تسوّق الأنظمة
الدكتاتورية العسكرية لفكرة أن عمل التيار الإسلامي بالسياسة هو سبب منع
الديمقراطية عن مجتمعاتنا، وتعمل تلك السلطات أثناء سعيها الحثيث لتثبيت هذه المقولات في الشارع السياسي وفي أذهان العامة؛ على الخلط بين التيارات الإسلامية التكفيرية مثل داعش وبعض الجماعات الجهادية، وبين الاتجاهات الإسلامية التي تعتمد منهج الإصلاح المتدرج والنضال السلمي الدستوري لإقناع المجتمع بمشاريعها التغييرية. وتضع الأنظمة الحاكمة التيارات الإسلامية كلها في سلة واحدة.
وتتناغم مع هذه الدعاية السوداء، قطاعات لا يستهان بها من العلمانيين واليساريين ممن يصنفون أنفسهم بأنهم من أنصار الحرية والديمقراطية، فيغمضون أعينهم ويصمون آذانهم عن الممارسات الإجرامية للسلطات الدكتاتورية تجاه أنصار الحركات الإسلامية، بل ويؤيدونها أحياناً، ويمارسون لونا من الازدواجية البغيضة المقيتة، سببها الحقيقي هو نقمة هؤلاء السياسيين على الشعبية التي يحظى بها التيار الإسلامي في الشارع، فيتماهى هؤلاء مع الإجراءات القمعية للسلطات الحاكمة.
ووسط القصف الإعلامي العنيف، والسجون والمطاردات والقتل والتشريد والمصادرات والاضطهاد المنهجي، يدب اليأس والإحباط في نفوس بعض أبناء الحركة الإسلامية، وتبرز دعاوى الانصراف عن
العمل السياسي والحزبي والإعراض عن فكرة محاولة الوصول إلى السلطة، والانصراف إلى العمل الدعوي والتربوي والخيري. ويتم تبرير تلك الدعاوى من خلال بعض الأطروحات.. والتي أعتبرها لونا من الأوهام.
وسط القصف الإعلامي العنيف، والسجون والمطاردات والقتل والتشريد والمصادرات والاضطهاد المنهجي، يدب اليأس والإحباط في نفوس بعض أبناء الحركة الإسلامية، وتبرز دعاوى الانصراف عن العمل السياسي والحزبي والإعراض عن فكرة محاولة الوصول إلى السلطة، والانصراف إلى العمل الدعوي والتربوي والخيري
أولاً: القول بأن
الإخوان سيعتزلون العمل الحزبي والتنافس على السلطة وما يتبع ذلك من المشاركة في الانتخابات العامة، ولكننا لن نعتزل السياسة.. فيمكن أن نعبر عن مواقفنا السياسية في المناسبات العامة.
وهذا لون من المغالطة الشديدة والغفلة.. فإن إبداء الرأي والتفاعل الإعلامي وإصدار بعض التصريحات في المناسبات السياسية.. ليس فعلا سياسيا حقيقيا، بل هو لون من التفاعل مع الشأن العام يقوم به أي مواطن وأي تجمع بشري في المجتمع.. ولكن حتى تكون مشتغلا بالسياسة حقيقة فلا بد من أن تتفاعل بجدية مع مشكلات المجتمع، وتعد لذلك البرامج ويكون لديك رموزك ونخبتك السياسية التي تشارك في الانتخابات، والتي تنضج من خلال التنافس السياسي الحر والعمل في دولاب الدولة ومن خلال مشاركتها في المحليات والمجالس التشريعية والبرلمانات، وأن تعرض تلك النخبة السياسية تصوراتها للنهوض بالبلاد المنبثقة من مشروعها السياسي التغييري..
فلا معنى لأن تقول أنا مشتغل بالسياسة ولكني لن أمارس العمل الحزبي ولن أتنافس على السلطة.. لأن جوهر الممارسة السياسية لأي اتجاه سياسي هو أن يكون لك مشروع يعالج مشاكل المجتمع وقادة ورموز ونخبة سياسية تنفذ هذا المشروع، وقاعدة اجتماعية تؤيد ذلك المشروع.. ولن يكون هذا إلا بالنضال السياسي عبر الوسائل الديمقراطية التي توافقت عليها البشرية في الدولة المدنية الحديثة.
ثانياً: التوهم بأن الأنظمة الدكتاتورية سوف تسمح للإخوان بالعمل الدعوي والتربوي والخيري.. والسعي من خلال ذلك لأن تكون الحركة جماعة ضغط.
لا معنى لأن تقول أنا مشتغل بالسياسة ولكني لن أمارس العمل الحزبي ولن أتنافس على السلطة.. لأن جوهر الممارسة السياسية لأي اتجاه سياسي هو أن يكون لك مشروع يعالج مشاكل المجتمع وقادة ورموز ونخبة سياسية تنفذ هذا المشروع، وقاعدة اجتماعية تؤيد ذلك المشروع.. ولن يكون هذا إلا بالنضال السياسي عبر الوسائل الديمقراطية
أيها السادة، إن هذه الأنظمة تحاصر كل منظمات المجتمع المدني وتريدها جميعا تحت السيطرة، سواء كانت أحزابا أو جمعيات خيرية أو نقابات مهنية أو عمالية. وليس هذا فحسب، بل تسعى إلى اختراقها والتحكم فيها، يستوي في ذلك الإسلامي والعلماني.. أو حتى الوطني.. إن تلك الأنظمة تفرض وصايتها على مجتمعاتنا وتضع المسدس في رأس الجميع.. صحيح أن الحركة الإسلامية ينالها القسط الأعظم من الاضطهاد، ولكن ليس هذا بسبب أيديولوجياتها فحسب، بل بسبب شعبيتها وقوتها.
إن الأنظمة الدكتاتورية تسعى إلى تعزيز التناقض والاحتراب بين الاتجاهات السياسية في المجتمع حتى تظل ممسكة بزمام السلطة، فتثير التناقض بين الإسلامي والعلماني، والمسلم والمسيحي.. إنها باختصار تخوف الجميع من الجميع، حتى تبقى هي دائما رمانة الميزان للحفاظ على الدولة.. وهذه أخطر الأشياء التي على القوى السياسية والاجتماعية المختلفة أن تتجاوزها.. وبالتالي فإن معركتنا حتى تكون في اتجاهها الصحيح يجب أن تكون في السعي لإقامة نظام سياسي حر يكفل للأفراد والجماعات على اختلاف توجهاتهم العمل بحرية، سواء في المجال السياسي أو التربوي أو الخيري، طالما هم يستخدمون في ذلك وسائل النضال السلمي، ولا ينتهجون العنف لفرض أفكارهم أو لاغتصاب السلطة.
تجارب التخصص الوظيفي
ثالثا: الجدال حول أهمية التخصص، وأن تكون هناك فئة تتخصص في العمل التربوي وأخرى في العمل السياسي.
طبعاً لا مشكلة في أن تكون للإخوان خياراتهم في تنظيم اشتغالهم بالعمل السياسي، فتجارب الحركات الإسلامية كثيرة في العالم. فمن الحركات الإسلامية من اعتمد فكرة أن تكون هناك جماعة تربوية ولها ذراع سياسي عبارة عن حزب.. ومنها من اعتمد فكرة وجود جماعة تربوية ووجود حزب سياسي منفصل عنها.. ومنها من اعتمد فكرة العمل عبر إنشاء حزب سياسي فقط.. ويمكن أن تتعدد التجارب والأشكال والاجتهادات، بما يوافق ظروف الحركة الإسلامية في كل مجتمع.
علينا أن نسعى للقضاء على الدكتاتورية، وأن نحفظ للمواطن في بلادنا أياً كان اتجاهه السياسي الحقَ في التعبير عن رأيه، والحق في إنشاء التنظيمات السياسية والاجتماعية التي يمارس فيها نشاطه طالما لا يستخدم العنف في ذلك.. فإن هذا هو جوهر النظام السياسي في الإسلام
ولكن ينبغي أن يتم ذلك في إطار الاجتهاد لتحقيق غايات وأهداف المشروع الإسلامي، وليس في إطار المساومات للإفراج عن المعتقلين، والتوقف عن الإجراءات القمعية تجاه أبناء الحركة الإسلامية؛ لأن أثر هذا الفعل سياسيا، هو تثبيت فكرة فصل الدين عن السياسة وعن الدولة وعن الشأن العام والعمل الحزبي والتنافس على السلطة في أذهان الناس، وستصبح بذلك أي ممارسة سياسية جادة من تيارات الحركة الإسلامية مجرّمة عرفا وقانوناً.. وهذا ما تسعى القوى الدولية والإقليمية والمستبدون المحليون إلى تحقيقه منذ أمد طويل.
الخلاصة: علينا أن نسعى للقضاء على الدكتاتورية، وأن نحفظ للمواطن في بلادنا أياً كان اتجاهه السياسي الحقَ في التعبير عن رأيه، والحق في إنشاء التنظيمات السياسية والاجتماعية التي يمارس فيها نشاطه طالما لا يستخدم العنف في ذلك.. فإن هذا هو جوهر النظام السياسي في الإسلام والذي يوافق روح العصر وما وصلت إليه البشرية في عصرنا الحديث. وإن على كل نخبنا السياسية مهما كان لونها أن تضبط بوصلتها نحو السعي للقضاء على الدكتاتورية، وإقامة نظام سياسي حر يحترم إرادة الشعب ويعطي للجميع الحق في التنافس على السلطة، في إطار سلمي ديمقراطي كما تفعل كل شعوب العالم المتمدن.. هذا هو الطريق نحو نظام سياسي.