تأتي زيارة
بايدن للمنطقة في ظل حالة من التردي العربي غير المسبوق، والذي توج باتفاقات تطبيعية "إبراهيمية" تهدف لفرض إدماج الكيان الصهيوني في المنطقة بأبعاد مصلحية مزدوجة، تضمن توفير شبكة حماية لديمومة وترسيخ العروش العربية، مقابل دمج الكيان وتتويجه على عرض المنطقة كدولة رائدة وقائدة.
وكانت القضية الفلسطينية أبرز الغائبين عن أجندة الزيارة، والتي تم تجاوزها بشكل خطير، والقفز عليها بجسور تطبيعية مباشرة دونما حضور فاعل حتى للعبارات البروتوكولية التقليدية التي حافظت الأطراف عبر عقود على ترديدها، والتي ساهمت في بقاء القضية حية على مستوى التداول السياسي والإعلامي على الأقل، اللهم إلَّا ما صدر عن بايدن من عبارات استهلاكية مفرغة من قيمتها العملية، عندما عبَّر عن التزامه بخيار حل الدولتين، لكنه أشار في ذات السياق إلى عدم وجود إمكانية عملية لتطبيقه حيث وصفه بأنه "بعيد المنال". فقد باتت الولايات المتحدة تنظر للقضية الفلسطينية باعتبارها أحد ملحقات الشأن والأمن الصهيوني الداخلي، ولم تعد القضية المركزية واجبة الحضور على الأجندة العالمية.
فقد كان تركيز الزيارة بأبعادها السياسية والاستراتيجية على دولة الكيان أولاً؛ تلاها اجتماع جدة الذي يخدم ذات السياق والأهداف المُعدّة أمريكياً، أما زيارة مدينة بيت لحم ولقاء بايدن مع رئيس السلطة فهي ذات طابع سياحي ديني شكلي مفرغ من أي مضامين سياسية حقيقية.
باتت الولايات المتحدة تنظر للقضية الفلسطينية باعتبارها أحد ملحقات الشأن والأمن الصهيوني الداخلي، ولم تعد القضية المركزية واجبة الحضور على الأجندة العالمية
الأهداف:
1. استكمال مسار
التطبيع الصهيوني مع الدول العربية بمضامين اندماجية، يُشكِّل فيها الكيان رأس القاطرة والدولة القائدة، في عملية وراثة متدرجة للنفوذ الأمريكي في المنطقة، بأبعاد اقتصادية وجيوسياسية، ويتفرع من ذلك المساعي لتطوير المستويات التطبيعية بين الكيان والسعودية، وتحويل السري إلى العلني وغير الرسمي إلى رسمي لكن بشكل تصاعدي متدرج.
2. مواجهة إيران وإحباط مشروعها النووي، بالمزيد من الضغط والحصار والتكتلات الاستقطابية في المنطقة، والمبادرات التنسيقية مثل "إعلان القدس".
3. الضغط على الدول النفطية لزيادة إنتاجها من البترول بغية تخفيض أسعار المشتقات البترولية في الأسواق العالمية وخصوصاً في الولايات المتحدة، التي وصلت إلى مستويات عالية من التضخم الذي يضغط بدوره على المستوى السياسي، لا سيما قبيل الاستحقاق الانتخابي للتجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في ظل حالة عامة من السخط الشعبي على أداء بايدن على المستوى الاقتصادي خاصة. كما يتفرع من ذلك محاولة الولايات المتحدة وضمن صراعها مع روسيا استبدال جزء من الغاز الروسي الذي يمد أوروبا، وذلك عبر التحالفات الاقتصادية الجاري تشكيلها فيما يتعلق بغاز شرق المتوسط.
يتفرع من ذلك محاولة الولايات المتحدة وضمن صراعها مع روسيا استبدال جزء من الغاز الروسي الذي يمد أوروبا، وذلك عبر التحالفات الاقتصادية الجاري تشكيلها فيما يتعلق بغاز شرق المتوسط
التوقعات:
1. ستعزز الزيارة من الآفاق الاندماجية لدولة الكيان في المنطقة، وستتعزز لغة تقاطعات المصالح بين الطموحات الصهيونية وبين الأنظمة العربية الساعية لتثبيت أركان حكمها وحمايتها من المخاطر المصطنعة والموهومة؛ المتمثلة في إيران تارة وفي الحركات الإسلامية تارة أخرى.
2. سنشهد المزيد من التضييق على الأطراف المناوئة للرؤية الصهيو- أمريكية لجرهم لمسار عرب التطبيع.
3. سنشهد تصاعداً في مستويات التنسيق والتعاون وربما التحالف بين المكونات المناهضة للتطبيع وتَسيُّد الكيان، والتي لا تزال القضية الفلسطينية على أولوياتها، وهي تستشعر حجم المخاطر المحدقة ضد الأمة وأمنها القومي وقيمها الثقافية والسياسية والوطنية.
4. انتهاء كامل لأي أفق حقيقي لمشروع تسوية القضية الفلسطينية وتلاشي فكرة حل الدولتين.
التوصيات:
1. على القوى الحية في الأمة صياغة استراتيجيات تبتعد عن التعويل على الحكام والأنظمة في مواجهة حالة الانهيار الوطني والقيمي التي تُسوَّق ضد الشعوب، والتعويل على القطاعات الشعبية والأهلية في تشكيل حصانة شعبية ضد ثقافة التبعية والتطبيع وتضييع ثوابت الأمة.
سنشهد تصاعداً في مستويات التنسيق والتعاون وربما التحالف بين المكونات المناهضة للتطبيع وتَسيُّد الكيان، والتي لا تزال القضية الفلسطينية على أولوياتها، وهي تستشعر حجم المخاطر المحدقة ضد الأمة وأمنها القومي وقيمها الثقافية والسياسية والوطنية
2. تعزيز مستويات التنسيق والتعاون بين قوى الممانعة، والتوحد على ثوابت القضية الفلسطينية ومواجهة مخططات طمسها وتذويبها، وترك الخلافات البينية مهما كَبرت، على أساس مواجهة الخطر الأكبر المشترك.
3. توسيع مساحة الاشتباك الميداني مع الاحتلال بكل السبل الممكنة وفي مختلف الساحات، من أجل كبح جماح الانهيار التطبيعي، لأن بيئة الهدوء والاستقرار تخدم أجندة العدو وتعزز من مشاريعه التوسعية، وتُغري المطبعين على استكمال نهجهم المنحرف، كما لن تكترث الدول صاحبة المصالح والنفوذ في المنطقة بقضيتنا إلا إذا شعرت بما يُهدد استقرار مصالحها.
4. رصد المتغيرات الدولية بدقة، وتتبع إرهاصات تَشكُّل نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية، والاستفادة من كل المساحات المتاحة المتولِّدة من فكرة تقاطعات أو تناقضات المصالح بين القوى والأقطاب الدولية.
5. الإسراع في تشكيل جبهة وطنية فلسطينية لإنقاذ الوضع الفلسطيني المأزوم، والذي يعاني من حالة انسداد أفق إصلاح النظام السياسي، في ظل عدم اكتراث القيادة الرسمية ذات الأولويات المختلة.