جاءت
زيارة قيادة حركة حماس للجزائر بعد فترة من المتغيرات المتعلقة بالوضع الداخلي واستقرار النظام السياسي هناك أيضاً، في ظل تحولات انعكست بشكل مباشر على النظام بين الموقف
الجزائري من الاستقطابات الدولية خاصة بعد الحرب في أوكرانيا وأزمة تصدير الغاز، ورغبة الدولة الجزائرية لعب دور أكثر فاعلية في الملفات الإقليمية والدولية، من جهة، ومن جهة أخرى أيضا في ظل سعي واضح من حركة
حماس نحو توسيع وتثبيت الحضور الإقليمي، وتقليص المساحات الرمادية بين أقطاب الأمة العربية والإسلامية وبما ينسجم مع أدبياتها، خاصة في ظل الفجوة في مساحة
التطبيع، وفي ظل الاصطفافات الإقليمية الحاصلة.
تأتي هذه الزيارة في وسط استقبال عال ورفيع من قبل دولة الجزائر، لوفد قيادي من الحركة ممثلاً برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ضمن ما يعرف بدبلوماسية المناسبات، والتي جاءت في الذكرى الستين لاستقلال الجزائر بدعوة من رئيس الجمهورية الجزائرية.
فالجزائر التي تمر بتحديات داخلية تتعلق بالاقتصاد والسياسة والاستقطاب الحاد، تحاول أن تلعب دوراً أكبر في مساحاتها المتاحة، لبلد ما زال الاستعمار يشكل دائرة خنق واضحة لمصيره واحتكامه لموارده التي تسجل أرقاماً كبيرة إذا ما تم تفنيدها بشكل دقيق كموارد وموقع جيوسياسي حيوي.
فهناك وضوح ظاهر في تعزيز التقارب مع روسيا، تحاول الجزائر التخفيف من حدته، وهو اقتراب موقفها من الموقف الروسي عبر مسارات مختلفة؛ أحدها قبل الحرب الأوكرانية الروسية عبر المناورات الواسعة المجال التي قامت بها القوات الروسية في المجال الحيوي للجزائر، واتسعت الدائرة لتمتد إلى ملف الغاز، واقتراب الموقف الجزائري من الموقف الروسي..
يحضر هذا الجانب إلى جانب مهم وبالغ الأثر مرتبط بالتفاعل الإقليمي وله علاقة بالتطبيع الإقليمي لا سيما بين "كيان الاحتلال" وبين المغرب، والذي انعكس بشكل فارق على قضية الصحراء الغربية وطبيعة التعاون التاريخي بين المغرب والاحتلال في نواح متعددة، لا سيما في تطوير أنظمة التجسس والمجالات العسكرية والتعاون الاستخباري في فترات ممتدة، ضمن عمل كيان الاحتلال للتغلغل في شمال أفريقيا كمنهجية سائدة بالنسبة له، وهو الأمر الذي تنظر له الجزائر كمهدد كبير يتعلق بسيادتها، خاصة ما ينالها من هذا التعاون بين الاحتلال والمغرب، مما يزيد من الضغط عليها للاقتراب من
فلسطين ولعب دور إقليمي فاعل في هذا السياق، باستضافة قيادة المقاومة الفلسطينية أو قوى سياسية أخرى. يتجلى ذلك أيضاً في المحاولة للتدخل في تحقيق المصالحة الفلسطينية على الأقل، وهو المدخل المهم الذي تراه الجزائر في التأثير الإقليمي، ويظهر أنه نابع من عمق الأخوة والانتماء العروبي الذي دشنه التاريخ الجزائري عبر محطاته الرائدة.
وفي السياق ذاته، فإن قوى المقاومة الفلسطينية التي تتحرك في السياق الذي يرفض التطبيع مع الاحتلال؛ من الطبيعي أن تتحرك في الاتجاه الذي يعزز من رفض التطبيع من خلال تعزيز التعاون مع القوى السياسية المناهضة للتطبيع، لا سيما الجزائر بلد المليون شهيد والتي لها التجربة الكبيرة في مواجهة قوى الاستعمار الذي اكتوت بويلاته، علاوة على أهم ركيزة وهي الموقف التاريخي للجزائر تجاه فلسطين؛ من انتماء وتضحية وفداء وعلاقات أخوة شكلت حالة فارقة في الانتماء العروبي لفلسطين.
وهذا الاتجاه يعزز المعطيات المتعلقة بتوجهات الجزائر والمقاومة الفلسطينية. أيضاً تشكل القيادة الجزائرية الحالية حافزاً مهما في إطار تموضعها مع الكتلة الشرقية، وهو التقارب التقليدي للجزائر خاصة الصين وروسيا. وهو في السياق ذاته اتجاه يخدم ويعزز فرضيات التموضع التي تبنيها قوى المقاومة لا سيما حركة حماس؛ في تشكيل تلك التصورات عن علاقاتها البينية بين الدول، والتي تصب باتجاه فتح آفاق التعاون الواسع مع القوى التي تعمل في هذا الاتجاه، وهو ما يزيد فرصها أيضاً بتواجدها في محور القدس الرافض للهيمنة الصهيو- أمريكية في المنطقة.
لكن الجزائر كبلد كبير يمثل الركيزة في شمال أفريقيا، تعمل بتوازن في إطار تحالفاتها بعيداً عن الدخول في الأقطاب إلا بقدر ما يحقق مصالحها وفق التحديات التي تعتريها وبتوازن عام، ووفق الظروف الناشئة بعد الأزمات الداخلية التي هي بحاجة لترميم دائم، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية والتي انعكست عليها، مما زاد من أسعار السلع والخدمات، ما يجعل ذلك سبباً فاعلاً في بقاء مهددات الأزمات الداخلية لديها قائمة.
إلى هنا، يبقى المشهد الإقليمي يفرض ظلاله على كافة القوى، مما يجعل مصفوفة التحالفات والأولويات تتغير بقدرة الأطراف على التقاط الفرص وتحقيق المصالح الأعلى، في علاقاتها البينية والتي تتشابك فيها الاعتبارات الخاصة بكل دولة من تلك الدول. وعليه فإن الموقف الجزائري الذي يتمثل باحتضان الثورة الفلسطينية منذ الحقب الماضية؛ موقف نبيل مستمر في توجهاته الحقيقية لفلسطين الشعب والثورة.