وخلال لقاء صحفي حضره رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، أن الاتفاق "خطوة كبيرة للأمام لتأمين الغاز لأوروبا"، واصفة الاتفاق بأنه "تاريخي".
ولكن؛ وفيما بدا أنها مكافأة أوروبية لمصر أو إعانة سريعة أو دعم عاجل لإنقاذها من أزمتها الاقتصادية والمالية، أعلنت المسؤولة الأوروبية، توفير 100 مليون يورو للقاهرة لمواجهة أزمة الغذاء والأسعار، مؤكدة أن "لديهم التزاما قويا بالشراكة مع مصر".
ووعدت رئيسة المفوضية الأوروبية بأن تكون "مصر على رأس التحول التكنولوجي"، معلنة أيضا عن تخصيص "3 مليارات يورو، لبرامج الزراعة والري"، مشددة على دعم الاتحاد الأوروبي تحول مصر إلى مقر إقليمي لتداول الطاقة.
اقرأ أيضا: اتفاق بين الاحتلال والاتحاد الأوروبي لتصدير الغاز عبر مصر
"ما دور مصر؟"
ومن المقرر وفقا للاتفاقية، نقل الغاز المستخرج من الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الإسرائيلي عبر خط أنابيب موجود بالفعل إلى مصر التي تقوم بتحويله لسائل عبر محطتيها لتسييل الغاز شمال البلاد، ثم يشحن عبر موانئها شمالا إلى السوق الأوروبية المتعطشة بشدة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي.
مصر تتميز عن إسرائيل بوجود بنية أساسية جيدة تمكنها من استقبال غاز الدول المنتجة بالمنطقة وتصديره، فما بين خطوط الغاز الممتدة عبر أراضيها إلى الأراضي المحتلة، هناك محطتا الإسالة الهامتان في هذا الاتفاق.
وفي العام 2021، نجحت القاهرة منفردة في تصدير 2 مليار متر مكعب من الغاز المسال إلى أوروبا من محطتيها في "إدكو" التي تعمل بطاقة 10 مليارات متر مكعب، وفي "دمياط" التي تنتج 7 مليارات متر مكعب مسال.
بمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول بمدينة "إدكو" بمحافظة البحيرة، يضم وحدتين للإسالة، تساهم فيه مصر بنحو 24 بالمئة، والهيئة المصرية للبترول 12 بالمئة والمصرية القابضة للغاز "إيجاس" 12 بالمئة، وتملك شركتا "شل" الإنجليزية، و"بتروناس" الماليزية، نسبة 35.5 بالمئة، لكل منهما.
محطة الإسالة الثانية في "دمياط" تضم وحدة إسالة، وتديرها "يونيون فينوسا" الإسبانية بالشراكة مع "إيني" الإيطالية، وحصة مصر نحو 20 بالمئة مقسمة بين الهيئة المصرية للبترول وشركة "إيجاس".
لماذا الآن؟
تأتي الاتفاقية الثلاثية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر اعتمادا على اتفاقية تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر الموقعة 18 شباط/ فبراير 2018، بين مجموعة "دلك" الإسرائيلية وشركة "دولفينوس" المصرية بقيمة 15 مليار دولار لبيع 7 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، لمدة 15 عاما.
وهي الاتفاقية التي قال عنها السيسي في 21 شباط/ فبراير 2018، مخاطبا المصريين: "إحنا جبنا جول يا مصريين في موضوع الغاز"، مؤكدا أن مصر وضعت قدمها لتصبح "مركزا إقليميا للطاقة في المنطقة".
ورغم مرور نحو 4 سنوات من ذلك الاتفاق، ومن حديث السيسي؛ إلا أنه لم يتحقق ذلك الحلم برغم اكتشاف مصر للعديد من حقول الغاز بعد ذلك التاريخ، وقبله، والتي كان أهمها حقل ظهر عام 2015، أكبر حقل مصري جرى اكتشافه بالبحر المتوسط.
وفي القاهرة تأسس "منتدى غاز شرق المتوسط"، في كانون الثاني/ يناير 2019، بهدف إنشاء سوق غاز إقليمي، وتأمين العرض والطلب بين الدول الأعضاء، وهي مصر، واليونان، وقبرص، وفلسطين، والأردن، وإسرائيل، وإيطاليا، وفرنسا.
إلا أنه ومع كل ذلك لم تتحقق أية آمال مصرية لتصبح مركزا إقليميا للطاقة، بل إن اليونان وقبرص وإسرائيل وبرغم شراكتهم القوية مع السيسي، إلا أنهم استثنوا مصر من اتفاق خط أنابيب شرق المتوسط "إيست ميد" لمد أوروبا بالغاز في 30 كانون الثاني/ يناير 2020.
ولكن يبدو أن الظرف الصعب الذي تعيشه أوروبا أحيا آمال القاهرة لتصبح مركزا إقليميا للطاقة خاصة في ظل سعي أوروبي لإنهاء ما تدعوه بـ"الابتزاز الروسي" في ملف الغاز، ورغبتها بتقليل الاعتماد 40 بالمئة على غاز موسكو، وذلك في ظل احتياطيات أوروبية محدودة تبلغ 200 مليار متر مكعب.
لكن، المثير في الاتفاق الجديد، هو استبعاد فلسطين من أية شراكة فيه، برغم عضوية البلد العربي المحتل بمنتدى غاز المتوسط، وبرغم أن ما تقوم إسرائيل باستخراجه من حقلي غاز "تمار" و"ليفياثان" في شرق البحر المتوسط، هو بالأساس ملك للشعب الفلسطيني.
ويرى مراقبون، أن هناك فوائد اقتصادية وسياسية تعود على مصر، بينها تشغيل محطات تسييل الغاز بكامل طاقتها، وتشغيل موانئها بنقل الغاز إلى أوروبا، إلى جانب دور إقليمي هام تظهر به أمام أوروبا.
اقرأ أيضا: 100 مليون يورو لمصر بعد اتفاق الغاز مع الاحتلال وأوروبا
"شريك أم وسيط"
وعن النتائج المرتقبة لمصر إثر توقيع الاتفاقية الثلاثية بين إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي لتصدير الغاز لمدة 3 سنوات، أكد الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب، أنه يساهم في زيادة الصادرات المصرية من الغاز ومشتقاته إلى أوروبا، وقد يؤدي إلى زيادة الاستثمار في إقامة محطات الإسالة بالبلاد.
وفي إجابته على تساؤل "عربي21"، عن إمكانية أن ينعش هذا الاتفاق الموانئ المصرية ويشغل محطات تسييل الغاز المصرية بكامل طاقتها، قال إن "ما حدث هو توقيع اتفاقية، وأعتقد أن الحكم على المكاسب يحتاج إلى بعض الوقت".
واستدرك عبد المطلب: "لكن كما هو معلوم فإن كل اتفاقات تعاون بلا شك سوف تساهم في إنعاش الاقتصاد المصري".
وبشأن تصنيفه لموضع مصر في هذا الاتفاق وهل تعد القاهرة شريكا أصيلا أم مجرد وسيط لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، أوضح أن "الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى قراءة بنود الاتفاقية بشكل كامل، وهو الأمر غير الميسر الآن".
وتساءل: "هل ستكون مصر مجرد معبر للغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، أم أنها سوف تستورد الغاز الإسرائيلي ثم ستعيد تصنيعه وإسالته ثم بيعه كمنتج مصري المنشأ، وتحصل على قيمة الصادرات بالكامل؟ طبعا بعد خصم قيمة الغاز الإسرائيلي المستورد".
وتابع: "أم أن مصر ستصدر الغاز المسال في محطات الإسالة المصرية، سواء كان مصريا أم إسرائيليا"، مشيرا إلى أن "معرفة شروط الاتفاق سوف تحدد هل مصر شريك أم وسيط".
ويرى الخبير المصري، أن "تلك الاتفاقية ستكون بداية لوضع مصر كمقر إقليمي لتصدير الغاز كما حلم السيسي قبل سنوات".
وأضاف: "وبذلك حققت مصر جول كبيرا في موضوع الغاز؛ لكن على حساب القضية الوطنية العربية، وعلى حساب مكانة مصر التاريخية في المنطقة".
وختم حديثه بالقول: ولكن "الهدف هنا هو تسويق الغاز الإسرائيلي بالأساس".
اقرأ أيضا: شكوك إسرائيلية بأن تسفر زيارة بايدن عن تطبيع السعودية
"نهاية التطبيع البارد"
الباحث والكاتب المصري أحمد مولانا، قال إنه "بطبيعة الحال تحاول كل من مصر وإسرائيل أن تستثمرا الظرف الحالي الذي يشهد ارتفاعا كبيرا في أسعار الغاز لعمل عقود طويلة الأمد مع أوروبا لتعويض النقص الناتج عن تخفيض إمدادات الغاز الروسي لـ 90 بالمئة حتى نهاية العام الجاري".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "الدولتين تنظران للأمر بالأساس إلى الجانب الاقتصادي، وبالنسبة لمصر فالشق المالي هو شق التسييل والتصدير، ولإسرائيل شق الإنتاج".
وأضاف: "وعلى الجانب الاستراتيجي هذا نوع من التعاون والشراكة، وكان قبل ذلك يوصف التطبيع مع الكيان بالبارد نهاية عهد الرئيس أنور السادات وطوال عهد مبارك؛ ولكن بعهد السيسي تحول التطبيع البارد لشراكة بين الجانبين، وهذا الاتفاق هو النموذج الأبرز".
وأوضح أنه "في الأساس هذه الحقول قيل إن مصر تنازلت عنها للكيان المحتل، وإن لم يكن هذا حقيقيا فإنها في الأصل حقول غاز فلسطينية"، مبينا أن "إقصاء الفلسطينيين من المشاركة باستخراج الغاز وتسييله وتصديره مكسب كبير لإسرائيل".
وفي رده على السؤال: "كيف يساهم الاتفاق في شرعنة التواجد الإسرائيلي في مصر لرقابة التسييل والشحن والتصدير؟" يعتقد مولانا، أن "إسرائيل تورد لمصر وتحاسبها، والقاهرة تقوم بتسييل الغاز وتصديره، وأن تل أبيب غير مسؤولة عن بيع الغاز المسال ولا أعتقد أن يكون لها رقابة على هذا الجزء من الصفقة، فهناك عدادات تحسب ما جرى توريده منها وتصديره لأوروبا".
ويرى مولانا، أن "الرسالة الأهم هنا هي فكرة الشراكة الإسرائيلية المصرية التي تتحقق، مع إقصاء الفلسطينيين حتى من ربط ملف التطبيع بملف السلام كما كان بعهد مبارك، وأصبح الأمر طبيعيا أن تمارس إسرائيل الانتهاكات بحق الفلسطينيين والمقدسات وتشاركها مصر بملف استراتيجي".
ويرى أن من التبعات السياسية والاستراتيجية والأمنية لتلك الاتفاقية، "حدوث تغير كبير بالنظرة إلى إسرائيل في المنطقة، بالإضافة إلى زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة منتصف الشهر المقبل، وفكرة إقامة دفاع صاروخي إقليمي فيه مصر ودول الخليج الست والأردن والعراق وإسرائيل".
وأعرب عن قلقه مما قد يحدث من "تطور جديد في المنطقة لبناء نظام إقليمي جديد في ظل تراجع الوجود الأمريكي، لتصبح إسرائيل هي اللاعب الأساسي في هذا الملف تحت مظلة مواجهة التهديد الإيراني".
السيسي: حاسبوني لما يصبح دخلنا تريليون دولار.. "لسه بدري"
قناة أمريكية: الرياض حققت انتصارا سياسيا على حساب واشنطن
معهد واشنطن: تقلبات كبيرة في سوق الطاقة خلال يونيو