موقع روسي: كيف استفادت أنقرة من صفقة إسطنبول؟

كشف موقع روسي عن تفاصيل صفقة الحبوب التي وقعتها روسيا وأوكرانيا في إسطنبول تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وقال موقع "نيوز ري"، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الطرفين اتفقا على سحب الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية في ظرف أربعة أشهر، بينما وعد الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على موسكو المتعلقة بتقييد توريد المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية.

وأضاف الموقع أنه من أجل مراقبة كيفية سير عملية سحب الحبوب سيتم إنشاء مركز تنسيق خاص في إسطنبول يضم جميع أطراف الاتفاقية.

وثيقتان

وحسب الموقع؛ فقد وقع الجانب الروسي ونظيره الأوكراني على وثيقتين خلال المفاوضات التي احتضنتها إسطنبول، تُعنى الأولى برفع القيود المفروضة على تصدير المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، بينما تقدم الثانية آلية لتصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود.
 
ولتبديد مخاوف أوكرانيا من تقدم روسيا في أوديسا عن طريق البحر بعد الإخلاء المطلوب للموانئ، وقلق موسكو من أن يصبح ما يسمى بـ "ممر الحبوب" طريقًا جديدًا لتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالأسلحة، ارتأى الأطراف الخوض في جميع التفاصيل ما يضمن الحفاظ على مصالحهم الوطنية، وفق الموقع الروسي.

ووفقًا للاتفاقيات المبرمة ستعمل أوكرانيا على إزالة الألغام الموجودة على طريق السفن في البحر الأسود فقط.

وبعد ذلك؛ سيتجه ممر الحبوب عبر المناطق الآمنة إلى مركز التنسيق في إسطنبول؛ حيث ستُجري فرق مشتركة عمليات تفتيش لمحتويات السفن، مع العلم أن تصدير الحبوب سيتم من ثلاثة موانئ، وهي أوديسا وتشيرنومورسك ويوجني.

وحسب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، سوف تخضع السفن لعمليات تفتيش من أجل التصدي لظاهرة تهريب الأسلحة.

ورغم أن الاتفاقية لا تنص على أي مرافقة عسكرية، غير أن موسكو تعهدت بعدم إطلاق النار على السفن المحملة بالحبوب، لا سيما أن خرق شروط الاتفاقية يبطل مفعولها ويزيد من حدة التناقضات ويؤدي إلى تصعيد الأعمال العدائية. 

اقرأ أيضا:  ما آلية نقل الحبوب من الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود؟

طريق طويل إلى إسطنبول

وذكر الموقع أنه تم الحفاظ على سرية وثيقة الاتفاق طوال فترة تحضيرها، لكن عشية التوقيع أفادت بعض المعلومات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي أن روسيا ألغت الاجتماع وجها لوجه مع تنسيقية الحبوب مفضلة عقده عبر الفيديو.

وبعد ساعات قليلة؛ نفت وسائل الإعلام التركية الشائعات، مشيرة إلى إمكانية توقيع وثيقة جديدة.

وخلال مراسم التوقيع على الاتفاق، قال الرئيس التركي: "هذا الاجتماع تاريخي؛ فبفضل التوصل إلى اتفاق، جنبنا العالم خطر المجاعة الذي يهدد مليارات البشر في أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا وآسيا. أتمنى أن تعود هذه المبادرة، التي ستلعب دورًا كبيرًا في حل أزمة الغذاء العالمية، بالنفع على بلداننا والإنسانية".

وأصبحت مساهمة تركيا في حل أزمة الحبوب جلية للعيان بعد نجاحها في لعب دور رئيسي في حل أزمة الغذاء العالمية وإعلانها عن توسطها المحتمل في الصراع بين موسكو وكييف؛ إلى جانب النقاط التي سجلتها على مستوى السياسة الخارجية، ستتمكن تركيا، بعد أن أصبحت مركزًا للحبوب، من حل المشاكل السياسية والاقتصادية المحلية.

وبحسب الخبراء، يضاعف لعب تركيا دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا شعبية أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها العام المقبل.

وأوضح الموقع أن بعض الخبراء يعتقدون أنه من خلال لعب دور الوسيط ضمنت تركيا إدخال إيرادات عالية لمدة أشهر إن لم تكن لسنوات، مشيرين إلى إمكانية شراء تركيا الحبوب وإعادة بيعها إلى دول أخرى بسعر أعلى.

أردوغان شخص ماهر للغاية

ووفقًا للموقع؛ لم يكن قرار توقيع الاتفاقية أمرًا هينًا على روسيا، وقد أجبرت على ذلك عقب تبرئة الاتحاد الأوروبي نفسه من الوقوف وراء إثارة وتفاقم أزمتي الغذاء والطاقة العالميتين.

وفي وقت سابق؛ نفى الجانب الروسي إمكانية خطر حدوث مجاعة في العالم، لكن مع استمرار تلويح الغرب بهذا الخطر، أعربت موسكو عن استعدادها لتقديم المساعدة الممكنة لسحب الحبوب من الموانئ الأوكرانية.

ووفقًا لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإن الصفقة تنص على إزالة العقبات التي تحول دون تصدير الحبوب الروسية إلى الأسواق العالمية وتصدير الأسمدة المعدنية الروسية. وعن طريق مركز التنسيق؛ ستتأكد روسيا من عدم تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وهو ما يعد انتصارًا دبلوماسيًّا لموسكو.

بالإضافة إلى ذلك؛ كما يذكر الموقع، يشير لافروف إلى إحباط محاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تحميل روسيا مسؤولية أزمة الغذاء، وخلق صراع بينها وبين عدد كبير من الدول الفقيرة المحايدة.

من جانبه، يقول رئيس المجلس الاستشاري الروسي للشؤون الخارجية فيودور لوكيانوف إنه تم تسييس مسألة أزمة الحبوب واستخدمت بشكل فعال لتجييش العالم ضد روسيا، مضيفًا: "الاتفاقية الموقعة تنص على توجه الحبوب الأوكرانية من الموانئ إلى الأسواق الأوروبية ورفع القيود المفروضة على الأسمدة والإمدادات الروسية، بما في ذلك الحبوب الروسية. وعلى صعيد آخر؛ تعزز الاتفاقيات مكانة تركيا وتتيح لروسيا فرصة إثبات وفائها بجميع التزاماتها تجاه المجتمع الدولي".

وفي الوقت نفسه؛ أشاد لوكيانوف بدور أردوغان في إبرام الصفقة، مشيرًا إلى أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي حافظت على علاقاتها مع كل من موسكو وكييف خلال هذه الفترة الصعبة وغير المتوقعة، وتابع قائلًا: "في الحقيقة أردوغان شخص يمتلك ذكاءً حادًّا، فقد استطاع اغتنام جميع الفرص لخدمة مصالح بلاده. انتصاره لا يكمن في قدرته على إتمام الصفقة، بل في الحفاظ على مكانة خاصة لدى روسيا وأوكرانيا".

ونقل الموقع عن الخبير السياسي ياشار نيازباييف اعتقاده بأن موسكو أتاحت لأنقرة فرصة المشاركة في حل أزمة الحبوب بعد حصولها على مقابل، مشيرًا إلى الاجتماع الذي جمع أردوغان مع نظيريه الروسي والإيراني في القمة المنعقدة في طهران في 19 يوليو/تموز، والذي حاول خلاله أردوغان حشد دعم لتنفيذ عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا. 

ويلفت الموقع إلى أنه في الوقت نفسه؛ وبسبب الظروف الراهنة لا يستبعد الخبراء إمكانية نقض الاتفاقيات التي تم التوصل إليها. 

وذكر الموقع التقرير الصادر عن رابطة المنتجين الزراعيين الإيطالية (كولديريتي) الذي يوضح أمل الغرب في إنقاذ اتفاقية الحبوب الموقعة في إسطنبول سكان 53 دولة من خطر الجوع الداهم؛ حيث ينفق السكان ما لا يقل عن 60 بالمئة من الدخل على الغذاء. ووفقا لما ورد في التقرير؛ تعتبر مصر التي تستورد 70 بالمائة من الحبوب من موانئ البحر الأسود، وكذلك كل من لبنان واليمن الأكثر اعتمادًا على صادرات الحبوب الروسية والأوكرانية.

وختم الموقع بالإشارة إلى إمكانية تنامي نفوذ تركيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد أن أضحت أكبر مركز لشحن الحبوب.