أثار إطلاق اسم نجمة عالمية على شارع في مدينة حلق الوادي بتونس جدلا في الأوساط السياحية والثقافية بالبلاد.
حلت النجمة العالمية كلاوديا كاردينالي بتونس في زيارة تؤدّيها إلى مدينة حلق الوادي (الأحواز الشمالية لتونس العاصمة) التي ولدت فيها في 15 نيسان/أبريل 1938 واحتضنت طفولتها إلى أن اقتحمت العالمية، وذلك بدعوة من بلدية حلق الوادي، ووزارة الشؤون الثقافية التونسية.
وتم تدشين شارع يحمل اسم كلاوديا كاردينالي، وجدارية تحمل صورة النجمة التونسية/الإيطالية. وجرى حفل التدشين تحت إشراف وزيرة الشؤون الثقافية التونسية حياة قطاط القرمازي بحضور لورانزو فانارا سفير إيطاليا بتونس وآمال الإمام رئيسة بلدية "حلق الوادي".
النجمة العالميّة عبرت عن سعادتها بهذا التكريم ورقصت على أنغام بعض الألحان والأغاني التونسية في حفل أقيم خصّيصا لها بهذه المناسبة، معلنة فخرها بجذورها التونسية وتعلقها بتونس، مسقط رأسها الذي يشكل "نموذجا على الغرب أن يحتذي به على صعيد استقبال المهاجرين" على حد تعبيرها.
وهذه المرة الثانية في تاريخ تونس الحديث التي يقع فيها إطلاق اسم فنانة على شارع أو نهج بالبلاد، يقطنه إيطاليون إلى اليوم، ينحدر غالبيتهم من جزيرة صقلية، مبرر التكريم كان "لما قدمته للفن السابع في العالم طيلة عقود من الزمن وتعزيزا لقيم التسامح والتعايش السلمي بين الثقافات والأديان".
ومن أهداف التظاهرة، تسليط الضوء على منطقة حلق الوادي، وبعث رسائل تعزز قيم التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان، وإبراز خصوصية حلق الوادي كمدينة منفتحة على الآخر، وتشجيع الشخصيات التي وُلدت في تونس على زيارتها والتعريف بها، دعما للسياحة التونسية، وإبراز ثراء تراث حلق الوادي.
تنتمي كلاوديا كاردينالي لأسرة مهاجرة من جزيرة "صِقِليّة" وتحديدا من مدينة "تراباني"، فقد كان لأجدادها (من جهة الأم) شركة صغيرة لبناء السفن "في تراباني" ثم هاجروا إلى تونس واستقروا في منطقة حلق الوادي، حيث تتواجد جالية إيطالية كبيرة. وكان والدها، فرانسسكو كاردينالي، عاملا في السكة الحديدية، وتلقت كلاوديا كاردينالي تعليمها في مدرسة "سانت جوزيف دي لا اباريشين" بقرطاج.
المرة الأولى التي أطلق فيها اسم نجم على شارع، كانت في حزيران/يونيو من العام 1968 حين قدمت كوكب الشرق أم كلثوم إلى تونس، فكرّمها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، بإطلاق اسمها على أحد شوارع العاصمة بتونس، تقديرا لعطائها الفني الخالد والثري والمتنوّع.
وسبق لكلاوديا أن زارت تونس عام 2009 حيث وقّعت في العاصمة تونس كتابها "تونسية أنا"، كما كرمها المخرج التونسي فريد بوغدير سنة 1996 من خلال فيلمه الروائيّ الطويل الثاني، "صيف حلق الوادي"، فقدّمها بشخصيتها الحقيقية، وهي تزور مسقط رأسها حلق الوادي، فتستقبلها الجماهير الغفيرة بالتصفيق والهتاف باسمها. كما تم تكريمها في آذار/مارس 2018، خلال حفل تدشين المكتبة السينمائية بمدينة الثقافة.
تقول كلاوديا في كتابها الصادر عن دار النشر "إيمي الفرنسية" الذي جاء في 200 صفحة حافلا بصور لأماكن طبعت طفولتها: "غادرت تونس في الخمسينات، لكنني حملتها معي، تعوّدت على السفر والانتقال من هوليوود إلى لندن، ومن مراكش إلى موسكو، ولكن سفري لم يمنع شوقي إلى زيارة تونس، أمّي أعادت رسم تونس في إيطاليا، وزرعت نباتات من هناك، من بينها الياسمين والتين الشوكي، وواصلت طهي الأطباق التونسية".
وفي الكتاب استرجعت الممثلة الإيطالية ذكريات طفولتها وصباها وتحدثّت بحب وشوق عن أماكن ارتادتها في تونس كشواطئ حلق الوادي، ومقهى العالية في سيدي بوسعيد (في الضاحية الشمالية للعاصمة)، والمدارس والمعاهد التي زاولت فيها تعليمها، فضلا عن الكاتدرائية التي شهدت زواج والديها.
وفي عام 2000 تم اختيار الحسناء التونسية الإيطالية لتكون سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة للدفاع عن حقوق المرأة، وذلك لانخراطها في المجال لسنوات. وفي فبراير 2011، اختارتها مجلة "لوس أنجلس تايمز" من بين أجمل 50 امرأة في تاريخ السينما. ربما حملها هذا الاختيار مسؤولية أكبر تجاه موطنها الأصلي.
الترحيب الرسمي الكبير بهذه الزيارة لم يخف "تململا" وتحفظا، ورفضا لهذه الزيارة المشحونة عاطفيا، لكنها في نظر المشككين، لا تضيف شيئا خاصة على المستوى السياحي فكلاوديا لفها النسيان ولم تعد مؤثرة ووجودها في تونس هو من باب الحنين في "الوقت بدل الضائع".
وهناك من توجس خيفة من خطابها الداعي إلى توطين المهاجرين: "ألم تقل كاردينالي إنها ابنة مهاجر من صقلية اختار التوجه إلى شمال أفريقيا بحثا عن أوضاع معيشية أفضل" "يجب أن تفخر تونس بتاريخها، بل من الضروري تذكر هذا الماضي المشترك، وقد أصبحت الهجرة في هذه الأيام تتخذ مسارات عكسية من تونس نحو أوروبا".
وفي تدوينة تداولتها عشرات الصفحات على الفيسبوك تساءل عطيل البلطي ابن حلق الوادي: "ماذا أنجزت كلاوديا كاردينالي لمدينة حلق الوادي أو حتى لتونس، حتى نطلق اسمها على شارع من شوارع المدينة، هل ساهمت في فيلم أو كتبت مقالا تروج فيه لصورة تونس أو حلق الوادي؟ هل تبرعت لبناء مدرسة أو ملعب أو دار ثقافة؟".
ويضيف ساخرا: "في كأس العالم، لو تلعب تونس وإيطاليا، كلاوديا ستشجع بوتسوانا أو الموزمبيق؟؟"، ويختم عطيل تدوينته بقوله: "الأنهج تسمى بأسماء من خلدوا أسماءهم للمدينة أو للوطن، مثل حمادي بن عمار، وبوراوي البصلي، وحمد دعية، وعفيف اللقاني، محمد الهنشير، وعادل الشريف، وعبد الحميد بلعلجية، ونجيب الخطاب.. هؤلاء أولى من كلاوديا، فهم من ساهموا في مجد حلق الوادي، ورسخوا في قلوب أبنائها".