المطالبات بإنهاء
الاستعمار الإسباني لهما لم تتوقف يوما.
ورغم أن العالم يتحدث
عنهما كجيبين إسبانيين في شمال أفريقيا لكنهما في الواقع أراض عربية محتلة من قبل
إسبانيا.
إنكار إسبانيا
احتلالها لهما لم يقف حائلا بين المغرب والمطالبة باستمرار باستعادتهما بالإضافة
إلى 4 جيوب أخرى صغيرة في البحر المتوسط وكلها تقع في مضيق جبل طارق.
سبتة ومليلية أراض مغربية يعبر من خلالها المهاجرون الأفارقة باتجاه أوروبا كونهما الجزء الوحيد من
اليابسة الذي يربط بين أفريقيا وأوروبا.
تقع مدينة سبتة على
الساحل المغربي عند مدخل البحر المتوسط على مضيق جبل طارق، وتبلغ مساحتها 20
كيلومترا مربعا، وتعداد سكانها حاليا 77 ألف نسمة. ونظرا لموقعها الاستراتيجي
المتميز، سيطر عليها الرومان في عام 42 بعد الميلاد، وبعد ذلك بنحو 400 عام طردت
قبائل الفاندال الرومان من المدينة، ولاحقا، سيطر عليها البيزنطيون، ثم القوط (قبائل
جرمانية شرقية) القادمون من إسبانيا.
وتقع مليلية في شرق
المغرب، قرب الحدود الجزائرية، قبالة الساحل الجنوبي لإسبانيا. وتزيد مساحتها على
12 كيلومترا مربعا، وتعداد سكانها حاليا 70 ألف نسمة. وكانت في الأصل قلعة بنيت
على تلة مرتفعة، وتبعد 500 كيلومتر عن السواحل الإسبانية، ولذلك فهي أكثر تأثرا
بالثقافة المغربية، وعدد المغاربة الذين يعيشون فيها أكثر من أولئك الذين يعيشون
في سبتة.
وكانت سبتة قاعدة
الفتح الإسلامي بقيادة طارق بن زياد لإسبانيا عندما غير حاكمها القوطي، جوليان
موقفه وحث المسلمين على غزو إسبانيا.
كانت سبتة رأس الحربة
للفتوحات الإسلامية لشبة جزيرة أيبيريا في القرن الثامن، وحكمهم العرب لمدة 800
عام.
وسيطرت إسبانيا على
هذه المناطق لاحقا في حملة عسكرية لإخراج المسلمين من المنطقة التي أصبحت الآن
إسبانيا والبرتغال.
ويبدأ تاريخ سقوط
المدينتين مع ضعف إمارة بني الأحمر في غرناطة في القرن الخامس عشر الميلادي، ليحتل
البرتغاليون سبتة عام 1415، ثم سقطت مليلية في يد الإسبان عام 1497، وظلت سبتة تحت
الاحتلال البرتغالي حتى عام 1580 عندما قامت إسبانيا بضم مملكة البرتغال، وبعد
اعتراف إسبانيا باستقلال البرتغال، تنازلت الأخيرة بمقتضى معاهدة لشبونة عام 1668
عن سبتة لإسبانيا.
وبعد استقلال المغرب
عن إسبانيا وفرنسا عام 1956 احتفظت إسبانيا بسبتة، التي أصبحت إقليما يتمتع بالحكم
الذاتي منذ عام 1995.
وكان المسلمون في
المدينتين قد ثاروا عام 1985 احتجاجا على "قانون الأجانب" الذي طالب كل
الأجانب في إسبانيا بإدراج أسمائهم لدى السلطات أو يتعرضون للطرد.
حاول المغاربة مرارا
استعادة المدينتين، وكانت أبرز هذه المحاولات بقيادة مولاي إسماعيل في القرن
السادس عشر الميلادي، إذ حوصرت مدينة سبتة لفترة طويلة لكن دون جدوى. كما حاول
مولاي محمد بن عبد الله عام 1774 محاصرة مدينة مليلية دون أن يتمكن هو الآخر من
تحريرها.
واستمرت محاولات
المغاربة لاستعادة المدينتين في القرن العشرين، وذكرت بعض المصادر التاريخية أن
الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، قائد ثورة الريف، كان في وضع عسكري يسمح له
بدخول مدينة مليلية ولكنه أحجم عن ذلك.
وتطالب الرباط، منذ
استقلال المغرب عن فرنسا وإسبانيا، بمدينتي سبتة ومليلية وبعض الجزر الصغيرة قبالة
الساحل الأفريقي.
وفي عام 2002، طرد
الجيش الإسباني قوة من الشرطة المغربية من جزيرة برجيل المقابلة لسبتة، والتي يطلق
عليها المغاربة اسم جزيرة ليلى.
وأثارت زيارة ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس لمدينة سبتة عام 2007 غضب المغرب، ودفعته إلى تجديد
مطالبته بالسيادة على المدينتين.
لكن في عام 2015، أعلن
رئيس الحكومة المغربية حينئذ عبد الإله بنكيران أن الوقت لم يحن بعد للمطالبة
باسترداد مدينتي سبتة ومليلية. ودعا الفرقاء السياسيين إلى الابتعاد عما وصفها بالمزايدات السياسية في هذه القضية، مشيرا إلى أن إسبانيا شريك اقتصادي مهم
للمملكة.
واعتبر بعض المحللين
أن السبب في تغير موقف الرباط في هذه القضية هو عدم قدرتها على فتح جبهتين في وقت
واحد؛ الأولى في الجنوب ضد جبهة البوليساريو والجزائر، والثانية في الشمال ضد إسبانيا.
كما كان الموقف
الإسباني انتهازيا حين أعلنت مدريد عن دعمها لسيادة المغرب على الصحراء الغربية،
وهو تغيير مفاجئ في موقف إسبانيا مما تسبب بأزمة دبلوماسية بين إسبانيا والجزائر.
والموقف الإسباني
ينسجم مع موقف بعض الدول الغربية إضافة إلى دولة الاحتلال التي أعلنت عن دعم
المغرب في السيادة على الصحراء الغربية.
ولا تصنف الأمم
المتحدة سبتة ومليلية ضمن المناطق المحتلة في العالم.
ويصف الإعلام العربي
المدينتين بأنها أرض عربية مهما طال احتلالها، وجرح قديم ظنه البعض اندمل، لكنه يستمر في النزف ولا علاج له سوى إعادة السيطرة عليهما. كما يكتب في الإعلام
العربي.
وعلى الرغم من خوض
المغرب حربا للسيطرة على الصحراء الغربية بعد انسحاب إسبانيا منها عام 1975، إلا
أن محاولتها السيطرة على سبتة ومليلية كانت شديدة البطء.
ويقول مختصون في الشأن
المغاربي إن المغرب تصرف بحسن نية بعد الاستقلال عن إسبانيا وفرنسا، وتصور أن
الأمر يمكن حله بتحضر في المستقبل، لكن رد الفعل الإسباني لم يكن مماثلا.
ووافق المغرب على فصل
مسألة سبتة ومليلية عن النزاعات الأخرى على الأرض، ما وضع البلدين في مواجهة أمام
لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، التي تعرف
باللجنة الرابعة.
وترفض إسبانيا كليا أي
حديث عن مفاوضات بشأن المدينتين، وتصر على أنهما إسبانيتان منذ أكثر من خمسة قرون،
وأنهما جزء أساسي من الدولة الإسبانية. ولم يكن الجيبان إسبانيين في الجزء الأكبر
من تاريخهم وإنما كانا تابعين للدولة العربية.
لكن جايمي ترينيداد من
جامعة كامبريدج يرى عكس ذلك إذ يقول إنه "وفقا للقانون الدولي، فالأدلة
المغربية على تبعية سبتة ومليلية ضعيفة، وهناك عوائق سياسية وقانونية كبرى أمام أي
تغيير في حالة هذه الأراضي لصالح المغرب". وأضاف: "سياسيا، فالعائق
الأكبر هو رغبة سكان سبتة ومليلية في بقائهما إسبانيتين. وفكرة سيطرة المغرب
عليهما ضد رغبة السكان مستبعدة تماما في العصر الحالي".
لكن سبتة ومليلية
ترفضان أن تغيبا عن الأحداث ففي كل يوم هناك حدث حولهما مع اقتحام آلاف المهاجرين
أسوار سبتة ومليلية للهجرة إلى الدول الأوروبية الخاضعين للإدارة الإسبانية داخل
أراضي المغرب.
ووصف سياسيون
وإعلاميون مشهد مقتل 23 شخصا على الأقل في أثناء محاولتهم عبور الحدود المغربية
الإسبانية بأنه جريمة.
لكن الحديث عن مغربية
سبتة ومليلية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة قد يغيب لبعض الوقت عن المشهد في
ظل المقايضة السياسية التي تشهدها المنطقة العربية حاليا بعد تسونامي التطبيع
الرسمي العربي مع الاحتلال. المطالبات بإنهاء الاستعمار الإسباني لهما لم تتوقف يوما.