أفريقيا استبطانا لكارثة اقتصادية ومجاعة قد تضع البلاد على حافة الانهيار، فقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة من مجاعة عالمية تستمر لسنوات، وعلى رأسها أفريقيا، وهو نذير شؤم على الدول التي يعاني اقتصادها من الهشاشة وقلة الموارد كتونس التي لا يحس أحد من شعبها بأي تطور أو تحسن، ناهيك عن وجود خطة للخروج من الأزمة الماحقة التي تنتظرها البلاد والتي بدأت تعصف بها بشكل مؤلم.
فالموالون لقيس سعيد باتوا غير واثقين من قدرته على حل مشكلاتهم، وهم اليوم في حيرة من أمرهم، وبدؤوا يحسون بأنهم خانوا وعيهم بدوافع تقوم على الآمال الكاذبة والوعود المخدرة التي استخدمها سعيد لتأجيل الغضب الشعبي من قبل مناصريه الذين بدؤوا ينفضون من حوله شيئا فشيئا، وما التجمع الأخير بشارع بورقيبة إلا أوضح دليل على ذلك. وقد زادت تسريبات عكاشة الطين بلة، حيث كان لها تأثير السحر على كثير منهم.
وفي الأثناء يأتي موقف الاتحاد العام للشغل برفض الحوار بصيغة قيس سعيد ليفتح الأبواب من جديد على حالة فشل جديدة لألاعيب قيس سعيد؛ فقد رفض الاتحاد أي حوار مخرجاته معدة مسبقا، وأكد على حتمية وجود الأحزاب في هذا الحوار، ذلك أن استبعاد الأحزاب سيترك الاتحاد وحيدا في مواجهة الرئاسة، فيواجهها وحده أو يتنازل لها ويبصم على قراراتها وإجراءاتها الأحادية. فالاتحاد يخشى أن يؤكل كما أكل الثور الأبيض.
بات من الواضح أن قيس سعيد يسعى لتنفيذ برامجه التي يطبخها في الليل مع نفسه، وما المستشارون الذين يحيطون به سوى ثلة من الانتهازيين والكارهين للثورة الذين تربوا في حضن الدكتاتورية في العهدين السابقين، ولم ترق لهم الديمقراطية التي سلبتهم مكانتهم الاجتماعية الزائفة التي تمتعوا بها عبر عقود
وبات من الواضح أن قيس سعيد يسعى لتنفيذ برامجه التي يطبخها في الليل مع نفسه، وما المستشارون الذين يحيطون به سوى ثلة من الانتهازيين والكارهين للثورة الذين تربوا في حضن الدكتاتورية في العهدين السابقين، ولم ترق لهم الديمقراطية التي سلبتهم مكانتهم الاجتماعية الزائفة التي تمتعوا بها عبر عقود.
لكن كل خطط سعيد باتت تصطدم بقوة مع معظم المؤسسات والمنظمات والتجمعات الوطنية، وتتوالى يوما بعد يوم البيانات المنددة بإجراءاته من كل صوب وحدب، حتى بات يحس بالعزلة والانقطاع عن العالم الخارجي، وأعتقد جازما أنه حاليا في حالة تخبط وقلق وخوف، وتسيطر عليه هواجس الهزيمة والاندحار؛ فما بني على باطل فهو باطل.
إجراءات قيس سعيد تهدد الاستقرار الاجتماعي، وتقترب بالبلد من الفوضى وانعدام الوزن، وهو ما نخشى أن يحدث؛ فيحرق الأخضر واليابس. ذلك أن الغالبية من الشعب التونسي والطبقة السياسية لن تقبل بحال من الأحوال أن يستمر قيس سعيد في إجراءاته الأحادية مهما كانت النتائج، وقيس سعيد يصر بعناد الصبيان على الاستمرار في خططه الكارثية لبلوغ ما يريد من إقامة حكم دكتاتوري يقضي على الحريات ويملأ السجون بالمعارضين ويديم حكمه أطول مدة ممكنة، كما فعل قدوته الفاشل عبد الفتاح السيسي..!!