زاد الحديث مؤخرا عن أحد السجون "سيئة الصيت" التي تديرها السلطة الفلسطينية، وخاصة بعد مطالبة خطيب الأقصى الشيخ عكرمة صبري، الجمعة الماضي، بإطلاق سراح المعتقلين على خلفيات سياسية.
"سجن أريحا" أو ما يطلق عليه بعض الفلسطينيين اسم "مسلخ أريحا"، لا يسمح للمؤسسات الحقوقية بالرقابة عليه، وغير مفتوح أمام وسائل الإعلام، وهو بحسب شهادات معتقلين "كابوس" لكل معتقل فلسطيني.
يوصف السجن في أريحا بأنه مركز تعذيب رقم "1" في السلطة، وأن من يجلب إليه، هو عرضة للتعذيب بوسائل مختلفة. ومعظم المعتقلين بداخله على خلفية سياسية ينتمون إلى "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وحتى من عناصر "فتح" الرافضين لطريقة عمل السلطة.
تهديد بالاغتصاب
ومن بين أبشع ما يتعرض له المعتقلون في هذا السجن، بحسب شهادات رصدتها "عربي21"، التهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي ضد المعتقلات على خلفية سياسية داخل سجن أريحا.
الأمر الذي أكدته المعتقلة السابقة التي أفرج عنها لتلقي العلاج بسبب التعذيب الذي تعرضت له، الناشطة سهى جبارة "أم براء"، وهي أم لثلاثة أطفال، وقالت في حديثها لـ"عربي21": "المحقق هددني بالاغتصاب، وسحب حضانة أبنائي مني".
وأوضحت أن "قضية المعتقلين في سجن أريحا ومنهم أحمد هريش، فتحت الملف الخاص بي وعمره ثلاثة أعوام. لقد تعرضت للعديد من طرق التعذيب، وهم يتعرضون لها الآن، ويأخذون منهم اعترافات تحت التعذيب"، وقالت: "أنا ما زلت أحكام حتى اليوم على أوراق وقعتها تحت التعذيب في مسلخ أريحا".
اقرأ أيضا: تعذيب وتهديد جنسي.. انتهاكات صادمة بحق الأسيرة سهى جبارة
وأكدت جبارة، أن "المعتقل يصاب بالرعب مما يشاهده داخل السجن، حيث يجري تلفيق بعض القضايا له إضافة إلى التعذيب"، منوهة إلى أنه يسمح فقط لمؤسسة حقوقية واحدة تابعة للسلطة بزيارة المعتقلين، وهي "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان"، ولا يسمح لغيرها.
ومن بين الأمور المرعبة للمعتقل، أنهم "يمسون بشرفه وسمعته وعرضه بشكل مرعب"، بحسب "أم براء" التي لفتت إلى أن "أسلوبهم أصبح مكشوفا".
وفي توثيق لها، أوضحت مجموعة "محامون من أجل العدالة"، أن المعتقل السياسي أحمد هريش، أكد أمام محكمة صلح أريحا، أنه تعرض للتعذيب، ومن بين ما سجل في محضر الجلسة التي عقدت في حزيران/ يونيو الحالي، قال هريش: "منذ أسبوع، وأنا في زنازين أريحا، تم شبحي من معاصم يدي بحبل، وكان وجهي مغطى، وتم تعليقي وضربي، وطلب مني بعد ذلك أن أدبك، وتم تعذيبي بواسطة الطوب والحديد، وجري إلى الخلف، وأساليب تعذيب أخرى".
وفي جلسة أخرى عقدت الثلاثاء الماضي، أكد المعتقل هريش أمام القاضي ذياب القواسمة، استمرار تعرضه للتعذيب لدى جهاز المخابرات في أريحا بعد جلسة تمديد التوقيف الواقعة يوم 14 من الشهر ذاته"، بحسب بيان المجموعة التي أكدت أنه يجري الضغط على المعتقل المذكور من أجل إرغامه على "القبول بتهم جنائية خطيرة جدا، تنال من سمعته ووطنيته".
وفي نداء عاجل لمجموعة "محامون من أجل العدالة"، طالبت بالإفراج الفوري عن المعتقل هريش، وفتح "تحقيق جاد بادعاءات التعذيب، والمطالبة بملاحقة شكوى التعذيب وفق الأصول القانونية".
ولأخذ تعليق السلطة الفلسطينية على ما سبق من شهادات حول ممارسة التعذيب ضد المعتقلين داخل سجن أريحا، تواصلت "عربي21" مع المفوض السياسي العام والناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية بالضفة الغربية، اللواء طلال دويكات، والمتحدث باسم الحكومة إبراهم ملحم، لكن أحدا منهم لم يرد على الاتصال.
وفي تقريرها السنوي لعام 2021 الذي اطلعت عليه "عربي21"، أكدت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، أنه في "مجال الحق في السلامة الجسدية وعدم الخضوع للتعذيب، لاحظت الهيئة ارتفاعا في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة التي تلقتها الهيئة، حيث بلغ عدد الشكاوى 445 شكوى في الضفة الغربية وقطاع غزة، بواقع 252 شكوى في الضفة الغربية، و193 في قطاع غزة".
أساليب التعذيب
وعن حقيقة ما يجري داخل سجن أريحا الذي تديره السلطة الفلسطينية، أوضح مدير مجموعة "محامون من أجل العدالة"، المحامي مهند كراجة، أنه "تم تشكيل لجنة مشتركة من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وتضم؛ المخابرات، الأمن الوقائي، الاستخبارات، الأمن الوطني والمباحث، لمتابعة قضايا المعتقلين على خلفية سياسية بشكل أساسي".
ولفت في حديثه لـ"عربي21"، أن "شهادات العديد من الأشخاص الذين تم الإفراج عنهم، تؤكد أن الظروف صعبة جدا بما يخص الاحتجاز والتوقيف والتعذيب الذي يمارس في مقر اللجنة الأمنية في أريحا، علما بأنه تم وسم هذا السجن من بداية تأسيسه بـأنه "مسلخ أريحا"، وهذا أيضا ما يذكره بعض العناصر العاملين هناك لبعض المعتقلين عند وصولهم إلى السجن، وفق شهادة مفرج عنهم".
ونبّه كراجة إلى أنه "في مقرات الأجهزة الأمنية الأخرى التابعة للسلطة، يتم تهديد معتقل ما بإرساله إلى "مسلخ أريحا" مقر اللجنة الأمنية"، مؤكدا أن "بعض المعتقلين يعيشون في السجن المذكور، ظروفا صعبة للغاية نظرا لطبيعة التعذيب الذي يمارس ضدهم، وفق توثيق مؤسسات حقوقية".
وعن طرق ووسائل التعذيب المعتمدة داخل سجن أريحا بحسب شهادات معتقلين، ذكر المحامي أن "وسائل التعذيب عديدة منها؛ الشبح، الحرمان من النوم والأكل، سحب الفراش، الضرب بالأيادي، إيهام المعتقل بأنهم سيقومون بإلقائه في بئر، التهديد وسواء المعاملة والصياح، ورؤية أناس مشبوحين وغير ذلك".
اقرأ أيضا: الناشطة جبارة تروي تفاصيل تعرضها للتعذيب بسجون السلطة (شاهد)
ولفت إلى أن المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية، تعرف ما يجري داخل سجن أريحا، موضحا أن "وجود هذا السجن، هو تهديد لكل ناشط سياسي أو مدافع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، علما بأنه يتم إرسال أشخاص من المدن الفلسطينية كافة في الضفة إلى هذا المقر، لتهديدهم أو تعذيبهم وإساءة معاملتهم".
وعن ملاحقة النشطاء الفلسطينيين من أجهزة السلطة وأجهزة أمن الاحتلال، أفاد المحامي، بأن "الكثير من المعتقلين في هذا السجن والذين يتم التحقيق معهم على قضايا سياسية، نحو 70 في المئة منهم يتم إعادة اعتقالهم على الملفات والمواضيع ذاتها من الاحتلال".
الباب الدوار
وقال كراجة: "نحن نتحدث عن سلطتين وقمع واحد للنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأغلب من يتم اعتقالهم هم أسرى محررون سبق أن اعتقلهم الاحتلال"، مضيفا أن "من الممكن أن يكون معتقلا عند الاحتلال ومن ثم تعتقله أجهزة السلطة، وتمارس بحق كثيرين منهم سياسة الباب الدوار؛ يعتقل عند الاحتلال ومن ثم السلطة ومن ثم الاحتلال وهكذا".
وأكد أن "ما يجري هو تهديد وتخويف وقمع كل النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطيني الذي يقع تحت الاحتلال".
بدوره، قال رئيس الهيئة الدولية لحقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، الناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي: "نحن ننظر بخطورة شديدة وإدانة بالغة لاستمرار وتصاعد ظاهرة الاعتقال السياسية في الضفة الغربية، وبحسب المعلومات، فإن هناك قرابة الـ76 معتقلا سياسيا جرى اعتقالهم في الفترة الأخيرة، إضافة لاعتقال طلاب ونشطاء في القوى والفصائل الفلسطينية المعارضة".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "ما يجري من اعتقالات، يتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني وجملة التشريعات الفلسطينية ذات الصلة، إضافة لتعارضها مع التزامات دولة فلسطين بموجب مواثيق حقوق الإنسان التي انضمت إليها، عدا عن إدانة معظم المؤسسات الحقوقية الوطنية والدولية لهذه الممارسات والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف جرائم التعذيب".
ونوّه عبد العاطي، إلى أن "تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية بشأن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، الذي أشار بشكل واضح إلى استمرار انتهاك حقوق الإنسان واستغلال السلطة (الفلسطينية) لتأجيل الانتخابات"، مؤكدا أن "هناك المئات من المعتقلين السياسيين الذي تعرضوا للاعتقال والتعذيب الوحشي وبالذات داخل سجن أريحا سيئ الصيت".
وشدد الحقوقي الفلسطيني على "ضرورة التحرك الجاد من قبل الكل الوطني والضغط من أجل الإفراج عن كافة المعتقلين على خلفيات سياسية والرأي وضمان عدم تعرضهم للتعذيب، وضرورة فتح النيابة العامة تحقيقا جديا في كل ادعاءات جرائم التعذيب، وضمان إنصاف هذه العائلات، عدا عن وقف ممارسات التعذيب والاعتقال السياسي وانتهاك الحقوق والحريات الذي بات يتسع في ظل أزمة السلطة وغياب عمل المجلس التشريعي واستمرار هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وغياب مؤشرات احترام سيادة القانون".