فقدت أمتنا عزتها وكرامتها وما تبقى لها من قيمة إنسانية وحضارية.. بات العالم ينظر إلينا بوصفنا أمة هزيلة ضعيفة مترهلة، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.. أمة خلعت عنها ثوب الحياء وثوب الرجولة، بل ثوب الجاهلية الأولى التي كانت تعتز بالمروءة والفروسية.. أما اليوم، فلا مروءة ولا فروسية ولا أدنى احترام لقيم الجاهلية، ناهيك عن قيم الإسلام التي يحاربها بعض الشذاذ والسفهاء من هذه الأمة المنكوبة بحكامها وطبقتها السياسية.
ذبحنا أعداؤنا من وريد لوريد، وهتكوا سترنا، وقتلوا أطفالنا ونساءنا، وأهانوا ديننا ونبينا؛ بينما بعض ساستنا يبرر لقتلنا، ويصفق لقتلتنا، ويشد على أيديهم؛ لم لا ونحن العرب والمسلمين إرهابيون. وقد وصل كثير من أبناء أمتنا إلى الحضيض، من طبقة الحكام وأعوانهم ومن يدور في فلكهم ويتشبه بهم ويخطب ودهم..!!
أولئك الذين ينتفضون في الشوارع انتصارا لدم الفلسطينيين أو الهنود المسلمين ونبيهم الكريم وغيرهم من المطحونين والمعذبين في الأرض؛ إرهابيون همج رعاع، أمّا الصامتون الخانعون المتآمرون فمتحررون منفتحون وأبناء عصرهم الذي لا ينتمي لشيء سوى للظلم والعار واختلال الموازين..
هذا الصمت الجبان من قبل أنظمة عربية خانعة متآمرة على قتل الفلسطينيين واعتقالهم وسرقة أرضهم وهدم منازلهم، وتدنيس مقدساتهم الذي يتفاقم يوما بعد يوم، فالاقتحامات لثالث الحرمين الشريفين وإهانة المدافعين عنه، بات لا يشغل أحدا من الساسة العرب.. وهذا الصمت المتآمر القذر من قبل المجتمع الدولي الذي يرفع شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الإنسانية؛ يحيلك إلى الفزع المقلق والقلق المفزع، ويضعك أمام خيارات عبثية وصدمات وحيرة وجودية، ويدفعك شيئا فشيئا -من دون أن تحس- إلى حالة من ضبابية الرؤية والحقد على هذه الأنظمة اللعينة شرقا وغربا..
لم تعد ثمة غيرة أو انتصار حتى لنبي الأمة، بل ثمة حيادية تامة من قبل بعض الأنظمة، وربما تأييد لما يحدث من محاولات لإجهاض كل ما هو إسلامي، حتى حين يمس الأمر نبينا العظيم الذي شهد له مفكرو العالم بالعظمة والحكمة والرؤية الكونية، وكان أولا في المئة الأوائل في كتاب مايكل هارت الذي جاء تصنيفه على أساس الشخصيات الأكثر تأثيرا في التاريخ.
إن الانتصار لنبي الأمة ليس حكرا على المسلمين، بل إن كل عربي مطالب بالانتصار له سواء أكان مسلما أم مسيحيا أم ملحدا؛ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم، ليس نبيا رسولا وحسب، بل هو رمز من رموز أمتنا العربية التي لم تعرف قدره كما ينبغي أن تعرف لشديد الأسف..
نحن أمة لا يجيد كثير من أبنائها سوى تمجيد الحكام ولو خانوا وأهانوا وباعوا كل غال ورخيص.. مع أنهم سامونا صنوف المقت والظلم، فما كان من وجع أشد مما كان من حكامنا الذين ابتلينا بهم، فقزّمونا وجعلونا صغارا في أعين العالم الذي استخف بنا وألحق بنا الأذى، وتحالف ضدنا، وسامنا صنوف الغدر والتآمر.. قسمونا إلى قبائل وشيع بسايكس بيكو التي جعلت الوطن أوطانا، والفكر أفكارا، والهوى أهواءً، وصار ثمة سوري وفلسطيني ومغربي وجزائري وسعودي، بعد أن كنا أمة العرب والمسلمين.. بتنا شعوبا ضالة، بلا وزن ولا قيمة، واجترأ على نبينا المتعصبون من كل دين وملة؛ فصارت مقدساتنا مشاعا، ودمنا رخيصا، ودموعنا هباءً، ولم تنصفنا ما يدعونها هيئة الأمم المتحدة التي يتحكم بها أعداء أمتنا بالفيتو وبالتهميش وبالتنديد على استحياء، فهي بين متجاهلة وبين منددة، وكفى الله المؤمنين القتال..!!
ماذا فعلت الأمم المتحدة والعالم الغربي إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون من قتل يومي، واعتقال وهدم بيوت وتدنيس مقدسات؟ وماذا فعلت لمسلمي الهند الذين يمارس ضدهم التمييز العنصري بوضوح كوضوح الشمس منتصف النهار، بما لا يحتاج تحققا ولا تثبُّتا..؟ أوَ لو كان هذا التمييز المقرون بالقتل والتعذيب والإهانة ضد أصحاب ديانة أخرى، هل كان العالم سيصمت هذا الصمت اللعين؟!
ثم يتحدثون عن الإرهاب وعن التطرف وعن التزمت الديني. ألستم أيها السفهاء سبب هذا التطرف؟ ألستم من صنع الإرهاب بسجلكم الحقوقي والإنساني والسياسي القذر الذي تقترفونه ضد شعوبنا المغلوبة على أمرها؟ نصبتم علينا حكاما خونة مرتهنين لإرادتكم، وتودون لو ننصاع لهم، ونستكين لسياطهم وخناجرهم وزنازينهم؛ فأي عدالة وأي مصداقية لديكم؟
إن كنتم حقا تفهمون معنى الإنسانية؛ فما تلك التفرقة المفرطة في التعاطي مع الحرب الأوكرانية والجرح الغائر للقضية الفلسطينية؟ وما ذلك الانحطاط في التعاطي مع الاعتداءات المتكررة على المسلمين في كثير من مناطق العالم؟ وما سكوتكم على دول عربية تمارس أشنع أساليب القمع ضد شعوبها، وقد قتلت خيرة أبنائها في زنازينهم أو خارجها؟ ثم تسألون لماذا لا نحبكم؟ وتعجبون من نقمتنا عليكم..!!
نسب إلى وزير خارجية فلندا قوله: "لم أعد أفهم شيئا.. عندما نسخر من السود؛ نسمي ذلك عنصرية، وعندما نسخر من اليهود؛ نسمي ذلك معاداة السامية، وحين نسخر من النساء؛ نسمي ذلك تحيزا جنسيا، وحين نسخر من المسلمين؛ نسمي ذلك حرية تعبير"..!!
تنادون بإنسانية الإنسان، وتدعون أنكم حامو حمي الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية، وأنتم أبعد الناس عن ادعاءاتكم الكاذبة.. دم محمد مرسي، ودم خاشقجي، ودم شيرين أبو عاقلة، وآلاف غيرهم في رقبتكم أيها المدّعون المارقون من العدل والإنسانية..
أما دولنا وحكامها؛ فنحن نؤمن بالله، ونؤمن بأن الحساب إن لم يكن في الدنيا؛ ففي الآخرة يجتمع الخصوم.. لكننا في الوقت نفسه نعدكم أيها الظلمة بأن صبحنا قادم، وأن حساب الدنيا سيسبق حساب الآخرة.. ونحن نعلم يقينا أن حكامنا يضعون أيديهم على نحورهم ويتحسسونها وأظن أن ساعتهم تقترب.
يقول أحمد مطر:
اثنان في أوطاننا
يرتعدان خيفة من يقظة النائم:
اللص والحاكم..
الإساءة للرموز الدينية: ما نفع التنديد بها؟
عاش الوطن.. عاش الملك.. هيا بنا نعد ملكيين